المرأة والنصارى في البرلمان القادم.. رؤية شرعية

  • 173

1-   مقدمة:
من النوازل الجديدة التي تواجه حزب النور في هذه الدورة البرلمانية أن القانون قد ألزم الأحزاب السياسية بتشكيل معين للقوائم الانتخابية بحيث تتضمن تمثيلًا محددًا للفئات المهمشة وعلي رأسهم المرأة والنصاري، وقد استند واضعوا هذا القانون علي المادة (244) في باب الأحكام الانتقالية من مشروع دستور 2013، وقد نصت المادة علي ما يلي:
 
 "تعمل الدولة علي تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين المقيمين بالخارج، تمثيلًا ملائمًا في أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك علي النحو الذى يحدده القانون".
 
ومع أن هناك صيغ عديدة لتفعيل هذه المادة الدستورية، إلا أن قانون الانتخابات قد اختار صيغة إلزامية محددة أحدثت نوعًا من الارتباك والتخبط لدي جميع الأحزاب نظرًا للصعوبة الشديدة في تشكيل هذه الأصناف بطريقة قانونية صحيحة؛ وبالتالي فالمتوقع أن هذا القانون لن يستمر طويلًا بسبب مشاكله العديدة التي طالت جميع المعنيين بهذا الشأن، بالإضافة إلي أن الدستور قد قصره علي هذه الدورة البرلمانية فقط.
 
ورغم هذا إلا أن هناك أسئلة كثيرة تدور حول مدى مشروعية مشاركة المرأة والنصارى في المجالس النيابية مثل ما يلي:
 
هل يعد آثمًا من يشارك في الانتخابات بهذه الصورة خصوصًا عند من يرى عدم جواز دخول المرأة والنصارى لهذه المجالس؟
 
وهل تعد هذه المسألة من باب الثوابت العقدية التي لا ينبغي التهاون فيها أو القبول بوجودها؟
 
وما هي آلية التمييز بين ما يدخل في باب المصالح والمفاسد، وبين ما يدخل في باب الثوابت العقدية بالنسبة لهذه المسألة؟
 
وهل إذا أعملنا ميزان (المصالح والمفاسد) سترجح كافة المصالح المتحققة عن المفاسد المتوقعة أم العكس؟
 
كل هذه التساؤلات وغيرها مما يدور في عقول كثير من الناس؛ لذا وجب علينا البيان والإيضاح، والله المستعان.
 
1)   تحقيق مسألة مدي مشروعية دخول المرأة والنصاري إلي المجالس النيابية:
اعلم رحمني الله وإياك أن هناك خلافا سائغا بين العلماء المعاصرين حول توصيف المجالس النيابية، فمن يري أنها تتحقق فيها صفة الولاية فإنه يعتقد عدم جواز تمثيل المرأة والنصاري فيها، أما من يري أن هذه المجالس لا تتحقق فيها صفة الولاية فإنه لا يجد بأسًا في دخول المرأة والنصاري فيها، وهناك بالطبع من يري مشروعية تولي المرأة والنصاري للولايات العامة أمثال الأستاذ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم، ولكن ربما لا يتسع المقام للرد عليهم أو التعليق علي آرائهم.
 
وبالتالي فالقضية برمتها – بهذا التوصيف– تعد من قضايا الخلاف السائغ بين العلماء التي لا يُفسق فيها المخالف ولا يُبدع ولا يُتهم بالتخلي عن مبادئه أو التنازل عن ثوابته، والأمر دائر بين "الأجر والأجرين" طالما تجرد الباحث عن الهوي ولم يتعمد انتقاء الآراء بالتشهي أو التصيد من أقوال المذاهب والعلماء وفق ما يحب، أما من يسعي لذلك من أجل أن يقدم قرابين للداخل والخارج، أو ليبرهن علي سماحته ومرونته ورفضه للتشدد وغير ذلك فهو من ينطبق عليه وصف التنازل عن الثوابت وتمييع قضايا الدين من أجل الحصول علي مكاسب سياسية رخيصة.
 
