عاجل

التوغل الصهيوني في القارة السمراء.. اختراق جديد لخاصرة العرب

  • 166
أرشيفية


الجامعة العربية تضع خطة لمنع فوز دولة الاحتلال بعضوية مجلس الأمن

البعد عن الخطابة واستثارة العواطف.. وتفعيل الدعم الاقتصادي لإفريقيا أمر ضروري

مراقبون: عملية الاختراق اعتمدت على تحقيق أكبر المكاسب بأقل التكاليف


 

"أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا" هذا هو حال العرب الآن بعد أن تنبهوا أخيرًا لخطر التوغل الإسرائيلي في إفريقيا؛ فبعد عدة عقود من العربدة الصهيونية في القارة السمراء قررت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية اتخاذ موقف للحد من التقارب الدبلوماسي بين دولة الاحتلال العنصري ودول وشعوب القارة التي طالما رزحت تحت نيران الاحتلال والعنصرية الغربية.

 

كان بيد العرب أن يجبروا التاريخ ليسجل يوم الاثنين 12 يونيو الجاري يومًا من أيامهم النادرة التي شهدت توحدهم على قرار واحد، بل وتنفيذه دون تخاذل البعض أو تعطيله من قبل البعض الآخر، كل حسب مصلحته أو نظرته للمشكلة التي بلغت حد المأساة؛ حيث تطمح دولة الاحتلال إلى الترشح لعضوية مجلس الأمن خلال عامي 2019 و2020، وتسعى في سبيل ذلك إلى الفوز بأصوات دول القارة الإفريقية (وهي أكبر كتلة دولية حيث يبلغ عدد الدول الإفريقية 56 دولة، وهو عدد مؤثر بلا شك في أي تصويت دولي بشرط توحده على قرار واحد)؛ وهو ما استنفر مجلس الجامعة العربية لإحباط المشروع الصهيوني.

 

 مجلس جامعة الدول العربية عقد في هذا التاريخ اجتماعًا طارئًا برئاسة الجزائر، وبناء على طلب من دولة فلسطين أقر خلاله خطة تحرك لمواجهة التغلغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية على حساب دولة فلسطين.

 

الخطة التي جرى مناقشتها وإقرارها في جلسة مغلقة، تضمنت دعوة الدول العربية إلى إدخال بند دعم القضية الفلسطينية وصيانة مكانتها التاريخية في إفريقيا ضمن خطط وبرامج أي تعاون اقتصادي وتنموي وثقافي وفني عربي إفريقي، بما يشمل القطاعات الحكومية المختلفة والوكالات العربية للتعاون الدولي والصناديق والمؤسسات المالية العربية التي تعمل في مجال التعاون العربي الإفريقي.

 

كما اشتملت الخطة على تعزيز التنسيق والتعاون بين الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي للتصدي لترشيح إسرائيل لعضوية مجلس الأمن عامي ٢٠١٩-٢٠٢٠، وتسريع وتيرة تنفيذ الخطة التي اعدتها الأمانة العامة في هذا الشأن، بالإضافة إلى تأسيس آلية تنسيق مشتركة بين جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي لمتابعة مجالات دعم القضية الفلسطينية ومتابعة تصويت الدول الأعضاء للاتحاد الإفريقي لصالح قرارات دولة فلسطين في المحافل الدولية.

 

والحقيقة أن المهمة تبدو صعبة في ظل العلاقات الصهيونية المتجذرة مع دول القارة التي تعود إلى عدة عقود مضت، أسهم في ترسيخها الاستعمار الغربي الذي كان مسيطرًا على مقدرات شعوب القارة السمراء، خاصة الفرنسي والبريطاني، وهي علاقات لم تبدأ منذ إعلان قيام دولة الاحتلال في فلسطين عام 1948؛ بل أقدم من ذلك كثيرًا.

