سادساً – موقف جماعة الإخوان من قضية التكفير

  • 828

 الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد :


1)  مقدمة :
من خلال ما قررناه عبر سلسلة  "نبذة تعريفية عن تيارات التكفير والعنف" تبين لنا أن المدارس التكفيرية بكافة أطيافها وتنوعاتها قد خرجت من رحم جماعة الإخوان، وبشكل أو بآخر فإن سيد قطب (رحمه الله) يعتبر هو الأب الروحى لكل جماعات التكفير المعاصرة على اختلاف توجهاتها واختياراتها الفكرية والفقهية التى استقرت عليها فى نهاية المطاف، ومن المعلوم أن سيد قام بالتنظير لهذه الأفكار وقت أن كان من أحد قيادات الإخوان الشهيرة.
والسؤال الذي يجب البحث عن إجابة شافية له؛هل كان لأفكار سيد أصول وجذور فى فكر الإخوان وفى فكر حسن البنا ذاته، أم أن هذه الأفكار ما هي إلا نقلة نوعية جديدة تُنسب لسيد فقط دون غيره من الاخوان ؟

 فى الواقع لدينا ثلاث احتمالات :
ü    إما أن يكون كلًا من البنا وقطب على نفس المنهج فى التكفير، ويكون الجديد الذى أضافه سيد هو جودة الصياغة وصراحة العبارات.
ü    وإما أن لا يكون كلًا من البنا وقطب على نفس المنهج فى التكفير، وبالتالى يكون هذا الفكر الذى أتى به سيد دخيل على الإخوان.
ü    أن يكون الفكر له أصل وأساس عند البنا – علي الأقل في آخرمرحلة من مراحل دعوته – ويكون دور سيد هو التنظير له وتحديد قوالبه مع وضع لمسات وزيادات تعبر عنه وعن تجربته.


وحتي نستطيع تحديد أيًا من هذه الاحتمالات أقرب إلى الصواب علينا أن نتأمل في المسيرة الدعوية والحركية للأستاذ حسن البنا، وأن نتعرض كذلك إلى كتبه ورسائله، بالإضافة إلى دراسة تاريخ الجماعة بعد رحيله وما آلت إلىه بعد ذلك.


2)  لمحة تعريفية عن الأستاذ حسن البنا من النشأة وحتي الممات (1928 - 1949):
هو حسن أحمد عبد الرحمن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول، ولد فى قرية المحمودية بمحافظة البحيرة في عام 1906، نشأ نشأة دينية، وحفظ نصف القرآن فى الصغر ثم أتمه فى الكبر، وكان والده شيخًا وعالمًا معروفًا، وهو أحمد عبدالرحمن البنا الشهير بالساعاتي، وذلك نظرًا لعمله في إصلاح الساعات، وكان الشيخ أحمد من علماء الحديث، فقد رتب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وخرَّج أحاديثه، وشرح ما يحتاج إلى بيان، وسمّاه (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 1377هـ 1957م)، ورتب معظم أسانيد الأئمة الأربعة على أبواب الفقه، وله مؤلفات عديدة في السنة منها "بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن".


اِلتحق حسن بمدرسة الرشاد الدينية وعمره حوإلى ثمانية أعوام واستمر فيها لمدة أربع سنوات، اِلتحق بعدها بالطريقة الحصافية وصار سكرتيرًا للجمعية وهو في الثالثة عشر من عمره، أنتقل بعد ذلك إلى المدرسة الإعدادية ثم إلى مدرسة المعلمين الأولية عام 1920م وتخرج منها مدرسًا، ثم التحق بكلية دار العلوم عام 1923 وتخرج منها عام 1927، وتم تعيينه في مدينة الاسماعيلية.


شارك في تأسيس جمعية الشبان المسلمين عام 1927، وبعد عام واحد من تأسيس الجمعية وفى مارس 1928 اجتمع البنا بستة أشخاص وأعلنوا أنفسهم جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة حسن البنا الذى كان عمره آنذاك 22 عامًا، وقد صرح البنا وقتها بتصريحه الشهير من أنه يحتاج إلى أجيال ثلاثة لتنفيذ خططه.


وبدأ البنا إعداد الجيل الأول وتأهيله للدعوة، وخلال عامين تعددت شعب الجماعة حول الإسماعيلية وبورسعيد والعريش، وبعد أربعة أعوام أصبح هناك عشر شعب، وفي عام 1932م قرر البنا أن الوقت قد حان لخطوة أوسع حيث طلب الانتقال إلى القاهرة، وأصدر أول مجلة أسبوعية بسم الإخوان المسلمين، ووصلت شعب الجماعة إلى خمسين شعبة وتتأسس فروع لها خارج مصر فى السودان وسوريا ولبنان وفلسطين تنادى بنداء الإخوان، وبإعادة مجد الخلافة الإسلامية، وفى عام 1936م تُوج فاروق ملكًا لمصر فاستقبله الإخوان فى محطات السكة الحديدية على طول الطريق بين القاهرة والإسكندرية بالهتافات المؤيدة والمبايعة، وكان الإخوان وقتها يرغبون فى الحصول من صاحب الجلالة الشاب على تأييده لدعوتهم، وفى عام 1938م كان عدد شعب الإخوان أكثر من ثلاثمائة شعبة.