أولًا: حكم دخول المرأة إلى المجالس النيابية:
 
1)   من يرى الحرمة يستدل بما يلي:
 
1-   عموم قول الله عزوجل " وليس الذكر كالأنثي "، وموطن الشاهد في ذلك أن الشريعة الغراء قد ميزت بين الرجال والنساء في بعض الأحكام والوظائف، ومن هذه الفروق الظاهرة أن النبوة أو الرسالة جاءت خاصة بالرجال فقط كما قال عزوجل " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم "، ومريم عليها السلام رغم فضلها وعلو منزلتها إلا أنها لم تبلغ مرتبة الرسالة، قال الله عزوجل عن عيسي عليه السلام " وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام "، هذا بالطبع مع تقريرالقاعدة الأصلية التي نصت علي المساواة بينهما في عموم التكاليف كما ورد في الحديث الشريف " إنما النساء شقائق الرجال ".
 
2-   من رفق الشريعة بالمرأة أن أعفاها من الوظائف الخشنة والمهام الصعبة التي لا تتناسب مع أصل خلقتها وطبيعة تكوينها، قال الله عزوجل: "أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ" (الزخرف: 18)، فضلًا عن الأعذار الشرعية التي أعطاها الشرع للمرأة في بعض الأوقات، وعن غلبة العاطفة علي العقل لديها؛ لذا وصفهن النبي صلي الله عليه وسلم بنقصان العقل والدين، وهذا بالطبع ليس تقليلًا من شأنهن بل هو تكريم وحماية، مع شفقة ورحمة لضعفها وعدم تحملها، والعمل البرلماني من الأعمال التي ينطبق عليها وصف المشقة بما يتطلب من سفر وتجوال واحتكاك بمشاكل الناس؛ وهذا معروف من التجربة والممارسة.
 
3-   إجماع العلماء علي شرط الذكورة في الإمامة لنص قول النبي صلي الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، ومعلوم أن كلمة "قوم" أتت نكرة لتفيد العموم في كل زمان ومكان، ولا تعتمد علي إمكانيات المرأة من حيث كونها قوية الشخصية مثلًا أو حادة الذكاء أو غيرها، إنما المنع متوجه لجنس النساء عمومًا.
 
4-   أن المرأة لم تكلف بولاية في عهد النبي ولا عهد صحابته رغم وجود عدد منهن قد اشتهر عنهن الحكمة والعقل والبصيرة، يقول ابن قدامه رحمه الله في المغني: "لم يول النبي ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد، فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبًا".
 
بالإضافة إلي أدلة وجوب الحجاب واستحباب الصلاة في البيت، واستحباب القرار في المنزل وغير ذلك من الأدلة؛ وعليه فإن الواقع العملي الذي سار عليه سلف الأمة يشير إلى أنه لم يثبت دليل في اشتراك النساء في مجالس الشورى رغم مرور الأمة الإسلامية بصعاب جمة، ومشاكل عظيمة، مع وجود نساء كثر أعلم من الرجال وأحكم؛ وبناءً علي ذلك تُمنع المرأة من المشاركة في هذه المجالس.
 
2-   من يرى الجواز يستدل بما يلي:
 
لم يمارِ هذا الفريق من العلماء في الأدلة التي ذكرها المانعون من مشاركة المرأة في المجالس النيابية، وإنما بنوا وجهة نظرهم على توصيف لطبيعة العمل النيابي، والذي غالبًا ما يكون عمله إما سن القوانين والتشريعات، أو مراقبة السلطة التنفيذية في تصرفاتها وأعمالها، فأما سن التشريعات فليس في الإسلام ما يمنع المرأة من ذلك؛ لأن هذا يحتاج إلى العلم والمعرفة بحاجات المجتمع ومشاكله، والإسلام يعطي حق العلم للرجل والمرأة على السواء، وأما مراقبة السلطة التنفيذية فلا يعدو أن يكون أمرًا بالمعروف أو نهيًا عن المنكر، والرجل والمرأة في ذلك سواء.
 
