آفات على الطريق

  • 154

ينبغي للعبد - سواء أكان عالمًا أو طالبَ علم أو شيخًا أو شابًا - أن يُفتش فى نفسه ويتفكر فى نواياه ودوافعه وراء قراراته ومواقفه وأقواله وأفعاله، ربما يكون من ورائها حظوظ النفس أو أمراض خفية من أمراض القلوب مهلكة، وفى هذه السطور نذكر بعض الآفات التى تظهر أحيانًا فى طريق الدعوة وقد يراها الإنسان فى غيره وربما تكون فيه وهو لا يشعر.                                           
 
أخطر شىء أن يخدع الإنسان نفسه ولا يصارحها أو يترك لها العنان أو يظن أن الناس لا يراقبون تصرفاته ولا يرون عيوبه، وقد سترها الله عليه سنين ربما يتوب ويرجع، ولكن الإنسان أحيانًا يغره إمهال الله له وستر الله عليه.
 
وإليك بعض هذه الآفات:
1- أن يرى الإنسان لنفسه فضلًا أو مكانة،أو أن يطلب ممن حوله أن يعظموه، وإن لم يفعلوا ذلك يتخذ ضدهم مواقف ويعاتبهم، وقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم مثلًا لخطورة هذا الأمر فقال " من أراد أن يتمثل الناس له قيامًا فليتبوأ مقعده من النار".
 
2-البعض يسفه ويحقر أى عمل لم يشارك فيه وينتقص من أى نجاح لا ينسب إليه، وهذا نوع من الحسد والرياء والعجب بالنفس والكبر حتى يظهر مزايا نفسه ويظهر عيوب الآخرين.
 
3-البعض توقف طلبه للعلم وضعفت قوته وهمته فى الدعوة ويريد أن يقتل حماسة الشباب وإبداعهم، وأن يظل هو سقفهم، فيمنعهم من التواصل مع غيره حتى لا يروا قصوره،وكأنه ورث الدعوة وسيظل إلى الأبد هو مسئول العمل.
 
  فأين تواصل الأجيال واستمرار الخير وحبه حتى ولو كان على يد غيرى؟انظر إلى الراهب عندما قال للغلام فى قصة أصحاب الأخدود "أنت اليوم أفضل منى" فلابد للكبيرأن يحفز الشباب ويفسح لهم الطريق ويدعمهم ويعطف عليهم ويوجههم ويتغافل عن زلاتهم ولا يعرقلهم.
 
4-البعض لا يحب أن يتابعه أحد فى إتمام التكليفات الدعوية المطلوبة منه ولا ينتقده ولا يقيِّمه، وكذلك يغضب عندما يشتكى منه أحد ممن تحته إلى من هو أكبر منه، وهذا يؤدى إلى تأخر العمل لعدم الاستفادة من الأخطاء، مما يؤدى إلى تكرارها، وكأنه يراقب الخلق ولا يراقب الله، أتخشى من ذم الناس لك ولا تخشى من الله؟  قال تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ".
 
5- البعض يحب الصدارة والظهور والشهرة وهذا يُخشى عليه من الفتنة وحبوط العمل وضياع ثوابه وبركته لإرادته غير وجه الله.
 
6- البعض يكون عنده نظرة ضيقة فيتخيل أنه مسئول عن مسجده فى قريته فقط، ولا يشعر أنه بهذا العمل يمثل مركزه ومحافظته، فلا يهتم بالعمل ويُقصر فيه فتخسر الدعوة الكثير بسبب عدم النظرة الشمولية لأى عمل يقوم به.
 
7-البعض يتعامل مع من حوله أنه يفهم وهم لا يفهمون، ويتحجر فى آرائه وكأنهم عبيد عنده يجب عليهم التسليم والخضوع له والسمع والطاعة بدون مناقشة أو شورى.
 
8-البعض يريد أن تكون كل مقاليد الأمور بيده فهو مسئول الدعوة الأول وهو المعلم فى المعهد وهو الداعية فى الندوة والخطبة وهو المحلل السياسى وهو عضو مجلس النواب وهو الذى يملك إعطاء الصدقات وكأنه  "سوبر مان" فيُحبِّط الآخرين ممن حوله ولا تظهر كفاءات، ويخرج العمل باهتًا وضعيفًا،  وبالتالى لا الوقت ولا المجهود يكفيان لذلك فيخطب ويعطى الدرس بلا تحضير ولا ينتظم فى إدارة الجلسات ولا يلبى خدمات الناس.
 
9-البعض يأمر الناس بما لا يفعله فيأمرهم مثلا بالتربية وتزكية النفس؛ وتراه لا يهتم بإدراك تكبيرة الإحرام، ولا يواظب على صلاة الفجر، فيهدم فيمن حوله تعظيم أمر الصلاة "لا تنه عن خلق و تأتى مثله "، قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لِـمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"، "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون".
 
10-البعض يظن أن المسئولية الدعوية عن مكان أو ملف أنها مسئولية شرفية (تمام يا فندم) ولا يستشعر خطورة الأمانة والمسئولية أمام الله تجاه من تحته من التربية والتعاهد وحل مشاكلهم وتوعيتهم ودفع الشبهات عنهم ومتابعتهم وتوجيههم وتعليمهم وبناء الكوادر والكفاءات والتنسيق والتوظيف للطاقات، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ".
 
 11- البعض يتكلم دائمًا عن المطالبة بصلاحيات وحقوقه واستئذان الناس منه ، ولا يتم أى شىء صغير أو كبير إلا بعلمه، ولا يتحمل المسئوليات والتبعات والواجبات المطلوبة منه فيريد غُنمًا بلا غُرم.
 
  ويريد أن يلقى دائما التبعة والأخطاء على شماعة غيره ولا يعترف بالخطأ أو التقصير، قال الإمام أحمد "لأن أكون ذنبًا فى الحق خير من أن أكون رأسًا فى الباطل " فالاعتراف بالحق فضيلة، ما المانع أن أتراجع وأُرشح غيرى إذا رأيت أنه أكفأ منى أو أنى ضعفت عن استمرار العطاء؟
 
انظر إلى خالد بن الوليد عندما عزله عمر رضى الله عنه عن قيادة جيش المسلمين فى الشام وولى أبا عبيدة، لم يؤثر فى بذله ولا عطائه، فيبذل وهو جندى أكثر مما كان قائدًا، وهذا علامة التجرد والإخلاص.
 
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع".
نسأل الله تعالى أن يُطهر قلوبنا، وأن يهدينا سبل الرشاد وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه. اللهم آمين.