مع كل هذا لسنا جائرين كغيرنا

  • 216

لا يتورع البعض عن كيل التهم جزافاً ورمي البرءاء بالبهتان هروباً من تحمل مسئولية ما جناه، فيحمل الغير جرماً لم يرتكبه فالأمر كما قيل :

غيري جنى وأنا المعاقب فيكم --- فما أنا الا كسبابة المتندم


حتى أضحت الساحة تشكو إلى الله جور الجائرين وطعن الطاعنين في العرض والدين بغياً وعدواناً، فعلى الرغم مما رأه الدانى والقاصى من سعى الدعوة السلفية وحزب النور تجنيب البلاد كل هذه الويلات سواء بطرح المبادرة التي لم يأخذ بها الدكتور مرسي إلا ليلة عزله والتي كانت مخرجاً حقيقياً وأمثل الحلول للأزمة التي تعيشها مصر وقراءة صحيحة للواقع كما أثبتت الأحداث رغم تنكر الجاحدين لكل هذا أو بالنصح الصادق الشفوق كما حدث في 16-6-2013
حيث قدمت إدراة الدعوة السلفية نصيحة ثمينة لوفد مكتب الإرشاد مكونة من ثمان نقاط لو أخذوا بها أو ببعضها لتغير مجرى الأحداث ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً أو بما طرحت الدعوة حينما احتدم الأمر يوم 30-6-2013 من نصح الرئيس بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة والتي كانت ستحافظ على جل مكاسب ثورة يناير فضلاً عن تجنيب البلاد كل هذه الويلات والدماء ولكن لم يستجب لشيء من هذا وغيره كثير مع أن حق النصيحة أن تستمع.

أضف إلى كل هذا ما حذرت منه الدعوة لما رأت نظرة الشر تلوح في الأفق والفتن تطل برأسها فحذرت من خطاب العنف والتكفير وما سيترتب عليه من إراقة الدماء مما سيجر البلاد حتماً إلى ما لا يحمد عقباه والعبرة في تجارب الماضى داخل مصر وخارجها . 
فبرأت الدعوة بذلك ذمتها وأعذرت إلى ربها ومع كل هذا يصر البعض إصراراً عجيباً على تحميل الدعوة وكذا حزب النور مسئولية ما حدث والمنصف فيهم يراهما شريكان في تحمل المسئولية وهذا حكم جائر قطعاً وقلب للحقائق ومغالطة فجة لا تروج إلا على السذج أو المغرضين وهروب من الاعتراف بالخطأ وتبرئة للنفس من جناية ارتكبتها، وحجة القوم فيما يزعمون أن حزب النور شارك في العملية السياسية وفي خارطة الطريق ونحن لن نناقش حجتنا في هذه المشاركة وكيف أنها من منطلق الموازنة الدقيقة بين تحقيق المصالح ودرء المفاسد وأن الدكتور مرسي كان قد تم عزله فمشاركة حزب النور أو عدمها لم تكون ستؤثر فى هذا الأمر لاسيما ومن الإخوان وهو الدكتور محمود غزلان من كتب أن الدكتور مرسى كان عزله الحقيقي منذ بيان الجيش الأول - أي قبل ذلك بعشرة أيام - بل منهم من ذهب إلى أبعد من ذلك وهو الدكتور أحمد مكي وهو وزير العدل السابق والذي ذهب إلى أن السلطة لم تسلم أصلاً تسليماً حقيقياً بل كان تسليماً صورياً. 
على كل نحن سنناقش الأمر من جهة أخرى حيث سيتبين لنا أنه بنفس هذه الحجة وهي المشاركة تستلزم تحمل المسئولية فيما جرى بهذه الحجة وبهذا المعيار يكون الإخوان شركاء في كل ما أصاب الحركة الإسلامية من نكبات وكل ما سال من دماء في طول بلاد الإسلام وعرضها، نقول هذا لأن من المعلوم أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلين كما لا تجمع بين المتفرقين اللهم إلا اذا كانوا يكيلون بمكيالين حيث يحل لهم مايحرم على غيرهم وإلا فهناك الأمثلة على صحة ما نقول .

