تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى..موجات الانفصال تضرب الاتحاد الأوروبي

  • 377
الملف داخل النسخة الورقية

تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى

 

موجات الانفصال تضرب الاتحاد الأوروبي

 

"كتالونيا" تطالب بالانفصال عن إسبانيا.. والخلافات الطائفية والاقتصادية تهدد بريطانيا وفرنسا

 

أوروبا تكتوي بنار النزاعات العِرقية.. والعرب أمامهم فرصة تاريخية لـ "الوحدة"

 

أعد الملف ـ أحمد البدوي محمد طه وعمرو حسن

 

أعاد الاستفتاء على استقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا مخاوف الساسة الأوروبيين من أن تتحول النزعة الانفصالية لدى العديد من الأقاليم والعرقيات إلى حركات فعلية بعد أن ظلت كامنة عدة سنوات، بعد إعلان منظمة "ايتا الانفصالية" تخليها عن السلاح في عام 2011، كخطوة على طريق تحقيق استقلال إقليم "الباسك" عن التاج الإسباني.

 

إلا أنّ اتخاذ الزعماء الكتالونيين خطوة إجراء الاستفتاء -رغم رفض السلطات الإسبانية التي قابلت عملية التصويت بعنف ملحوظ- أحيتْ لدى زعماء "الباسك" آمال الانفصال عن إسبانيا بعد عقود عديدة من العمليات المسلحة، التي قوبلت بمجابهة وحصار أوروبا الغربية كلها، التي كانت تناضل من أجل إعلان الاتحاد الأوروبي عوضًا عن تفتيت دول قائمة بالفعل مثل إسبانيا التي تتمثل خطورة تفككها في عدة جوانب، أهمهما قربها الشديد من المغرب العربي، ما يهدد بتحولها –إسبانيا- إلى معبر آمن وسريع إلى أوروبا التي "تعاني" من الهجرات غير الشرعية غير الانتقائية، وبالتالي ذوبان الهويّة اللاتينية أو الأوروبية عمومًا في موجات الهجرة العربية والإفريقية.

 

إسبانيا.. عَرَضٌ لمرضٍ

 

وإذا كانت إسبانيا كـ "طرف" مهم وحيوي على الحدود الأوروبية مع العالم الخارجي وبالأخص العرب؛ فإن هناك دولًا كثيرة لديها حركات تتعاطى مع النزعة الانفصالية بشكل متذبذب بين النشاط والخمول، وتتمايز مواقع هذه الدول بين الأطراف الحيوية لأوروبا وبين قلبها الذي بات قريبًا من التعرض لهذه الهزة التي قد تعيد الأوروبيين إلى حقبة الحروب العِرقية والطائفية التي كانت الحرب العالمية الثانية آخرها على المستوى الملحوظ، وإن لم تكن كذلك من المنظور الفعلي.

 

غذّت العواصم الغربية ومعها أمريكا انفصال إقليم "كوسوفا" ذي الأغلبية المسلمة عن جمهورية الصرب؛ لأسباب عديدة ليس من بينها شعور الأوروبيين بالمصاعب التي كان يتعرض لها المسلمون في كوسوفا، أو حتى في البوسنة والهرسك، التي كانت مسرحًا لارتكاب الفظائع ضد المسلمين هناك تحت نظر ورعاية حلف الناتو الذي انتظر حتى قضى الصربيون على كل مقومات القوة الثقافية والاقتصادية والسياسية لهذه الدولة قبل أن يتدخل لتحقيق مصلحة أصيلة لديه وهي تفكيك الاتحاد اليوغسلافي، الذي كانت جمهوريات "صربيا والبوسنة والهرسك وكوسوفا" من مكوناته إلى جانب كرواتيا والجبل الأسود ومقدونيا، وانفصال الأخيرة قوبل بتعنت يوناني؛ خشية أن تنتقل عدوى الانفصال إلى المقدونيين اليونانيين، خاصة أن إقليم مقدونيا اليوناني يحد في بعض مناطقه جمهورية مقدونيا اليوغسلافية، وهناك صلات دم بين السكان في الجانبين.