 

البداية 1897م

 

بدأت علاقة إسرائيل، أو بالأحرى أصحاب مشروع قيامها، بإفريقيا مع انعقاد أول مؤتمر صهيوني في أغسطس 1897م في بازل بسويسرا؛ فقد برز في صدارة جدول أعماله اختيار أوغندا لتكون وطنًا قوميًا لليهود بجانب الأرجنتين وفلسطين.

 

 وقد أسهمت بريطانيا وفرنسا بدور كبير في تمهيد الطريق لتسهيل التغلغل الإسرائيلي في المستعمرات الإفريقية التي كانت تحت سيطرة كلٍّ منهما؛ حيث جعلت إنجلترا سيراليون وتنجانيقا ـالتي أصبحت الآن جزءًا من دولة تنزانيا التي تتشكل من تنجانيقا وزنجبارـ نقاط ارتكاز لإسرائيل في إفريقيا، وسمحت لها بإقامة قنصليات فخرية في هذه المستعمرات قبل استقلالها، وتحوّلت هذه القنصليات إلى سفارات إسرائيلية بعد استقلال هذه المستعمرات، أما فرنسا فقد فتحت لإسرائيل حرية العمل في ميناء جيبوتي، أقصى شرق القارة، وميناء داكار في السنغال، أقصى غرب القارة؛ لدعم نشاطها، وسمحت لها بإقامة علاقة وثيقة مع مستعمراتها في غرب إفريقيا, كما حدث في ساحل العاج.

 

وعمل الاستعمار الغربي أيضا على تقديم دولة الكيان الصهيوني إلى الأفارقة بوصفها دولة يعاني شعبها من التمييز العنصري، تمامًا كالأفارقة الذين يقاسون التمييز بسبب لونهم, في حين حاول إعاقة النشاط العربي وشوّه صورة العرب بوصفهم أحفادًا لتجّار الرقيق في إفريقيا.

 

وقد عقدت دولة الاحتلال اتفاقيات عدة تمويلية وتجارية مع فرنسا بهدف تأمين حرية التجارة الإسرائيلية مع المستعمرات الفرنسية السابقة في غرب إفريقيا, إلى جانب اتفاقيات مماثلة عقدتها مع بريطانيا لتطبيقها على الدول الإفريقية التي كانت خاضعة للنفوذ البريطاني.

 

ومع انضمام إفريقيا إلى الأمم المتحدة صارت كتلة صوتية لها وزنها في المحافل الدولية؛ لذلك سعت إسرائيل إلى كسب تأييد الدول الإفريقية, وفي هذا يقول أبا إيبان، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق: "كانت إسرائيل في أمس الحاجة إلى إنشاء علاقات مع إفريقيا تضمن منح أصوات التأييد لإسرائيل في المحافل الدولية، ولم يكن يكفي أن تعتمد إسرائيل على الفيتو الأمريكي والبريطاني والفرنسي في مجلس الأمن الذي كان محتاجًا إلى أصوات عشرات الدول الأخرى لكي تحول دون تدهور مركزنا وعزلتنا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة".

 

لماذا الاهتمام الإسرائيلي بإفريقيا؟

 

رغم استيلاء الصهاينة على فلسطين, وإقامة دولتهم على أرضها عام 1948م, فإن أفريقيا ظلّت في عقولهم لعدة أسباب منها: أن إفريقيا تمثّل البداية التي يستطيعون من خلالها إقامة دولتهم الكبرى؛ لوجود منابع النيل فيها الذي يمثّل حلم الكيان المغتصِب، إضافة إلى حاجة إسرائيل للاعتراف بها كدولة من قبل الدول الإفريقية لكسب الشرعية السياسية والقانونية، وهذا ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق أبا إيبان، كما تهدف من علاقاتها الإفريقية إلى عزل الدول العربية وتطويقها؛ إذ ترى تل أبيب أنها قد طوّقتها بطهران وأنقرة من جهة وأفريقيا من جهة أخرى، وأخيرًا الحيلولة دون قيام تكتل "عربي – إفريقي" ضدها, وهذا ما أكده شكومو أفنيري، مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1975، قائلًا: "إن الأهداف التي كنا نتوخاها من وراء توطيد العلاقات مع الدول الإفريقية هي كسب صداقة هذه الدول من أجل الخروج من العزلة السياسية, والحيلولة دون قيام معسكر إفريقي معاد يقف إلى جانب العرب في نضالهم السياسي ضد إسرائيل".