أولاً: لقد شارك الإخوان في العملية السياسية طيلة حكم مبارك بل هم الفصيل الوحيد من الإسلاميين الذين رأوا مشروعية المشاركة، وعليه فبنفس المنطق الذى يستندون إليه يكونون شركاء في كل الجرائم التي ارتكبها النظام السابق في حق هذا الشعب لاسيما وأن الأمر لم يقف عند حد المشاركة بل من الثابت تاريخياً أنهم أيدوا ترشيح مبارك لفترة ثانية في الثمانينات، ولقد ناقشت الدكتور علي جريشة رحمه الله في هذه المسألة - أعني تأييد مبارك - وذلك بعد محاضرة كانت له بنادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وليس هذا موطن تفصيل ما قد دار بينى وبينه ووصف المرشد العام لجماعة الإخوان مبارك بأنه والد لكل المصريين وهذا قبل ثورة يناير بقليل ومع ذلك لم نجرم صنيعهم بل قلنا أن هذه المشاركة السياسية فيها خلاف معتبر كما في بحث السلفية ومناهج التغيير الذي صدر منذ عشرات السنين .

ثانياً: عندما ألغى العسكر الانتخابات في الجزائر عام 1990 والتي فازت جبهة الإنقاذ فيها بأغلبية كاسحة وألغيت هذه الانتخابات قبل أن يصل الإسلاميين للحكم وقبل أن يحكم الناس عليهم فيقال أنهم ارتكبوا أخطاء أو نحو ذلك أي بخلاف الواقع في مصر فهو ظلم محض بلا أدنى شبهة ومع ذلك شارك الإخوان هناك في العملية السياسية بقيادة محفوظ نحناح ولم يقاطعوا نظام العسكر.. فعلى ميزان الإخوان وتابعيهم في الحكم يكون الإخوان شركاء في الدماء، أكثر من مائة ألف قتلوا في الأحداث التي تلت إلغاء الانتخابات فضلاً عن مئات الآلاف من الجرحى غير المعتقلين، ومع ذلك نحن لم نقل بهذا ولم نذكر أبداً في أسباب ما حدث في الجزائر مشاركة الإخوان في العملية السياسية لأن هذا أمر اجتهادي، فلسنا بفضل الله جائرين كغيرنا بل قلنا ولا زلنا أن ما حدث هناك كان نتيجة لتعجل النظام وعدم مراعاة أحكام الجهاد وضوابط المصلحة والمفسدة وعدم التفريق بين القوة والعجز .

ثالثاً: وهو الأدهى والأمرّ لقد شارك الإخوان في العملية السياسية في العراق مع الروافض جنباً إلى جنب وفي ظل الاحتلال الأمريكي وتحت رعاية "بريمر" الحاكم الأمريكي في العراق آنذاك وخلافاً لكل أهل السنة هناك وإذا كانت مشاركة الإخوان في مصر والجزائر لها ما يصوغها لأنها من باب الاجتهاد فالمشاركة في العملية السياسية في العراق في ظل الاحتلال آنذاك لا مسوغ لها لأنها فيها إعطاء المشروعية للمحتل لا سيما أن جهاد المحتل من فروض الأعيان وكم تغنوا هم بذلك، بل كتب الدكتور عبدالله عزام كتاباً بعنوان "جهاد الدفع أهم فروض الاعيان" فهلا أقر الإخوان ومنظروهم لا سيما المفكر العراقي الأستاذ محمد أحمد الراشد أنهم بذلك قد مكنوا للاحتلال وشاركوا في دماء الملايين من أهل السنة واغتصاب الآلاف من النساء إلى آخر جرائم الأمريكان والروافض في العراق؟ 
بل في أفغانستان حدث ما هو أشد من ذلك حيث مد التحالف الشمالي هناك بقيادة رباني وأحمد شاه مسعود وهو في الأصل حركة "جونان مسلم" أي "الإخوان المسلمون" مدوا أيديهم إلى الغرب وعاونوهم على احتلال أفغانستان وإسقاط دولة طالبان ثم شاركوا بعد ذلك فى العملية السياسية ودخلوا  البرلمان الأفغاني في ظل الحكومة العميلة والاحتلال معاً؟ 

ومما يؤسف أننا لم نسمع ولم نقرأ استنكاراً من مكتب إرشاد الإخوان لما حدث في العراق أو أفغانستان ولم ينكر الأستاذ الراشد على جماعته ما فعلته في العراق ولم يكتب عما حدث في الجزائر "ردة عن الحرية"! 
فأولى بالقوم أن يراجعوا أنفسهم بدلاً من أن يرموا غيرهم بتهم باطلة وبحجج أهوى من بيت العنكبوت بل لو صحت حجتهم فى ذلك لكانوا هم أعظم من جنى وشارك في كل ما أصاب الإسلاميين وليتهم يمتثلون قول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى "
ويعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ويتأملوا قول الله تعالى للصحابة رضي الله عليهم " أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"