وقد استدل أصحاب هذا القول بعدد من الأدلة منها:
 
1-   عموم التكليفات الشرعية لكل من الرجال والنساء التي تشمل كلًا من الرجل والمرأة؛ وبالتالي لا يجوز إخراج المرأة منها إلا بنص صريح في ذلك، والنص علي عدم جواز تولي المرأة الولايات العامة لا ينطبق علي المجالس النيابية؛ لأن المرأة لم تمنع من الفتيا وهي مهمة قريبة من مهمة التشريع، ولم تمنع من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي قريبة أيضًا من مهمة الرقابة.
 
2-   أما ما قد يستدل به البعض من قوامة الرجل علي المرأة وأن هذا يتعارض مع وجود المرأة في البرلمان، فالواقع أن عدد النساء في المجلس يكون أقل بكثير من عدد الرجال؛ وبالتالي لا يقدح هذا الأمر في مسألة القوامة، أما مسألة الولاية فالواقع أن الولاية في هذه المجالس لمجمل المجلس، وليس لكل فرد فيه علي حدة؛ وبالتالي فمشاركة المرأة لن تجعل لها الولاية الكاملة إنما هي وكيلة عن مجموعة من الناس، والعقد الذي بينها وبينهم عقد وكالة تنوب فيه المرأة عمن اختارها لتقوم نيابة عنهم لتعبر عن رأيهم وتنقل مشاكلهم وهكذا، وهي ليست ممنوعة شرعًا من ذلك.
 
3-   مشاركة المرأة في إبداء الرأي والمشورة في عدد من المواقف ثابتة ومشهورة منها قوله تعالى: "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" (القصص: 26)، ومنها ما تم في الحديبية عندما قال النبي لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا، فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، حتى أشارت إليه أم سلمة فقالت: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك"، وكان هذا الرأي منها رضي الله عنها حلًا لهذه الفتنة الشديدة، ومنها القصة التي وقعت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أراد تحديد المهر بأربعمائة درهم فقامت امرأة من قريش فقالت له: أما سمعت قول الله: "وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" (النساء: 20)؟! فقال عمر رضي الله عنه: أيها الناس، إني كنت قد نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ما له ما أحب وطابتْ به نفسه فلْيفعل".
 
الخلاصة:
أن الفريق الأول من العلماء اعتبر أن النيابة عن الأمة جزء من الولاية العامة، وهي لا تجوز للمرأة لما تقدم من أدلة، والفريق الثاني يري أن النيابة وكالة عن الأمة، ولا تدخل في الولاية العامة؛ لأنها أصلا لا تعطي صاحبها أي سلطة تنفيذية يمكن أن تدخل في نطاق الولاية العامة والله أعلم.
 
ثانيًا: حكم دخول النصاري إلى المجالس النيابية:
 
1-   من يرى الحرمة يستدل بما يلي:
 
1-   نصت النُّصوص الشرعية على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ابتداءً، وأنَّه لو طرأ عليه الكفر بعد توَلِّيه، فإنه ينعزل وتَسقط ولايته، قال الله تعالى: "وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا". وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" فدلَّ بقوله: "مِنْكُمْ" على أنَّ أولي الأمر يجب أن يكونوا من المسلمين المؤمنين؛ لأنَّ الخِطاب متوجِّه إليهم من بداية الآية.
2-   إجماع المسلمين منعقِدٌ على اعتبار شرط الإسلام فيمن يتولَّى حكم المسلمين وولايتهم، وأنَّ الكافر لا ولاية له على المُسلم بحال، قال القاضي عياض: "أجمع العلماءُ على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنَّه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وكذا لو ترك إقامةَ الصَّلوات والدُّعاءَ إليها"، وقال ابن المنذِر: "إنَّه قد أجمع كلُّ مَن يُحفَظ عنه مِن أهل العلم أنَّ الكافر لا ولايةَ له على المسلم بِحال"، وقال ابن حَزم : "واتَّفقوا أنَّ الإمامة لا تجوز لامرأةٍ ولا لكافر ولا لصبِي".
3-   الاستدلال بآيات البراءة من المشركين كما قال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض" وبمثل قوله تعالى : "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون"، وبمثل قوله : "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض" إلى غير ذلك من الآيات التي تدل علي وجوب ترك الاستعانة بهم في الولايات؛ وقد روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال : "قلت لعمر رضى الله عنه: إنّ لي كاتبًا نصرانيًا. قال: مالك قاتلك الله أما سمعت الله يقول : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعضهم" ـ ألا اتخذت حنيفًا؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله".
1-   من يرى الجواز يستدل بما يلي:
 