وبعد هذا النجاح الجماهيري، شرع البنا في تحويل قطاع من الجماعة من العمل المدنى إلى العمل شبه العسكرى، فكون فرق الرحلات ثم فرق الجوالة بمظهرها العسكرى وأعدادها الضخمة والتى كانت تقدم عروضا تظهر قوة الجماعة، ثم أنشأ نظام الكتائب ثم طوره إلى نظام الأسر وكانت هذه الأنظمة أداة تفريخ لنظام جديد أشد حساسية وخطورة، وهو تنظيم مسلح يستهدف استخدام القوة والعنف لتنفيذ الأهداف بقوة السلاح قائم على السرية التامة والطاعة المطلقة يتم انتقاء عناصره بدقة شديدة أُطلق عليه اسم الجهاز الخاص أو التنظيم السرى ووُضِع له قانون سمى بقانون التكوين.


توترت العلاقة بين السلطة والجماعة علي إثرمقتل القاضى أحمد الخازندار، وما تلاها من عثور رجال الأمن على سيارة جيب دون أرقام بها قنابل وأسلحة وذخيرة ومتفجرات ومخطط لعمليات نسف السفارتين البريطانية والأمريكية ووثائق تحتوى على أسماء أعضاء التنظيم والشفرة السرية للاتصال بينهم ودراسات حول أهداف مزمع تدميرها، اتضح من الوثائق والمضبوطات أن الإخوان هم المسئولون عن حوادث التفجير التى وقعت فى الشهور الأخيرة بالإضافة إلى الاعترافات التي أدلى بها قادة العمل وقتها في كتب مفصلة تشرح حقيقة ما حدث كما سيأتي بيانه.


وفي صباح الرابع من ديسمبر تم اغتيال اللواء سليم زكى حكمدار شرطة القاهرة على يد طالب فى جامعة فؤاد الأول أذاعت الحكومة أنه ينتمى إلى تنظيم الإخوان، وزاد التوتر حين أصدر رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى قرار حلها ومصادرة أموالها واعتقال غالبية أعضائها فى ديسمبر ????، وشملت مذكرة الحل التخطيط لـ "قلب النظم السياسية" بطرق "إرهابية" و"تدريب الجماعة على السلاح".


وفى الثانى عشر من فبراير 1949 أمام مقر المركز العام للشبان المسلمين تم اغتيال حسن البنا بست رصاصات، واعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء، إذ لم يكن هناك رجل غير والده ومكرم عبيد الذى كان تربطه علاقة صداقة بحسن البنا.


مؤلفاته :
مذكرات الدعوة والداعية - المرأة المسلمة - تحديد النسل – المأثورات - مباحث في علوم الحديث - السلام في الإسلام – قضيتنا.
رسائله :
له عدد كبير من الرسائل أشهرها : دعوتنا - إلى أي شيء ندعو الناس؟ - هل نحن قوم عمليون؟ - رسالة المؤتمر الخامس - في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين - مـهـمّتنـا - نظام الحكم - رسالة التعالىم.
وبعد فهذه جولة سريعة للغاية في حياة هذا الرجل الذي تكتنف حياته قدر من الغموض، وهذا الغموض يرجع جزء منه إلى أنه ثمة تحولات أساسية تمت في حياة البنا، هذه التحولات كانت عميقة ومؤثرة، ولكن لم يشأ الإخوان أن يفصحوا عنها أو يبينوا كَنْهَا، لذا نستطيع أن نقول أن فكر الإخوان ينطلي علي جانب من السرية، وهو جانب مقصود ومراد، فالجماعة تستطيع إيصال فكرها الحقيقي إلى أتباعها عبر نشرات سرية خاصة، وتظل الكتب والرسائل المنشورة تتحدث عن الجوانب الدعوية والتربوية التي لا خلاف عليها، بالإضافة إلى أن الجماعة تستطيع أن تتهم أي كتاب أو بحث يكشف جزءًا من الحقيقة بأنه إما مغرض مأجور، وإما غير معتمد من إدارة الجماعة، والتي لم تعتمد كتابًا عبر تاريخها تقريبًا إلا أن تقريظ المرشد أو تقديمه لكتاب ما يعد إعتمادًا له مثل كتاب "حقيقة النظام الخاص" لمحمود الصباغ فقد قدم له وراجعه الأستاذ مصطفي مشهور.


3)  قراءة عامة في الأصول الفكرية لحسن البنا قبل تكوين الجماعة:
كان للنشئة الدينية التي حظي بها حسن البنا منذ صغره أثر كبير في توجهه نحو الدعوة منذ نعومة أظفاره، ولوالده فضل كبير عليه في توجيهه لهذه الوجهة حيث كان من العلماء المشتغلين بدراسة العلوم الشرعية كما تقدم، هذه الوجهة قادته إلى أن يلتحق بإحدي الفرق الصوفية، وقد كانت الطرق الصوفية ذائعة الصيت في هذا الوقت من عمر الأمة المصرية قبل نشأة الجماعات الإسلامية الحديثة، وقد أثرت هذه الفترة علي حياته وساهمت في تشكيل جزء من وعيه وثقافته، ولكن شخصية مثل البنا تتسم بالنشاط الدائم والحركة الدؤبة والطموح العإلى، ما كان لها أن تستمر في عباءة الصوفية الرتيبة.
 ومن ثم انطلق البنا لساحة أخري أكثر رقيًا وعمقًا وكان موعده مع الأستاذ محمد رشيد رضا الذي كان حتى ذلك التوقيت هو الوريث الشرعي للمدرسة العقلانية التي كان رائدها هوالشيخ محمد عبده، فاغترف البنا من المدرسة العقلانية ما شاء له أن يغترف، واكتسب من خلال هذا الاحتكاك بعدًا ثقافيًا ومعرفيًا يختلف عن الخرافات والخزعبلات التي كان يتلقاها داخل سراديب وكهوف الصوفية، بل إن شئت قل يتعارض معها تمامًا، ولكن ما حققه البنا علي المستوى الشخصى هو أن صار من جملة المثقفين الذين يكتبون في الجرائد، والتي كان لها وزن وثقل لا يُستهان به في ذلك الوقت.