 

كان تشجيع أوروبا الغربية والناتو للنزعات الانفصالية في شرق أوروبا متواكبًا مع محاولات حثيثة لإعلان قيام الاتحاد الأوروبي ككتلة سياسية واقتصادية تتطلع إلى قيادة العالم، أو على الأقل مشاركة أمريكا في قيادته؛ ولكن هذه الآمال اصطدمت بعدة عقبات أهمها معاناة دول الاتحاد من انخفاض الكثافة السكانية، حتى أنّ دولًا ذات أوزان اقتصادية كبيرة بدا أنها في الطريق إلى الزوال مثل ألمانيا والدول الإسكندنافية؛ لذا كان من الطبيعي أن تقوم السلطات الألمانية باستقبال "انتقائي" للاجئين السوريين، على غرار ما حدث مع أطفال البوسنة والهرسك الذين فقدوا أسرهم في المذابح التي أقامها الصرب للمدنيين تحت سمع وبصر أوروبا "الحرة" ومعها أمريكا.

 

بريطانيا.. حجر الدُّومنيو الأول

 

إذا كانت إسبانيا هي الحالة الظاهرة الآن بحكم أنها الأحدث على الساحة الأوروبية إلا أن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يظل هو الحدث الأهم بحكم الوزن السياسي والاقتصادي البريطاني، فالمملكة الاستعمارية العتيدة لديها أنفة تاريخية وتعالٍ لا محدود على الجيران الأوروبيين، عزز هذا الأحساس بالتميّز عزلتها عن القارة الأوروبية وإطلالها على المحيط الأطلسي؛ وبالتالي قربها الجغرافي من الولايات المتحدة الأمريكية، لهذا لم يكن غريبًا أن يختار البريطانيون الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، فهم من الأصل لم يكونوا من المتحمسين للانضمام إليه، وانضووا تحت لوائه متأخرين.

 

بالإضافة إلى أن البريطانيين رفضوا تمامًا التخلي عن عملتهم التاريخية "الجنيه الإسترليني" لصالح اليورو، رغم أن اقتصاديات كبيرة تخلت عن عملاتها العريقة مثل "المارك الألماني والفرنك الفرنسي"، لذلك تمثل بريطانيا "حجر الدومنيو" الأول الذي يليه سقوط العشرات من أحجار الدومنيو.

 

ليس هذا فحسب؛ فبريطانيا ذاتها لديها همومها الانفصالية التي تعاني منها في "إسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية"، والأخيرة كانت لديها حركة مسلحة كانت تسمى "الجيش الجمهوري الحر" عملت لسنوات لتحقيق الاستقلال عن التاج البريطاني أسوة بنظيرتها الجنوبية، ولكن هل تنحصر النزعة الاستقلالية الأوروبية في هذه الحركات الإسبانية والبريطانية؟ بالتأكيد لا، فالحاضر الأوروبي يزخر بهذه الحركات سواء القائمة منها على أسس عِرقية أو طائفية أو إقليمية.

 

بين الاستفتاء والسلاح

 

في منتصف أكتوبر الجاري أدلى سكانُ كتالونيا بأصواتهم في الاستفتاء الذي نظمته السلطات الحاكمة في الإقليم، إلا أن هذا الاستفتاء يظل غير قانوني بحكم عدم موافقة الدولة الإسبانية على إجرائه، الذي تمّ من جانب واحد ليُحكم عليه بالفشل من الناحية الإجرائية، إلا أنه كشف عن رغبة عارمة لدى سكان الإقليم في الاستقلال عن إسبانيا؛ وفي الحقيقة هذا الوضع ينذر بالخطر إذا ما قرر الكتالونيّون حمل السلاح للحصول على ما يرون أنّه "حقهم" في إقامة دولتهم المستقلة.

 

هذا المصير نجت منه بريطانيا مؤقتًا عندما قرر الإسكتلنديون البقاء تحت التاج البريطاني في الاستفتاء الذي نُظم في سبتمبر 2014، حيث تأجل حلم الاستقلال عن المملكة المتحدة إلى وقت آخر، وفي حال استقلال إسكتلندا، كانت المملكة المتحدة ستخسر ثلث أراضيها، وسيقل عدد سكانها نحو (5) ملايين نسمة.

 

الويلزيون أيضًا

 

الإسكتلنديون ليسوا وحدهم المطالبون بالانفصال عن المملكة المتحدة، فهناك الشعب الويلزي البالغ تعداده أكثر من (3) ملايين نسمة، ويعيش غرب المملكة المتحدة، ويطالب أيضا باستقلاله، وإعطائه فرصة لإجراء استفتاء على الانفصال، كما أعطيت الفرصة للإسكتلنديين، لكن الإعلام البريطاني يتحدث عن أن عددهم لا يزيد عن (15%)، وأنه لا يوجد أي احتمال لإجراء استفتاء على حق تقرير مصيرهم.