كما سبق وأوضحنا في حكم دخول المرأة للمجالس النيابية، فما ينطبق علي المرأة ينطبق علي النصاري عند هذا الفريق من العلماء؛ حيث إنهم لا يجوزون ولاية الكافر ولكنهم يُخرجون أعمال المجالس النيابية عن وصف الولاية كما ذكرنا.
 
2)   تحقيق مسألة إعمال قاعدة المصالح والمفاسد عند من يرى عدم جواز دخول المرأة والنصارى إلى المجالس النيابية:
 
الموازنة بين المصالح والمفاسد في هذا الباب يمكن إجراؤها بصورة صحيحة إذا نظرنا في: أهمية التواجد في البرلمان في الفترة القادمة مقارنة بالانسحاب أو التواجد الضعيف، بالإضافة إلي استحضار صور وأشكال الممارسة السياسية للحزب في الفترة الماضية ومدي تأثيرها علي مجريات الأحداث مقارنة بإسهامات الآخرين وتواجدهم، وبناءً علي ما سبق يمكننا ذكر ما يلي:
 
1-   حزب النور هو الحزب السياسي الوحيد علي الساحة المصرية الذي ينادي بمرجعية الشريعة، وهو النموذج الوحيد أيضًا للأحزاب التي تقوم علي خلفية دينية، ومن الخطورة بمكان أن تُترك الحياة السياسية بدون أحزاب إسلامية، خصوصًا بعد تجربة فشل الإخوان في الحكم التي ألقت بظلال سيئة علي ممارسة الإسلاميين السياسية، والتي كانت ما زالت بعد في مهدها الأول؛ وبالتالي فالانسحاب في هذا الوقت الحساس يعني كتابة شهادة وفاة للتجربة السياسية الإسلامية برمتها لا قدر الله.
 
2-   حزب النور صمام الأمان الحقيقي للمجتمع أمام موجة الإلحاد والانحلال العارمة التي يُراد بالبلاد أن تنجرف نحوها، وبما أن الحياة في مجملها تقوم علي الممانعة، والصراع الفكري يحتاج بالخصوص إلي عدة أوراق لتشكيل ممانعة قوية أمام هذه الموجات الفكرية العنيفة؛ فحزب النور بفضل الله يمتلك ورقة مميزة في هذا الباب ألا وهي (معرفته الجيدة بتفاصيل الشريعة، وقدرته علي المناظرة ورد الشبهات بطريقة تجمع بين العلم بالشرع والوعي بالواقع، مع قوة في الطرح وصرامة في الرد تجعل منه حجر عثرة أمام من يريدون فتح بوابات الفساد علي المجتمع بأسره)، وفي أحيان كثيرة لا يجد هذا الفريق حيلة سوي أن يطعن في رموز الحزب ويشوه مسيرته الدعوية قبل الثورة والسياسية بعدها، ونحن نحتسب هذا الأجر عند الله وندرك أننا نقوم بدور صخرة الممانعة في هذا النزال.
 
3-   الممارسة السياسية للحزب تمثل غطاءً شرعيًا للتحرك الدعوي علي الأرض، وتفتح نافذة للتواصل مع مؤسسات الدولة ورجالات الحكم، وهذا الأمر يعد أحد أهم أركان العملية السياسية الإصلاحية التي تتبناها الدعوة السلفية منذ عشرات السنين، وهي منظومة الإصلاح الثلاثية (الفرد – المجتمع - الدولة)، ولا يتأتي إصلاح الدولة إلا بالتواجد النشط والفعال داخل هيئاتها ومؤسساتها ومد جسور الثقة والعلاقات الطيبة معهم؛ وهذا من آكد المعاني الشرعية التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا ونحن نمارس السياسة لأن الله عزوجل يقول: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت".
 
