الوحي... نصنع به مخرج "أسفكسيا" (1/3)

  • 207

كلما قرأت هذه الآيات، أعادت في تفاؤلي بالحياة من جديد، أحيت روح الأمل في أننا نستطيع ولو قل العدد، ولو اختفى الرفيق وندر المعين، قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} تسعة أفراد فقط، فريق عمل إجرامي مكون من تسعة أفراد، آمن بذاته وثق بنفسه وبقدرته على العمل والإنجاز والتخطيط والمكر والصد عن سبيل الله، فاجتهدوا وبذلوا كامل الجهد ونجحوا في عملهم الإجرامي ولا حول ولا قوة إلا بالله .

كما قال الفاروق رضي الله عنه عجبت لجلد الفاسق وعجز الثقة، حين تجد أهل الحق -إلا من رحم ربي- قد قاموا بخنق أنفسهم بحصر الطريق والعمل في سؤال واحد أو ركن واحد، أو مفهوم واحد، من أسئلة وأركان ومفاهيم الإصلاح والبناء والتغيير، فنخنق ونحن لا نشعر بمفهوم ... نتحوصل بداخله وبقيه الخلق من أهل الباطل، تبدع وتبادر وتفتح مزيد من الحلول والإجابات على الأسئلة بل وتضع الطريق إن لم تجد الطريق كمثل هؤلاء التسعة نفر، وأكبر ابتلاء تبتلى به الأمة هو الابتلاء في رجالها.

حين يسير رجال الأمة بين الناس يعانون من اختناق المفاهيم من (أسفكسيا ..مفاهيمية)، فيثبتون المتغير ويغيرون الثابت، فيفقد فهم الدين هويته وحركته ومرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان وأزعم أن هذا الحديث نجاه من أسفكسيا المفاهيم، حديث السبعة المشهور، الذي قال عنه ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد هذا حديث يروى في فضائل الأعمال وأعمها وأصحها -إن شاء الله- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبي قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ. وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللّهِ. وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ. وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللّهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى? لاَ تَعْلَمُ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ. وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللّهَ خَالِياً، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».

وفي رواية البخاري : « حتى لا تَعلمَ شِمالهُ ما تُنفِقُ يمينهُ ».

وفي رواية لمسلم : «وَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى? يَعُودَ إِلَيْهِ».

ولعل في هذا الحديث الشفاء الكامل من مرض أسفكيسا المفاهيم وذلك من خلال نقاط سبعة :

1/ كيف نبني أمةً ومجتمعًا

وأي إصلاح لا يبدأ بالإنسان أو يكون بعيداً عنه فهو بعيد عن الإصلاح مهما بذل من جهد وعمل، وفى حديث السبعة العودة المرنة الميسرة للاستثمار في الإنسان، والبدء به في العمل الكامل والتركيز على إيجاد هذه النماذج السبعة، والترتيب في الحديث لإبراز الأهمية لا للتوقف عند الأول هي يظهر الثاني، أبداً وأول الاختناقات المعاصرة التي تعاني منها الأمة هو حصر التغيير في الإمام العادل فقط، ووجود الإمام العادل أمر مهم ولكنه ليس الأهم، فخنق الأمة وحصر كل جهودها في أمام عادل ((أكرر هو مهم ولكنه ليس الأهم))

وتوقف كل شيء حتى يأتي هذا الأمام، حتى أسقط بعضهم صلاة الجمعة في حالة سقوط الخلافة والموضع ليس موضع نقاش ولكنه موضع إنقاذ، إنقاذ من حصر الأمة في سؤال السلطة وخنق ساحات التغيير الأخرى المتعددة، وعدم العمل في الإسلام الممكن المستطاع في كل زمان ومكان، وكأن الحديث يقول لك ابدأ من مكانك إلى أنت فيه.

