لا أدري كيف في كل مرة أقنع نفسي أن "الحواوشي" هو داخل في مسمى كلمة "غذاء" .. من الواضح أن مكتشف "الحواوشي" سرّه (باتع) فلا زال يقنع الكثير من الجوعى والضحايا إلى الآن بأن ما اخترعه "أكلة" وليس تجربة فنية في علم التحنيط .. أنا ما أريده فقط هو أن يتدخل مجمع اللغة العربية في اعتبار الحواوشي جريمة غذائية وينزع هذه الكلمة لفظا ومعنى ورائحةً وطعما من أفواه المصريين.. وبطونهم.
كيف لا وصاحب هذا الاكتشاف العجيب في الأصل كان جزّارا ويُدعى عم "حواوشي" أراد أن يخدم الفقراء فأوهمهم أن هذا رغيف من اللحم..ولكن الحقيقة أنه قام بفرم ذرات من بقايا اللحم مع كثير من الدهن والبهارات تنسيك قصة اللحم وتسافر بك بعيدا عنها بدموع منهمرة نتيجة لقوة "الشطّة"الحارقة .. وعندما تم اكتشاف جناية عم "حواوشي" في حق بطون زبائنه فبدلا من القبض عليه وإيداعه في السجن ليتم انقاذ تاريخ مصر الحديث قاموا بتخليد ذكراه وللأسف .. ليصبح اسمه لعنة أقصد علما لدي المطاعم غير المرخّصة.
وعلى كلٍ يجب أن ننظر إلى الجانب الممتلئ من رغيف اللحم هذا .. فاختراع عم "حواوشي" لا يقل أهمية عن أي اختراع مصري بل تغلب علي فكرة أننا نستورد كل شئ من "الصين" بل أعتقد أن مصر يمكن أن تكون الدولة الوحيدة المصدّرة للحواوشي لو فُتح لها المجال والاستثمار في الخارج ...ولكن المشكلة في أن طموحات عم "حواوشي" كانت متواضعة ولم ترتقي لطموحات مؤسس سلسلة مطاعم "كنتاكي" وذلك بسبب -من وجهة نظري - أنه يشتبه في اعتبار ما صنعه يخدم البشرية بل يقتلها ويفرم أمعاءها ويهلك الحرث والنسل ..
لا أنكر أن عم "حواوشي" كان له اليد الطولي في ترسيخ مفاهيم جديدة وثقافة فرعونية كادت أن تندثر .. وهي إيهام العقول وتشكيلها وإبعادها عن الحقيقة .. فالحواوشي نجح فعلا في بناء مفهوم جديد ومصطلح حديث وهو "السياسة الغذائية" .. نجح في إقناع الشعب بأن ما بداخل الرغيف لحم ونجح في إقناع النخبة الحاكمة بأن الشعب يأكل شطائر لحم فعلا ونجح في إقناع المعارضة بكسب قلوب وأصوات المصريين في الانتخابات بتوزيع هذه الوجبة السياسية الدسمة "الحواوشي"..
الحواوشي ما هو إلا قليل من الحقيقة مع كثير من التوابل "المبهرة" والتي تسافر بعقل وبطن الضحية بعيدا حيث يريد الحاكم اقصد حيث يريد عم حواوشي.. فأخيرا لكي تحشد الناس وتسوقهم وتمتلكهم .. فقط عليك أن تكون "حواوشيّ" الطريقة لتتصدر الصفوف وتتحكم في العقول وتطعمها الحقيقة المغلّفة..