4-   حزب النور يحقق مصالح لا حصر لها بتواجده في الساحة السياسية؛ بما يقوم به من تصحيح لرؤية الآخرين عن الممارسة الإسلامية للسياسة، والخلفية الفكرية للحزب، ويواجه أيضًا حملات المشككين والمتربصين الذين غاب عنهم الإنصاف وأعوزهم الصدق، ويقوم أيضًا بإسداء النصح وطرح الرؤى وتصحيح المسار بما أمكنه من جهد وبما يُنعم الله عليه من توفيق، ويساهم كذلك في رفع المعاناة والظلم عن المظلومين، وهو في كل ذلك يسدد ويقارب بين (المحافظة علي تماسك الدولة وحمايتها من الانهيار، وبين ضبط المسار وتقليل الانحراف بقدر الممكن والمستطاع).
 
5-   الدورة البرلمانية القادمة من أهم الدورات التشريعية التي تمر بها مصر؛ لأنها تأتي في أعقاب دستور جديد من البديهي أن من شارك في صياغته وكتابته سيكون عنده الحرص الشديد علي التواجد البرلماني من أجل حماية مكتسباته الدستورية، ومن أجل تحويل هذه المواد الدستورية إلي مشروعات قوانين جديدة، بالإضافة إلي إمكانية تعديل ما سبق من تشريعات وقوانين لتناسب التوجه العام الحاكم علي كل بنود الدستور الجديد بديباجته ومواده .
 
6-   التراجع عن الخطوات الإيجابية التي تم إنجازها علي مدار أربع سنوات، أو التواجد الهش الذي لا يكون له كبير أثر علي الأرض، يعطي الفرصة علي طبق من ذهب لكل خصم يريد أن يتشفي في هذا الحزب أو يمحو تاريخه من ذاكرة المصريين، ولعل المتابع لكم القضايا التي تُدفع للمحاكم من أجل حل الحزب أو منعه من المشاركة السياسية، يدرك تمامًا حجم الخطر المتوقع من أي خطوة تراجع للوراء؛ لأن أبسط قواعد السياسة عند هؤلاء الناس أن يجتمعوا عليك لكي لا تقوم لك قائمة بعد ذلك، والله المستعان.
 
7-   ما يتعرض له الحزب من حملة تشويه ممنهجة في وسائل الإعلام وما قد يواجهه أعضاء الحزب من بعض الصعوبات أو المضايقات من بعض مؤسسات الدولة، فهذا في الحقيقة أمر لا يُذكر بما كان متوقع أن يتم، وبالمقارنة أيضًا مع التيارات الأخري التي يتعرض وجودها الكياني إلي الفناء فضلًا عن أن تحقق مصالح أو تنجز مكتسبات، وعمومًا فالمعيار الذي يجب أن نقيس عليه أهمية الاستمرار في المشهد هو المعيار النسبي وليس الصورة المثالية التي يرسمها كل إنسان في مخيلته تعبيرًا عن آماله أو أحلامه؛ لذا نقول: علي فرض أن هناك بعض المشاكل الآن فما هو المتصور في حالة الانسحاب هل ستزيد أم ستقل؟ والواقع يؤكد أنها ستتضاعف إلي ما لا يمكن تخيل حد لنهايته لما ذكرنا من أسباب.
 