 ثم شاءت الأقدار أن يتواصل حسن البنا مع العلامة محب الدين الخطيب والذي كان هو المعبر عن مدرسة ابن تيمية بشكل مجمل، ثم تزامن ذلك مع تحول فكري لدي محمد رشيد رضا، هذا التحول كان تجاه المنهج السلفي أيضًا وتحديدًا نحو ابن تيمية وابن عبدالوهاب، وبالتالى أصبح لدي البنا رافد ثالث من روافد المعرفة، وللأسف فإن هذه الروافد متعارضة في أصول ومنطلقات كثيرة، بل إن نقاط الالتقاء بين الصوفية، والعقلانية، والسلفية تكاد أن تنعدم، وعليه فإن البنا قد حمل في جعبته ثلاث مدارس فكرية متعارضة ولا يمكن نسبته هو شخصيًا لأي واحدة منها.


والسؤال: ما الذي يعود علينا من معرفة هذه المعلومات؟ وهل كانت وحدها هي المرجعية التي رسم البنا من خلالها معالم فكره؟
الحقيقة أن معرفة هذه المعلومات مفيد في تصور الطريقة التي نشأ بها مؤسس الجماعة، وهي مبدأيا تعطي رؤية عن حجم التخبط الفكري والاختلال المنهجي الذي ستعاني منه الجماعة بعد ذلك، ومن هنا نفهم كيف نشأت نظرية التجميع التي تبناها البنا، ونفهم لماذا اقتبس من رشيد رضا القاعدة الذهبية في معالجة الاختلاف وصاغها كما يلي: "نجتمع فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما إختلفنا فيه"، وقد قالها رشيد في معرض مشروع التقريب بين السنة والشيعة وبصياغة أكثر جودة كما جاءت في مجلة المنار في عام  1912 "أن يتعاضدوا ويتعاونوا على ما يشتركون فيه ويتفقون عليه، ويعذر بعضهم بعضًا فيما يفترقون فيه، ويحكِّموا الشرع والميزان فيما يتنازعون عليه"، ثم تراجع عنها بعدما اتضح له حقيقة الشيعة، وقد ذكر أن الشيعة كفروه لمجرد أنه قال في شرحه لهذه القاعدة "نتعاون فيما اتفقنا عليه من الرجوع إلى الكتاب كما تناقلته الأمة جيلاً بعد جيل، والسنة كما هي محفوظة في الكتب الستة وغيرها، وعلى تعظيم صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-.


(راجع مجلة المنار أعداد 29/424 – 31/293 – 31/290).
ولكن هذا الجزء من المعرفة لا يكفي إطلاقًا لإدراك وفهم منهج حسن البنا ومنهج جماعة الإخوان الذي استقر عليه بعد ذلك، لأن حسن البنا بعد انتهاء فترة التلمذة التي لم تدم طويلاً، أو إن شئت قلت بعدما أوقف هو بنفسه مسارات التلقي، قام بعد ذلك بوضع لمساته الشخصية، وأصبح هو ملهم الفكرة، وواضع التصور، وانقطعت صلته بالعلماء وبغيرهم، واتجه لوضع تصوراته الشخصية في رسائل وكتابات أضحت دستورًا للجماعة يقدسونها ويلتزمون بها.


ومن هذا المنطلق أصبح إعجاب البنا بالقاعدة الذهبية المعدلة متضائلاً مقارنة بما حصله من تجارب وبما قعده من أصول، وسوف نري من خلال جولتنا السريعة أن البنا أصبح في نظر أتباعه ضمن عداد المجددين الذين يرسلهم الله علي رأس كل مائة عام، وأصبحت أفكار البنا هي النسق الحركي الذي تؤمن به الجماعة، وتحولت كتاباته من مجرد كتابات عادية إلى أن أصبحت أساس البناء الفكري للجماعة والتي لا يمكن مناقشتها أو تعديلها فضلاً عن نقدها أو التقليل من شأنها بما يشابهه بدرجة كبيرة فكرة الإمام المعصوم لدي الشيعة.
وأصبح تعريف الإخواني هو = من يعترف بإمامة حسن البنا + ولاء للجماعة ربما يقارب الولاء علي الدين + مباديء وقواعد وتصورات هي دستور الجماعة ومرجعيتها.