 

أقاليم إيطاليا

 

"فينيتو" أحد أقاليم إيطاليا العشرين، ويقع في شمال شرقي البلاد، وهو أكثر الأقاليم التي تطمح لتحقيق الاستقلال عقب الاستفتاء الشعبي الذي نُظم في مارس 2014.

 

ويطالب الإقليم، وعاصمته "البندقية"، بالاستقلال عن إيطاليا لأسباب اقتصادية، فقد نظمت مجموعة من سكان الإقليم استفتاءً شعبيًا غير ملزم النتائج، عبر شبكة الإنترنت، مؤكدين من خلال الاستفتاء رغبتهم في الاستقلال.

 

وهو من أغنى الأقاليم الإيطالية من ناحية المعالم والأماكن التاريخية، حيث انضم إلى إيطاليا عام (1866)، أي فترة تأسيس الوحدة السياسية بين الأقاليم الإيطالية.

 

ونظم محافظا "لومبارديا، وفينتيسيا" استفتاء يوم 22 من الشهر الجاري للمطالبة بدعم الحكم الذاتي لشمال ووسط إيطاليا أو ما يعرف لدى الانفصاليين بمنطقة "بادانيا" (دولتهم المنشودة). ولإن سقط إعلان تنظيم ذلك الاستفتاء في طيّ النسيان منذ إبريل الماضي، فإن استفتاء كتالونيا قد أحيا نعرات الاستقلال التي يدعمها حزب رابطة الشمال الانفصالي ذو النزعة القومية المتشددة؛ وتمثل هاتان المحافظتان رئتيّ الاقتصاد الإيطالي، وتنتجان ربع الناتج المحلي الخام.

 

وأسفرت نتائج التصويت، بتأييد الانفصال، حيث جاءت نسبة من صوتوا بـ"نعم" للحكم الذاتي بأكثر من 98% من سكان فينيتو، و95% من سكان لومبارديا، وذلك بعد أن شارك في التصويت 60% من سكان فينيتو و40% فقط من السكان.

 

ويطالب بالانفصال كذلك إقليم "ترينتينو ألتو أديجي" الذي يعتبر الألمانية لغة رسمية، إلى جانب الإيطالية، ويتمتع بحكم ذاتي شمالي إيطاليا، ويقول الزعماء الانفصاليون في الإقليم ذي الغالبية النمساوية: إنهم ليسوا إيطاليين، وإنهم يرغبون في الاستقلال، والانضمام إلى وطنهم الأم، النمسا.

 

ومن وقت لآخر تعلو أصوات تطالب بالاستقلال في كل من إقليم "فريولي فينيتسيا جوليا"، على الحدود الإيطالية، والسويسرية، والفرنسية، وجزيرتي "سردينيا"، و "صقلية"؛ لأسباب عِرقية واجتماعية واقتصادية، في الوقت الذي يرفض فيه الدستور الإيطالي أي نوع من أنواع الاستفتاء الشعبي حول استقلال الأقاليم المكونة للاتحاد الإيطالي، ويعتبرها غير شرعية.

 

 

بلجيكا وإقليم الفلامنك

 

وصل حجم التأييد الشعبي للأحزاب المطالبة باستقلال "الإقليم الفلامنكي" عن بلجيكا، نحو (40%) من سكان الإقليم الذي يحتضن (60%) من سكان المملكة البلجيكية، والحجم الأكبر من ثرواتها الاقتصادية، ويبلغ المعدل السنوي لدخل الفرد في الإقليم الناطق باللغة الفلامنكية نحو (34) ألف يورو سنويًا، وينخفض هذا الرقم في إقليم "والون" الناطق بالفرنسية، إلى (25) ألف يورو فقط، وتصل معدلات البطالة في الإقليم الفلامنكي إلى (8.4%)، في الوقت الذي تزيد فيه نسبة البطالة في بلجيكا عن (11%).