8-   أما بالنسبة لمشاركة المرأة والنصاري فيجب أن ننتبه إلي أن إدارة الدول تختلف تمامًا عن إدارة المؤسسات الخاصة سواء كانت دعوية أو خيرية أو حتي سياسية؛ وبالتالي من يتعرض لإدارة دولة فلا بد أن يحذف من تفكيره تمامًا أي محاولة للإقصاء أو الاضطهاد أو غيرها من الوسائل غير السوية؛ لأنك ببساطة لا تعيش بمفردك داخل هذه الدولة، ولا بد أن تُشرك معك غيرك في إدارة الدولة حتي تستطيع أن تحكمها وحتي لا يتحول هذا الفصيل المضطهد إلي شوكة تؤتي منها الدولة في يوم من الأيام؛ لأن الشغب دائمًا ما يأتي من مدرجات المتفرجين، هذا بالطبع مع عدم الإخلال بالقواعد الشرعية أو المنطلقات العقدية، وهناك صيغ عديدة يمكن أن تحقق مبدأ الحكم التشاركي دون أن يكون فيها محظورات شرعية، وقد كانت هذه النقطة محل اتفاق بين كل الإسلاميين المشاركين في كتابة دستور 2012 الذي مثل كل فئات وطوائف المجتمع.
 
9-   أما بالنسبة لمشاركة المرأة، فيجب أن نعلم أن القانون قد تم الانتهاء منه ولم يعد بإمكاننا تعديل شيء الآن؛ وبالتالي فالتفكير السليم يتوجه إلي ما يُسمي في علم الإدارة بـ"فن إدارة المخاطر أو إدارة الخسائر"، وهذا يكون عن طريق تقديم نماذج صالحة من نساء ملتزمات وفضليات وفي نفس الوقت علي درجة من الرقي والفهم في علوم الدنيا، وهذا بلا شك أفضل من أن تتولي قيادة المرأة في مجتمعاتنا حركات نسوية مشبوهة معروفة بعدائها للالتزام فضلًا عن المظهر العام الذي غالبًا ما يصاحبه تبرج فاحش أو غيره، ونحن عندما نتكلم عن ضرورة مشاركة المرأة في الحياة العامة فليس الهدف هو مجرد مشاركة في برلمان، وإنما الغرض كما ذكرنا تقديم نماذج صالحة من النساء تكون قدوة للفتيات والنساء في المجتمع حتي لا يتصور أحد أن الالتزام عائق للمرأة عن التعلم والثقافة، وهذا لا يعني أن تحتشد جميع النساء للتصدر لهذا الأمر وترك المهمة الأساسية للمرأة في المنزل، وإنما يتم اختيار من تتوافق ظروفها وإمكانياتها مع هذا العمل والله أعلم.
 
10-          أما بالنسبة لمشاركة النصاري فالأمر أيضًا خاضع لمبدأ النسبية؛ حيث يتواجد بعض النصاري ممن لا يحمل عداءً ظاهرًا للإسلام، أو لا ينشغل بهذه القضايا، أو يري بما اطلع عليه من تجارب وممارسات أن العيش في ظل الإسلام أنفع وأكثر أمانًا من أن يظلوا رعايا لرهبان الكنيسة وشعبًا خاصًا لهم؛ وبالتالي فعند مقارنة أحد هذه النماذج بنموذج آخر حاقد علي الدين مستهزئ بشعائره (كمن رسم رسومًا كارتونية مسيئة للحجاب)، أو سليط اللسان سيئ الأدب (كمن سب دين المسلمين علي الهواء)، أو من يشهد سلوكه وتدل أخلاقه علي انحلال ظاهر (كمن تمني اليوم الذي تسير فيه النساء في مصر بتنورات قصيرة، وأن تختفي مظاهر الحجاب من الشوارع والطرقات)، أو من عُرف بفساده المالي والسياسي وتغوله علي حقوق الفقراء والضعفاء وامتصاصه لخيرات البلد دون تقديم أي خدمات تُذكر للمواطنين. أقول: إذا عقدنا مقارنة كهذه فهل من المتصور أن نترك الساحة لهذه الأمثلة المدمرة أم نستبدلها بنماذج أكثر اعتدالًا؟! وعمومًا فإن هذا الأمر - بإذن الله - سيتولد منه أنواع من الخيرات والبركات ما كانت تخطر لنا علي بال وصدق الله إذ يقول: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي"، ومن يتابع الإعلام ويري بعضا من هذه النماذج البديلة يعلم حقيقة ما أقول.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الابلاغ عن خطأ