وهنا يثور سؤال حول المصادر الأخري التي  استقي منها حسن البنا ملامح فكره:
البحث في إجابة سؤال كهذا سيعتريه شيء من التخمين والتوقع، لأن حياة البنا منذ أن بدأ بإنشاء الجماعة توحي بأنه الأستاذ الأول والمعلم الأوحد، ولم يذكر هو ولا أحد من مؤرخي الجماعة أن البنا كان يستشير أحدًا أو يلجأ إلى مرجعية أعلى منه قدرًا أو أوسع منه علمًا، وكيف يسوغ ذلك وهو الإمام المجدد؟! بل إن الإخوان غالبًا لا يذكرون فترة تتلمذ البنا علي رشيد رضا ومحب الدين الخطيب، ولا يذكرون أن القاعدة الذهبية هي قاعدة المنار بل غالبًا ما ينسبونها مباشرة إلى الإمام الشهيد كما يقولون، والأخطر من هذا كله – وهذا الأمر يستحق دراسة منفصلة – أن الإخوان يقرأون التاريخ كله علي أساس أن حسن البنا هو حجر الزاوية في بناء الأمة الحديث، وأن الدنيا كانت تعيش في جاهلية جهلاء وظلم ظلوم إلى أن جاء البنا فاستنارت البلاد بنور دعوته وأشرقت ببركة وجوده واستمر وجودها باستمرار جماعته، وهذا أحد الروافد المغذية لفكر التكفير لدي الجماعة كما سيأتي.


وبالتالى فالتطور الذي حدث لدي البنا بعد أن أسس جماعته، يكتنفه قدر كبير من الغموض وعدم الوضوح من حيث العوامل التي ساهمت في إحداث هذا التغير، غير أن المدقق في مسيرة البنا يمكن أن يلاحظ أن هذه المصادر يمكن حصرها فيما يلي:


 أولاً: آراؤه وتجاربه الشخصية:
كان البنا ذكيًا وبارعًا، وأعطاه الله مزايا ومنح عديدة، وبالتالى أصبح مرجعًا أساسيًا للجماعة التي أنشأها – رغم صغر سنه وحداثة تجربته وقله حصيلته وقتها – إلا أن البنا اعتبر الجماعة مشروعه الخاص، وبالتالى صار هو المنظر الأوحد لها واعتبر نفسه كأنه بداية مختلفة لفترة تاريخية جديدة فبدأ من حيث بدأ الآخرون – هذا إن كان هناك اعتراف بآخرين أساسًا – ومع الإنفرادية الشديدة لحسن البنا ومع تقرير مبدأ السمع والطاعة شبه المطلقة صارت آراء الإمام مناهج غير قابلة للنقاش ولا المساس حتي وإن كان الغرض هو التطوير أو التجديد.


ثانياً: الاسترشاد بمناهج أخري:
يذكر المناوئون للإخوان أن البنا قد تواصل مع الهيئات الماسونية واستقي منها عددًا من أساليبها وطرقها في السيطرة علي الأتباع، وضمان مطلق طاعتهم وولائهم، وكذلك تعرف علي المناهج والطرق التي تساعده علي ذلك، وربما يكون استفاد من منهج الكنيسة في فرض سياج مغلق علي أتباعها وضمان السيطرة الفكرية والروحية عليهم باعتبارهم شعب خاص لها.
إلا أن المؤكد أن اختلاط البنا بالشيعة كان له أثر ملموس في أفكار البنا، وربما يكون قد تأثر بطرقهم ووسائلهم، ومدي قدرتهم علي التحكم في أتباعهم وصياغة عقولهم وتصوراتهم، وقد بالغ ثروت الخرباوي – القيادي السابق في الجماعة – في كتابه " الشيعة والإخوان: أئمة الشر "في إثبات العلاقة بين الشيعة والإخوان بشكل يفوق مرحلة الإعجاب إلى مرحلة التنسيق والتعاون.


وبغض النظر عن تأثر البنا بهذه المناهج أم بغيرها، إلا أن الواقع يشهد أن هناك ثلاثة مناهج تعتمد علي "السرية والسيطرة والتقية"، وهي الماسونية والنصرانية والشيعة، ويحتمل أن يكون البنا قد استفاد من هذه المناهج، خصوصًا وأنه بعد سنوات من بداية دعوته أنشأ النظام الخاص، وهو تشكيل عسكري مسلح له لوائح وقوانين في غاية الصرامة والحدة بما يشبه بعض طقوس وأليات تلك المناهج.


4)  المحطات الرئيسية التي مر بها حسن البنا بعد تكوين الجماعة:
عند التأمل في رسائل الأستاذ حسن البنا وإمعان النظر فيها، سيتضح لنا جليا أنها ليست علي وتيرة واحدة، ولم تسر في فقراتها وجملها علي لحن واحد أو نغمة ثابتة، وإنما قفزت هذه النصوص قفزات كبرى انتقلت بها نقلات حادة، وذلك وفق تغير البعد الزمني، ومن هنا نخلص أن البنا قد مر في تأسيس دعوته بعدة مراحل، كل مرحلة لها خصائصها وسماتها، وإذا أردنا التعرف علي تطور الفكرة لدي حسن البنا فلنتجول جولة سريعة في رسائله وكتاباته التي كانت التنظير الفكري لتحركاته علي الأرض، ثم رسائل كبار المنظرين والمفكرين لدي الجماعة.


