عاجل

وأعوذ بك من شماتة الأعداء

  • 397

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد،
فالشماتة خلق ذميم حرمه الإسلام؛ لما فيه من تسخط لقدر الله تعالى وحسد للناس على ما آتاهم الله من فضله، وما الحسد إلا بعض ما في قلب صاحبه من حقد وعداوة وقسوة وعدم حب الخير للآخرين .
كما أنّها سبب لجلب العداوة بين الناس، ووسيلة من وسائل الهدم والتمزق في المجتمع .
ونظرا لبروز هذا الخلق بين البعض نتيجة الأحداث؛ أحببت أن أُقدّم النصيحة محذرا إخواني المسلمين من هذا الخلق الذميم؛ فأقول:
الشماتة مأخوذة من "شمت" التي تدل على الفرح ببلية تُصيب العدو .
قال القرطبي وغيره: الشماتة هي السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا.
ولا شك في حرمة ذلك .
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قول الله تعالي: (فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ) (الأعراف: 150).
أي: لا تسرّهم، وهي محرمة منهي عنها، وهي في قراءة مجاهد " فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ ".
أي: لا تفعل بي ما يشمت من أجله الأعداء، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي "ا.هـ من "التفسير"
والشماتة من صفات المنافقين الذين يظهرون للمسلمين المودة في الظاهر، وأما في السر فيبطنون لهم العداوة.
قال تعالى:" إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ "
ولشدة ألم الشماتة على النفس قال هارون لأخيه موسي عليهما السلام: (فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف:150)، واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بربه منها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء ). (رواه البخاري ومسلم).
وفي رواية: "تعوذوا"(رواه البخاري).
قال ابن حجر:" قال ابن بطّال وغيره:"جهد البلاء: كل ما أصاب المرء من شدة وما لا طاقة له بحمله، ولا يقدر على دفعه؛ ودرك الشقاء: يكون في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة، كذلك سوء القضاء عام في النفس والمال والأهل والولد والخاتمة والميعاد".
وشماتة الأعداء: ما ينكأ القلب ويبلغ من النفس أشد مبلغ "ملخص من "فتح الباري" (11/178)
ومن دعائه صلي الله عليه وسلم:"اللهم لا تشمت بي عدوا حاسدا"رواه الحاكم.
وقال الشاعر الفاضل:

كل المصائب قد تمر على الفتى       فتهون غير شماتة الأعداء
وليحذر الشامت بأخيه أن يعافيه الله تعالى ويبتليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك".(رواه الترمذي وحسنه).
وليعلم المؤمن أنّه ليس من أخلاقنا أن نُعيّر أحدا بما نعلمه فيه جزاء تعييره لنا.
فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من عيّر أخاه بذنب لا يمت حتى يعمله".(رواه الترمذي وحسنه).
قال الإمام أحمد رحمه الله: أي من ذنب تاب منه.
قال ابن مفلح رحمه الله:
 "نظر بعض العباد شخصا مستحسنا، فقال له شيخه: ستجد غِبه؛ فنسي القرآن بعد أربعين سنة، وقال آخر: عبت شخصا قد ذهب بعض أسنانه فذهبت أسناني، ونظرت إلى امرأة لا تحل لي فنظر زوجتي من لا أريد" .
وقال ابن سيرين : عيرت رجلا بالإفلاس فأفلست.
 قال ابن الجوزي: ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفة ولا غم ولا ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول هذا بالشيء الفلاني، وربما تأولت تأويلا فيه بعد فأرى العقوبة .
 فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنب فقلَّ أن يسلم منه، وليجتهد في التوبة".
علق ابن مفلح بقوله: ومراده كثرة ذلك لا أنه مطرد على ما لا يخفى . "الآداب الشرعية".
وفي حديث جابر بن سُليم رضي الله عنه، أنّه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعهد لي "، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن امرؤ شتمك وعيّرك فلا تعيّره بما تعلم فيه؛ فإنما وبال ذلك عليه" (صحيح أبو داود).
أي: إثم تعييره عليه.
هذا ولا شك تحذير شديد لنا جميعا، ولا ينتفع بذلك إلا الخاشعون الذين هم من الساعة مشفقون .
ثمّ ليعلم هذا الشامت أنّ الشماتة من الحمق وقلة الدين؛ لأنّ ما أصابنا هو ما كتبه الله علينا، وأنت أيضا ذلك الإنسان، قال تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51).
وصدق القائل:
إذا ما الدهر جــــرّ على أناس          كلاكــله أنـــاخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا                    سيلقى الشامتون كما لقينا
والكلاكل هي المصائب .
 قال ابن عبد البر قال: محمد بن عبد الله بن الحكم: سمعت أشهب بن عبد العزيز يدعو على محمد بن إدريس الشافعي بالموت أظنه قال في سجوده، قلت:لأن أشهب كان يخاف من ضياع مذهب مالك بسبب الشافعي، فذكرت ذلك للشافعي رضي الله عنه فتمثل يقول:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت           فتلك سبيل لست فيها بأوحد 
فقل للذي يبغي خلاف الذي             مضى تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد 
قال محمد بن عبد الله: فمات الشافعي رضي الله عنه واشترى أشهب من تركته مملوكا، ثم مات أشهب بعده بنحو من شهر أو قال: خمسة عشر أو ثمانية عشر يوما، واشتريت أنا ذلك المملوك من تركة أشهب رحمه الله."الآداب الشرعية" لابن مفلح (313).
 أما السرور لما يصيب العدو المحارب، ومثله المنافقين والطاعنين في الدين والمعادين لعباد الله المسلمين، كما يفعل كثير منهم في كتاباتهم ومقالاتهم؛ فمحمود غير مذموم، وهو من باب قوله تعالى: ( وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ) (التوبة:14 و 15).
فإن في قلوب المؤمنين من الحنق والغيظ عليهم ما يكون هلاكهم وحصول البلاء بهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم؛ إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله وللمؤمنين، ساعين في إطفاء نور الله، ومعاداة عباد الله ." من فتوى للشيخ المنجد".
 فرحم الله عبدا أقبل على شأنه، وأصلح من عيبه، ولم يأت إلي الناس إلا ما يحب أن يُؤتى إليه ! والله المستعان.