 

وفي الوقت الذي يتواصل فيه الحديث عن ضرورة الانفصال ما بين الإقليميَن الفلامنكي والفرنسي المكونين للمملكة البلجيكية؛ لأسباب اقتصادية وتاريخية، يبدو أن تحقيق ذلك سيكون صعبًا في ظل تبني الطرفين لـ "بروكسل"، وهي مدينة مزدوجة اللغة، كعاصمة له، وعدم رغبة أي من الأطراف في خسارة تلك المدينة، لما تشكله من ثقل ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

 

وتطالب مقاطعة "أوبان"، ذات الأغلبية الألمانية بالمزيد من الصلاحيات، ويشتعل الجدل حول الاستقلال قبيل كل انتخابات تجرى في البلاد.

 

"جرينلاند"

 

تقع "جرينلاند" بين القطب الشمالي والمحيط الأطلسي، شمال شرقيّ كندا، ويغطي الجليد جزءًا كبيرًا من مساحة الجزيرة الأكبر في العالم، فيبلغ عدد سكانها (57) ألف نسمة، وأصبحت مستعمرة دنماركية عام (1775)، ثم مقاطعة دنماركية عام (1953)، ثم منطقة حكم ذاتي عام (1975).

 

ودعم الشعب في استفتاء عام سنة (2008) نقل سلطات الشرطة والقضاء وخفر السواحل وسلطات أخرى للحكومة الجرينلاندية، في الوقت الذي لم تبق فيه للدنمارك أي سلطة على الجزيرة الغنية بالنفط، والخامات المعدنية، سوى رعاية شئون الدفاع، والسياسات الخارجية، وأصبحت جرينلاند عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لكن في عام (1985) انسحبت جرينلاند من السوق الأوروبية المشتركة "الاتحاد الأوروبي الحالي".

 

"كورسيكا"

 

تقع جزيرة كورسيكا، جنوب شرق فرنسا، وتعد رابع أكبر جزيرة في البحر المتوسط، ومسقط رأس القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت، وتتكون من منطقتين، ونالت استقلالها عام (1735)، وفي عام (1768)، ضمتها فرنسا بموجب معاهدة فرساي.

 

ومع حلول عام (1960)، بدأت تتشكل فيها حركات انفصالية، من بينها "جبهة التحرير الوطنية في كورسيكا" التي شنت العديد من الهجمات على المباني العامة والدوائر الحكومية، وفي يونيو 2014 أعلنت الحركة في بيان لها تخليها عن العمل المسلح، وعن أي عمل يخلّ بالقانون، مقابل مواصلة الكفاح من أجل استقلال "كورسيكا"، بالوسائل السياسية، والثبات على أهدافها بالانفصال عن فرنسا، ودعت الحركة فتح محادثات سياسية مع فرنسا من أجل تحديد وضع الجزيرة.

 

"البلقان"

 

ونتيجة التنوع العرقي والديني في منطقة البلقان التي تتألف من البوسنة والهرسك، وصربيا وكوسوفا ومقدونيا؛ اتسمت الحركات الانفصالية في هذه المنطقة بطابع خاص.

 

ففي جمهورية البوسنة والهرسك الاتحادية يطالب الصرب بالاستقلال التام عن جمهورية البوسنة والهرسك، وإجراء استفتاء لتقرير مصيرهم؛ وتنص اتفاقية "دايتون" للسلام الموقعة في فرنسا عام (1995) التي حددت طبيعة الخريطة الجيوسياسية للبوسنة والهرسك، على أن أي تغيير في بنية جمهورية البوسنة والهرسك يجب أن يقر بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الممثلين (بوشناق- كروات- صرب) وبأغلبية أصوات البرلمان.

 

كوسوفا وصربيا

 

وفي عام (2008) أعلنت جمهورية كوسوفا، ذات الحكم الذاتي، استقلالها عن دولة صربيا، من طرف واحد؛ وأدى هذا الانقسام إلى صراعات بين الألبان والصرب في مدينة "ميتروفيتسا"، التي تقع ضمن حدود كوسوفا، ويشكل الألبان غالبية سكانها في قسمها الجنوبي، والصرب في قسمها الشمالي؛ ويطالب الصربيون في المدينة بالانضمام إلى صربيا، وفي دولة صربيا يطالب سكان عدة مناطق بالاستقلال وهي منطقة "فويودينا" شمال البلاد ذات الحكم الذاتي، التي يشكل المجريون غالبية السكان فيها، ومنطقة "سنجاق" في الجنوب التي يشكل البوشناق غالبية سكانها، ومنطقة "بريشيفا"، في الجنوب أيضا، والتي يشكل الألبان غالبية السكان فيها.