ويمكن تقسيم مسيرة دعوته إلى ثلاثة مراحل، كل مرحلة اتخذت طابعًا منهجيًا خاصًا كما يلي ( المنهج الإصلاحي - المنهج الاستعلائي – المنهج التصادمي ):


أولاً: فترة الطريقة الإصلاحية :
وهي فترة التكوين الأولي التي سعي فيها البنا لحشد أكبر عدد ممكن من الأتباع والأنصار والمؤيدين، وكان شعار الحب هو الشعار الأظهر بين أتباع الجماعة ومناصريها، وكانت مناهج الجماعة وقتها تميل إلى المسحة الصوفية من حيث رقة الكلام وعذوبة العبارات، مع شحنة عاطفية حماسية قوية لخلق حالة من التفاني في العمل من أجل الدين، وبذل الجهد في سبيل نشر الدعوة، وقد استمرت هذه الفترة عدة سنوات من بداية الدعوة.


ثانياً: فترة المنهج الاستعلائي:
بعد تحقق الثمرة المرجوة من جيل التكوين، انتقل البنا مباشرة إلى فترة جيل التنفيذ، وهي الفترة التي حرص فيها علي إبراز الفروق بين جماعة الإخوان وبين غيرهم، كما حرص علي إيجاد مسافات فاصلة بينهم وبين غيرهم، وقد تمت صياغة هذه الأفكار بعبارات قوية وواضحة، وكان الغرض منها تنشئة هذا الجيل علي الاعتزاز بانتماؤه إلى جماعة الإخوان، والشعور بالامتنان العميق تجاه الجماعة التي أنعمت عليه بأن جعلته واحداً منها، وهذا المنهج مستمر منذ أن وضع البنا بذوره وحتي يومنا هذا، والذي رأينا فيه من كان علي مشارف الموت فما وجد شيئاً يتذكره إلا بضع كلمات قالها " الحمد لله علي نعمة الإخوان، اللهم أمتني علي الإخوان ".


يقول البنا موجهاً حديثه إلى أتباعه في رسالة تحت راية القرآن:
" نحن ولا فخر– أصحاب رسول الله حملة رايته من بعده .. ورافعوا لواءه كما رفعوه، وحافظوا قرآنه كما حفظوه .. هذه منزلتكم، فلا تُصعِّروا في أنفسكم فتقيسوا أنفسكم بغيركم، لقد دعوتم وجاهدتم، فواصلوا جهودكم، واعملوا والله معكم، فمن تبعنا الآن فقد فاز بالسبق، ومن تقاعد عنا من المخلصين اليوم فسيلحق بنا غدًا، وللسابق عليه الفضل".


ولنلتقط شيئًا مما كتبه قيادات الجماعة عن جماعتهم وعن أنفسهم:
يقول سعيد حوى في كتابه (المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين ) في صفحات (16-19-20-21-26):
"ومع أنه لم يزل فقهاء الدعوة المعتمدون يعتبرون الإخوان المسلمين جماعة من المسلمين تسعى لأن تتحقق بمواصفات جماعة المسلمين وأنها متى استطاعت أن تطور نفسها نحو ذلك فعندئذ تصبح جماعة المسلمين".


"فلنر ما هي مواصفات الجماعة التي يصح أن نعتبرها جماعة المسلمين؟ ولنر ما إذا كانت هذه المواصفات منطبقة على جماعة الإخوان المسلمين كما أقامها حسن البنا"
ثم ذكر سعيد حوى مواصفات جماعة المسلمين وذكر (سبعة صفات) ثم قال بعدها "والدليل على أن هذه كلها مواصفات لابد منها للجماعة التي يجب على كل مسلم أن يضع يده في يدها - وهي متوافرة في جماعة الإخوان المسلمين".


يقول سعيد حوى في (آفاق التعالىم):
 "ولكن الأيام ستكشف -والله أعلم- أنه لن تستطيع الحركة الإسلامية ولا في طور من أطوارها سواءٌ قبل الدولة أو بعدها أو في السياسة الداخلية أو في السياسة الخارجية للدولة الإسلامية أو في التربية أو في التكوين أو في الإستراتيجية والحركة أن تستغني عن فكر الأستاذ (البنا)، ولئن كان (البنا) بمجموع ما حباه الله (عزوجل) هو المرشح الوحيد لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيبٌ ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النِّسب حدث الفساد!! ".


وقد كان من آثار هذا الفكر اعتقاد الإخوان بأن المرشد لا يخطئ، وأن الجماعة كاملة تمثِّل الإسلام تمثيلًا كاملًا، يقول الدكتور (عبدالعزيز كامل) في (مذكراته الشخصية): "ولقد كان من الأعراف الفكرية عند الإخوان أن يد الله التي ترعاهم قادرةٌ على أن تحوِّل خطأ تصرفهم إلى صواب، نسير في خطإٍ فإذا برحمة الله تتداركنا فنتحول إلى صواب، نقصد أمرًا فتوجهنا عناية الله إلى غيره".