 

وبناء على ما تقدم فالقارة الإفريقية مثلّت -وما زالت- أهمية بالغة للاستراتيجية الإسرائيلية، ويكفي هنا الإشارة إلى حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ديفيد بن جوريون، في الكنيست الإسرائيلي عام 1960م لتتضح لنا تلك الأهمية؛ حيث قال: "الصداقة الإسرائيلية الإفريقية تستهدف في حدّها الأولي تحييد إفريقيا عن الصراع العربي الإسرائيلي، كما تستهدف في أحسن حالاتها ضمان مساندة إفريقية للمواقف الإسرائيلية".

 

ومن أجل ذلك ركز الكيان المحتل على دعم العلاقات مع جماعات إفريقية بعينها، وتتضح هذه الخصوصية في التعامل الإسرائيلي مع القارة الإفريقية باعتبارها من ثوابتها السياسية التي تتجاوز التعامل المؤقت مع أنظمة الحكم الإفريقية، بافتراض عدم استقرارها، إلى التعامل المتغير وشبه الدائم مع جماعات بعينها، فتساعدها وتساندها إذا كانت تشكّل قاعدة للسلطة القائمة دعمًا للاستقرار السياسي وتوطيدًا لأواصر العلاقات معها, أو تساندها إذا كانت خارج السلطة السياسية لإشاعة حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي في دولة معادية لإسرائيل، كما حدث في السودان؛ حيث طوّرت العلاقات مع بعض الجماعات, مثل "الدينكا" في جنوب السودان، التي يُقدّر عددها بنحو 3 ملايين نسمة؛ لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في السودان لإجهاضه اقتصاديًا وسياسيًا, وزرع عقدة الكراهية بين العرب والأفارقة بصورة تعيق السودان عن أداء دوره العربي والإسلامي، وحتى الإفريقي بوصفه نموذجًا للتعايش العربي الإفريقي المنشود.

 

وفي المقابل ظلّ الكيان الصهيوني على تعامله الوثيق مع جماعة "الأمهرا" التي كانت حاكمة في إثيوبيا, سواء في ظل حكم "هيلاسلاسي" أو "منجستو" أو حتى الآن, دعمًا لسيطرة هذه الجماعة على غيرها من الجماعات، معظم الجماعات الأخرى الإسلامية, وتعزيزًا للوجود الإسرائيلي في منطقة حوض النيل ومدخل البحر الأحمر، وقد استغلت إسرائيل في ذلك البعد الأيديولوجي لتقوية صلتها بالأمهرا؛ لأن هذه الجماعة لديها مزاعم بالانتماء للأسرة السليمانية, وقادتها يسمّون أنفسهم زعماء إسرائيل, ثم إن الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية ظلت تقوم بدورها في تعزيز هذه المزاعم؛ حيث ركزت في دعمها على أن "شعب الأمهرا" هو شعب الله المختار؛ ما سهل لإسرائيل الزعم بوجود وشائج قربى مع هذه العرقية. 

 

العلاقات العربية الإفريقية

 

تتميز العلاقات العربية مع شعوب إفريقيا بالرسوخ والعراقة؛ فقد يسجل التاريخ أن أول علاقات تجارية مباشرة بين العرب قديمًا وشعوب إفريقيا كانت بين مصر القديمة في عهد الملكة حتشبسوت عندما سيرت رحلات تجارية إلى بلاد بونت "الصومال حاليا"، كما سجل التاريخ هجرات متبادلة بين السكان عن طريق غرب الجزيرة العربية وشرق القارة، إضافة إلى دخول الشعوب الإفريقية في الإسلام وانتشاره بينهم في زمن قياسي، حتى أصبح الإسلام هو الديانة المسيطرة في إفريقيا بسبب سماحة الرواد الأوائل من التجار العرب الذين أصلوا لفكرة الأمانة مع سكان القارة السمراء، علاوة على أن الإسلام يساوي بين أتباعه ويحثهم على عدم التمايز إلا بالتقوى والعمل الصالح وتوخي العلم والاجتهاد في العمل الديني والدنيوي.  