 

مقدونيا

 

يشكل الألبان (25%) من سكان مقدونيا، وفي الآونة الأخيرة شهدت مقدونيا ارتفاع أصوات الألبان المطالبين بالاستقلال، وأطلق بعض السياسيين الألبان اسم "جمهورية إليريدا"، وأعلنوا أن جميع مقومات الدولة ومؤسساتها جاهزة للعمل.

 

"مولدافيا"

 

أعلنت منطقة "ترانسنيسترا" استقلالها عن جمهورية مولدافيا عام (1990) إبان انهيار الاتحاد السوفيتي من طرف واحد، ولها برلمانها الخاص، وجيشها وجهاز للشرطة، ونظام بريدي، إلا أنها لم تنل اعتراف أي دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويشكل الرومان غالبية سكان المنطقة، وتحظى بدعم روسي.

 

أوكرانيا

 

وفي أوكرانيا، وهي إحدى دول الاتحاد السوفيتي سابقًا والأوروبي حاليًا، شهد شهر مايو 2014 استفتاءً على الحكم الذاتي أجراه زعماء انفصاليون موالون لروسيا في شرق البلاد ما أثار مخاوف "كييف" والغرب من نشوب حرب أهلية وتقطيع أوصال البلاد، خاصة بعد انفصال إقليم القرم، وانضمامه إلى روسيا الاتحادية بداية العام نفسه.

 

وفي غالب هذه النقاط الساخنة يحاول السكان الحصول على حق تقرير المصير عن طريق الاستفتاءات، ولكن في حال عدم اعتراف الحكومات المركزية بهذه الاستفتاءات ستكون دعوة لحمل السلاح للحصول على حق الاستقلال.

 

 

العرب والتاريخ

 

لاشك أنّ للتاريخ دورة لابد منها، وفي عهود سابقة عندما كانت أوروبا تعاني مرارة الحروب الأهلية كانت بلاد العرب والإسلام تعيش أزهى عصورها، وتمكنت من فرض سيطرتها على الكثير من بلدان الغرب، وهذا الوضع مؤهل للتكرار مع تنامي النزعات الانفصالية الأوروبية، وهي المشاكل التي عمل الأوروبيون على نقلها إلى المنطقة العربية، ونعيش ويلاتها الآن، ولكن يبدو أن الأقدار في طريقها لترد بضاعة الغربيين إليهم؛ ليصدق عليهم قوله تعالى: "تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى" (الحشر: 14).  

 

دوافع الانفصال

 

في هذا الصدد قالت الدكتورة نهى أبو بكر، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن استفتاء كتالونيا يواجه معارضة شديدة من إسبانيا، والعنف الذي تواجه به الحكومة الإسبانية سكان الإقليم لن يحل الأزمة، وسيدفع المؤيدين للانفصال للتصميم على آرائهم.

 

وأضافت أستاذة العلوم السياسية لـ "الفتح"، أن التوجه ناحية الانفصال أصبح موجودًا بشدة وليس غريبًا، وبررت أسباب ذلك بأنها توابع ما بعد انتهاء الحرب الباردة التي شهدت انقسامات وتفككًا كبيرًا في الدول الأوروبية؛ مشيرة إلى أن دوافع الانفصال تتمثل في اختلاف اللغات والعرقيات والطوائف في الدولة الواحدة.

 

وفي ذات السياق، أكد الدكتور مختار غباشي، أستاذ القانون الدولي، ونائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الاتحاد الأوروبي والحكومة الإسبانية من الصعب أن يتركا إقليم كتالونيا ينفصل؛ لتأثير ذلك على الوحدة الأوروبية حتى ولو كانت رغبةُ مواطني كتالونيا ملحة وكبيرة.

 

وأضاف الخبير الاستراتيجي لـ "الفتح"، أن حركات الانفصال في أوروبا أحدثت زلزالًا أربك دول الاتحاد الأوروبي، وأنَّ دول أوروبا تكتوي  بمصير الشرق الأوسط، ولذلك ستجد دعوات الانفصال مقاومة شديدة.

 

وأردف أن دول أوروبا تختلف عن إفريقيا والشرق الأوسط، مؤكدًا أن هناك أطرًا اقتصادية مشتركة وثقافة عامة واحتواء أوروبي لتلك الحركات ما يقف عائقًا أمام تلك الدعوات عن تحقيق رغبتهم في الانفصال.