ثالثاً: فترة المنهج الصدامي:
فترة المنهج الصدامي هي التطور الطبيعي للمنهج الاستعلائي، حيث تصور البنا أنه قد وصل لمرحلة الانتصارات وحصد الغنائم، وأن الدعوة في هذا الطور لابد أن تتخلص من خصومها وتقضي عليهم حيث كانوا في نظرهم عقبات علي طريق تحقق النصر، وفي هذه الفترة ظن البنا أنه بالفعل قد تكونت لديه أدوات القوة ووسائل المنعة، وبالتالى يستطيع أن يحقق ما يريد.


وقد قرر البنا أن يخوض هذه المرحلة في وقت مبكر من عمر دعوته، كما جاء في كتاب (مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا):
 "في الوقت الذي يكون فيه منكم – معشر الإخوان المسلمين – ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيًا بالإيمان والعقيدة، وجسمنيًا بالتدريب.. في هذا التوقيت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله.. ألِّفوا الكتائب، وكوِّنوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا إلى التدريب ".


ثم يقول تحت عنوان (الإخوان والقوة والثورة ):
 "يتساءل كثير من الناس: هل في عزم الإخوان أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟ وهل يفكر الإخوان المسلمون في إعداد ثورة عامة على النظام السياسي أو النظام الاجتماعي (وهذا يدل علي أن الصدام لم يكن مع السلطة فقط ولكن كان مع المجتمع أيضاً عند اللزوم) ؟ ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إنني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا في وضوح وفي جلاء، فليسمع من يشاء.. أما القوة فهي شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته.. ولابد لمن يتبع هذا الدين أن يكون قويًا، والإخوان المسلمون لابد أن يكونوا أقوياء.. قوة العقيدة والإيمان، ثم قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح".


ثم يضيف حسن البنا موضحًا:
"سيستخدم الإخوان القوة حين لا يجدي غيرها، وحين يستكملون عدة الإيمان والعقيدة، وعندما يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء ينذرون أولاً، ثم ينتظرون، ثم يقدمون".


ويقول أيضاً "ونحن الآن نهيب بالكبراء والأعيان والهيئات والأحزاب أن ينضموا إلينا، وأن يسلكوا سبيلنا، وأن يعملوا معنا، فإن أجابوا فهو خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وإن أبوا فلا بأس علينا أن ننتظر قليلاً، وأن نلتمس المعونة من الله وحده حتى يُحاط بهم ويسقط في أيديهم ويضطرون للعمل أذنابًا، وقد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤساء.. والله غالب على أمره".


ثم يقرر البنا قاعدة خطيرة، يبدو أنها كانت بذرة التكفير لدي الجماعة "إننا نعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له في الإسلام".


وقد جاء في البند الخامس والعشرين من رسالة التعاليم، وهو يوجه تعليماته للإخوان وما يجب أن يفعلوه في حياتهم قائلا:
 "أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير اسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الاسلامية مقاطعة تامة".
ولو كان البنا عبر بلفظ "الإسلام" لما كان هناك عيب في الكلام ولكن المشكلة أنه ذكر كلمة "فكرتك الإسلامية" والذي فُهم من الكلام أنه يتحدث عن فكر الجماعة خصوصًا أن جماعات التكفير الصريح قد طبقت هذه الأفكار بشكل عملي.


ويضيف البنا في البند الثامن والثلاثين: "أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرتك وخاصة إذا أمرت بذلك".


وأخيرًا، نجد عمر التلمساني المرشد السابق للإخوان في كتابه (ذكريات لا مذكرات) ينقل عن حسن البنا تهديده بمحاربة كل من لا يستجيب لدعوة الإخوان المسلمين، فيقول:
 "نحن حرب على كل زعيم أو رئيس أو هيئة لا تستجيب لدعوتنا.. وسنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق"، ثم يؤكد التلمساني نفس التهديد، بل ويبرره حين قال"إننا نجاهد في سبيل إنقاذ الإنسانية من كل شرورها بالدعوة إن قبلوا.. أما إن أبوا فليس إلا الكفاح الحربي بيننا".


وفي هذه الفترة بدأ حسن البنا سلسلة من الإجراءات لتنظيم العمل المسلح، فقام بتكوين ثلاث تشكيلات عسكرية كما يلي:


محور مدني مسلح: وكان تحت مسئولية عبد الرحمن السندي، وينتمي إليه المدنيون.


نظام خاص داخل الشرطة - سلاح الوحدات -، وكان تحت مسئولية اللواء صلاح شادي.


نظام خاص داخل الجيش: وكان تحت مسئولية الصاغ محمود لبيب، ويعاونه عبد المنعم عبد الرؤوف.


شهادات المعاصرين من الإخوان تؤكد الفكر الذي استقرت عليه الجماعة:


شهادة للشيخ محمد الغزإلى:
في كتابه (من معالم الحق) يقول الشيخ/ محمد الغزإلى: "إنَّ الذين يحسبون أنفسهم" جماعةَ المسلمين" يرون مخالفة الأستاذ حسن الهضيبي ضربًا من مخالفة الله ورسوله، وطريقًا مُمَهِّدة إلى النار، وبئس القرار! وقد كنتُ أسيرُ مع زميلي الأستاذ/ سيد سابق قريبًا من شُعبة المَنيَل، فمرَّ بنا اثنان من أولئك الشُّبّان المفتونين، وأَبَيا إلاَّ إسماعَنا رأيهم فينا، وهو أننا من أهل جهنم".