 

وفي العصر الحديث شهدت العلاقات العربية الإفريقية تطورًا مهمًا؛ حيث قادت مصر ثورات التحرر الإفريقي من نير الاستعمار الغربي ووفرت لقادة الثورات الإفريقية ملاذًا آمنًا ودعمًا ماديًا وسياسيًا لا محدودًا، ودعمت شعوب القارة بكل ما أوتيت من ثروات وخبرات، ولم تبخل بأي منها في سبيل طرد الاستعمار من القارة، واستخدمت القاهرة قوتها الناعمة مثل الأزهر الشريف وقدمت المنح الدراسية في جامعاتها لأبناء القارة، وأسست لهم مدينة البعوث خصيصًا، وأنشأت العديد من الإذاعات الناطقة بلهجات ولغات هذه الشعوب على اختلافها، كل هذا جعل من التقارب العربي الإفريقي أمرًا واقعًا لا يمكن لطرف أن يستغني عن الآخر، خاصة أن الكتلة الأكبر والأضخم من العرب أرضًا وسكانًا تقع في إفريقيا، إلا أن الصهيونية العالمية نجحت في دق إسفين بين الطرفين، إن صح التعبير، حتى بدا بشكل كبير أن ثمة تحولًا جوهريًا حدث في المزاج الإفريقي تجاه القضايا العربية مضاد لمصالحهم، تمثل ذلك في التفاف عدد من دول حوض النيل حول الرغبة الإثيوبية في تحجيم الدور المصري في القارة ومحاربتها في ملف نهر النيل والسد الإثيوبي؛ هذا رغم ما قدمته مصر لدول وشعوب القارة. 

 

واعتمد المخطط الصهيوني في القارة الإفريقية على عدة أسس، وهي: "مرحلة المبادرة إلى الاعتراف باستقلال الدول الإفريقية، وإنشاء علاقات دبلوماسية كاملة مع هذه الدول، والتقدّم بعروض لتقديم معونات مالية وفنية ومعها جيش من الخبراء، وأخيرًا عقد الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية مع الأقطار الإفريقية.

 

عملية التغلغل الصهيوني في إفريقيا اعتمدت على تحقيق أكبر المكاسب بأقل التكاليف، حسب الطريقة اليهودية؛ عن طريق تقديم المساعدات التقنية في المجالات الزراعية والأمنية وغيرها من المجالات التي تتطلب إنفاق أموال كثيرة، فيكفي أن ترسل عددًا من خبرائها في أي مجال ليشعر الأفارقة بكثير امتنان للمساعدات الإسرائيلية "الملموسة".

 

الخلاصة أن العرب يمكنهم بسهولة استقطاب الدول الإفريقية لصالح قضاياهم لاسيما إذا استخدموا قواهم الاقتصادية في تطوير المجتمعات الإفريقية بطريقة ملموسة عبر توجيه مواردهم الاقتصادية المهولة، والاستغناء عن الأساليب الخطابية القائمة على استثارة العاطفة الدينية لدى الشعوب الإسلامية التي تتساءل عن جدوى التعاطف مع العرب في حين أن أثرياءهم ينفقون أموالهم ببذخ لافت في دول أوروبا؟ ما يشعرهم بالمرارة والانحياز إلى الشريك الإسرائيلي الذي يتماس مع مشاكلهم الحياتية.. وأخيرًا على العرب الإجابة عن سؤال مهم قد يطرحه الأفارقة وهو: كيف يعملون على وقف التغلغل الصهيوني في إفريقيا في الوقت الذي فشلوا فيه في وقف العربدة الإسرائيلية في بعض العواصم العربية؟