فالشاب الذي نشأ في طاعة الله، هو الذي سيعلم الأمام العادل أو سيربيه أو ينجبه أو سيكون هو وهو الذي يتعلق قلبه في المسجد وهو الذي سيجد الصحبة الصالحة التي سيجتمع معها في الله ليكمل دور الإصلاح في المجتمع ليخرج رجال يواجهون الشهوة ويواجهون الشح وينفقون في سبيل الله وحينها يكون دخول الجنة أمراً ميسراً في المجتمع، فتنزل الدمعة من عين الرجل من خشية الله فتدخله الجنة وهذا الذي بكى من خشية الله وهو خالياً لا يراه أحد، وصار رجل من أهل الجنة يمشى على الأرض، ما شكل صحبته بعد ذلك وحدثنني عن قدرته في مواجهة الشهوة والعمل في سبيل الله والتعلق في المسجد وأهله وماذا لو تولى منصب أو وظيفة من وظائف المسلمين وحدثني عن عدله ورفقة وعطاءه، وحدثني عن أولاده ونشأتهم في طاعة الله ...وهذا الذي أنتصر على شهوته واستطاع أن يقول لا لامرأة ذات منصب وجمال، فانتصر في معركة الصلاح قبل السلاح وانتصر في معركة القلوب قبل الحروب.

تأمل حاله بعد هذا الانتصار عن الإرادة التي تكونت بداخله وبقدرته على النبل والعطاء، والقلب الذي استطاع أن يقول لامرأة جميلة لا، لابد لعينه أن تقول له نعم فتصنع له الدموع الخالية التي تدخله الجنة.

وهكذا تستطيع أن تكمل أنت أخي القارئ حديث السبعة يقول لك: اعمل في المكان والمستطاع من مكانك، ولكن ركز في ساحات التغير السبعة الأخرى، وهى
(1) السياسي.
(2) الشباب.
(3) المساجد.
(4) الإعلام والنساء.
(5)الإنفاق والبذل.
(6) الخلوات
(7) الإنسان

إمام عادل لا يظلم ولا يجور ولا يفسد في الأرض تأمل أمام عادل، يقول ابن حجر رحمه الله وكل من ولى من أمر المسلمين شيئا فهو داخل هذا المعنى واستدل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به).

 تأمل شيئا في المؤسسات والمدارس والمستشفيات، والمصانع والمزارع، حتى في المساجد كل من ولى من أمر المسلمين شيئا وأولهم الإمامة العظمة، وويل لسلطان الأرض من سلطان الأرض والسماء جل وعلا العدل وكأنه في المجتمع المسلم يروج لحكم رئيس لا لأيدلوجية أو مشروع سيطرة على الحكم لغرض أيدلوجية والسلام وكأن حديث السبعة يقول أعلى نسبة بعد تحكيم شرع الله في الحاكم العدل حديث السبعة علاج للاختناق والتضييق.

علاج أسفكسيا المفاهيم بسبعة نماذج لا تسعه رهط ابدأ من مكانك والتأني بالآخرين من غير ترتيب، ابدأ وأنطلق.

أتاتورك خرج من وسط المجتمع التركي مجتمع الخلافة آنذاك حين ضيعها المجتمع وركزنا في الحكم (المهم) فقط ودخلت التتار بغداد وكانت الكتب التي صنعها الذين تعلقت قلوبهم في المساجد نشأت في طاعة الله فقط، من غير تحرك مجتمعي محتمي في محراب الصلاة، محراب الحياة إيمانا وعمرانا وأخلاقا.

حديث السبعة نظرة نبوية لمفهوم التمكين بتراكم النقط والبناء المتدرج طويل المدى في كل زمان ومكان، وساحات التغيير كثيرة.

فلا تخنقوا الأمة بحبل المفاهيم، فنموذج يوسف عليه السلام الذي نشأ في طاعة الله وقال لامرأة دعته لا جاء بالسبعة، ونموذج ذي القرنين الحاكم العادل جاء بالسبعة، والأمر متاح لمن يقطع حبل المفاهيم الضيقة حتى لا يعاني من أسفكسيا..

وللحديث بقية.

الابلاغ عن خطأ