ثم يقول عن الإخوان: "إنني تذكرتُ بعد أيام هذا العداء المُرَّ، والأوامرَ التي أوحتْ به، فعزَّعليَّ أن يُلعَب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، وأن تتجدَّد سياسةُ الخوارج مرة أخرى، فيُلعَن أهلُ الإيمان، ويُتْرَك أهلُ الطغيان! فمِن المُضحك أو المُبكي أن يخطب الجمعةَ عقب فَصْلِنا من المركز العام "للإخوان" مَن يؤكد أنَّ الولاء للقيادة يُكَفِّر السيئاتِ، وأن الخروجَ عن الجماعة يمحقُ الفضائل، وأن الذين نابذوا القيادة عادوا إلى الجاهلية الأُولي، لأنهم خلعوا البَيعة".


ونقل الغزإلى في نفس الكتاب تجربته مع الهضيبي فقال " فلما استغربناه وتأبينا عليه، ورأينا أنفسنا نبصر الحقائق القريبة والرجل لا يحسها، ونعامله مخطئا ومصيبا غير مقرين هذه الهالة التي أضفاها الأغرار عليه، مقتنا الرجل أشد المقت، مقتنا كما يقمت الكفار والفساق".


شهادة للدكتور يوسف القرضاوي:
في كتابه (الشيخ الغزإلى كما عرفته) يقول الدكتور القرضاوي: "بعد أن اختلف "الغزإلى" مع مرشد الإخوان الثاني حسن الهضيبي، قال: إن ميدان العمل لله ورسوله أرحب من أن يحتكَّ فيه متنافسون، وأسمَي من أن يشتبك فيه مُتشاكسون! وقد كنتُ حريصًا علي الصمت الجميل يومَ عرفتُ أنِّي سأعملُ للإسلام وحدي، بيدَ أن أحدًا من خَلْق الله اعترضني مِن قيادات الإخوان ليقول لي: إنْ تكلَّمتَ قُتِلْتَ! فكان هذا هو الحافز الفذ علي أن أتكلَّم وأُطنِب!".


قال القرضاوي في كتابه سيرة ومسيرة: "كنا في معتقل العامرية وكنت أتحدث مع أحد وعاظ الإخوان المعروفين وجاء ذكر الأخ الشيخ الغزإلى، فقال لي: الغزإلى لم يعد أخا لنا، لا هو ولا إخوانه المفصولين من الجماعة"، ثم قال "ومن الذكريات المؤلمة التي لا أنساها: أن الإخوان كانت لهم نشرة سرية.. وقد أذاعت هذه النشرة نبأ قالت فيه: إن القرضاوي والعسال قد مرقا من الدعوة وانضما إلى ركب الخونة وعلى الإخوان أن يحذروا منهما، وقد استجاب الإخوان لذلك.. وهذا أمر شائع في الإخوان".


وكذلك تعرض الدكتور عبدالعزيز كامل لهذا الاتهام.. حين قبل منصب رئيس شئون الأزهر في زمن عبدالناصر، قال القرضاوي في كتابه سيرة ومسيرة: "ولم يرض ذلك منه جمهور الإخوان، واعتبروه قد خان الدعوة، التي نشأ فيها، وسار في ركب أعدائها، وأنه قد أحبط عمله، وضيع تاريخه، وختم حياته خاتمة سوء".


ثم يعلق القرضاوي على ذلك: وأقول بأسف: "لقد كان رجال المباحث أصدق في الحكم علينا من إخواننا الذين عرفناهم وعرفونا وعايشونا وعايشناهم. وهذا ما يعاب على كثير من الإخوان: أنهم إذا أحبوا شخصا رفعوه إلى السماء السابعة، وإذا كرهوه هبطوا به إلى الأرض السفلى".


شهادة الأستاذ عبدالحليم محمود:
قبل انتهاء عام 1954، هرب الهضيبي من موقع الأحداث بالقاهرة إلى الاسكندرية، إبان اختلافه مع ضباط الثورة، وأصدر أول البيانات التي نادت بتكفير حركة الجيش، قال محمود عبدالحليم في أحداث صنعت التاريخ – الجزء الثالث:
"وقبل موعد الاجتماع بنحو ساعة فوجئنا بمنشور صادر عن المرشد العام يوزع على هؤلاء الإخوان، يحرضهم على رجال الثورة ويرميهم بالكفر".


وهذا بالطبع قبل ظهور التعذيب الذي يعتمد عليه الإخوان كثيرًا في تبريرالتكفير.
ثم قال "وقد وجدت أن الإخوان في المركز العام يغذون إخوان الأقاليم بسيل من المنشورات منها خطابات موجهة إليهم من المرشد العام من مخبئه. ولاحظت وشهدت أن المنشورات والخطابات من الذى يرفع من حرارة الالتهاب في أعصاب الإخوان ضد الحكومة حتى أن بعض هذه المنشورات رمت رجال الثورة بما تستباح به الدماء؟!" ثم دافع عبدالحليم عن ضباط الثورة دفاعاً ينسف كل ما يُقال من جانب الإخوان فقال: "إنهم لم يرفضوا الحكم بكتاب الله صراحة، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن ترميهم بالكفر"، ثم يشهد شهادة خاصة في حق عبدالناصر فيقول "حتى أن عبدالقادرعودة كان يتصل بجمال ويسأله عن هذه القضية الخطيرة، وجمال ينكر ما قاله المرشد العام ويقول: إنني قلت: "إننا سنحكم بالقرآن ولكن الظروف الآن لا تسمح بذلك، ولابد من تذليل العقبات وتهيئة الجو للحكم بالقرآن ولابد من فترة نستطيع من خلالها أن نحقق ذلك".


وهذا هو نفس ما شهد به فريد عبدالخالق في كتابه (الإخوان في ميزان الحق) أن عبدالناصر أكد تمسكه بالإسلام أساسا للتغيير المنشود، إلا أنه قال: "إن من المصلحة عدم المجاهرة بذلك في بادئ الأمر، ولكن تؤخذ الأمور تدريجيا، حتى لا يحارب أعداء الإسلام الحركة في أول عهدها".


شهادة الأستاذ مختار نوح:
يقول مختار نوح في مذكرة رفعها للمرشد العام ونشرتها جريدة الشرق الأوسط في عام 2005 "ونرفق بك وبإخواننا حين نقول إننا أضعنا في سنواتنا الأخيرة إخوانا لنا ساروا على دربنا، وحين اختلفنا معهم قطعنا جلودهم تقطيعا ومزقنا سيرهم تمزيقا، وأهلنا عليهم من نقمتنا وغضبنا، حتى أصبحت هذه النقمة حديث العامة والخاصة.. فالمهندس أبو العلا ماضي، الذي كان بالأمس نجمًا باسقًا بازغًا في سماء الدعوة أصبح اليوم، كما يقال لنا في أسرنا وكتائبنا، مفارقا للجماعة، وإذا مات على ما هو عليه سيكون قد مات ميتة جاهلية".


5)  الإخوان بعد حسن البنا:
تعاقب علي قيادة جماعة الإخوان عدد من المرشدين تولوا رئاسة مكتب الإرشاد بعد مقتل حسن البنا  وإلى الآن كما يلي: حسن الهضيبي: المرشد الثاني (1951 - 1973)، عمر التلمساني: المرشد الثالث (1973 - 1986)، محمد حامد أبو النصر: المرشد الرابع (1986 - 1996)، مصطفي مشهور: المرشد الخامس (1996 - 2002)، محمد مأمون الهضيبي : المرشد السادس (2002 - 2004)، محمد مهدي عاكف : المرشد السابع (2004 - 2010)، محمد بديع : المرشد الثامن (2010 - حتي الآن).


وسوف نتناول لمحة مختصرة عن كل واحد منهم، لكي نخلص منها إلى عدد من النتائج تتعلق بموضوع البحث:
أولاً: حسن الهضيبى: المرشد الثانى للجماعة (1951 - 1973):
هو الرجل الذي تولى رئاسة مكتب الإرشاد بعد مقتل حسن البنا، وكانت الجماعة تلقبه بالمرشد الممتحن نظرًا لما وقع للجماعة من محن وبلايا في الفترة التي تولى فيها قيادة الجماعة، وقد أجمعت الهيئة التأسيسية للجماعة على انتخابه مرشدًا عامًا مع أنه لم يكن وقتها عضوا بالجماعة، إلا أنه كان محبًا ومقربًا للبنا، الذي أوصى بخلافته للجماعة من بعده، وقد أثار اختياره إضطرابًا كبيرًا في صفوف الجماعة خصوصًا أنه لم يكن من القادة أو المسئولين داخل الجماعة، وقد كانت الانشقاقات والاتهامات تضرب الجماعة من أقصاها إلى أقصاها واعتبرت بعض قيادات الجماعة أن هناك مرشدًا حقيقيًا سريًا، وأن الهضيبي ما هو إلا واجهة خارجية للجماعة فقط، وقد حكي تفاصيل هذه الفترة العصيبة من عمر الجماعة الأستاذ عبد الحليم محمود في موسوعته "الإخوان أحداث صنعت التاريخ".


وقد ظل الهضيبي مرشدًا سريًا لمدة 6 أشهر، وعندما سمحت حكومة النحاس باشا؛ للهيئة التأسيسية للإخوان بالاجتماع، طلب أعضاؤها من الهضيبى أن يرأس اجتماع الهيئة بصفته مرشدًا للجماعة، ولكنه رفض طلبهم إذ اعتبر انتخابه من قبل الهيئة التأسيسية فى المرحلة السرية من الدعوة لا يمثل رأى جمهور الإخوان، وطلب منهم أن ينتخبوا مرشدًا آخر غيره، ولكن الإخوان رفضوا طلبه، وبعد محاولات عديدة وافق علي طلبهم، وقدم استقالته من القضاء؛ ليتفرغ للعمل فى الإخوان المسلمين.


وقعت فى عهد قيادة الهضيبى للإخوان ثورة يوليو 1952، وأصدر الإخوان بيانا يؤيدون فيه ثورة عبد الناصر، إلا أن علاقة الإخوان بدأت تسوء مع قيادة الثورة حين رفضت الأخيرة طلب المرشد العام الهضيبى أن تعرض عليه قراراتها قبل إصدارها إلى غير ذلك من مظاهر الخلاف بين الثورة والإخوان، وتم اعتقال الهضيبى للمرة الأولى مع بعض الإخوان فى 13 يناير 1954 ثم أفرج عنه فى مارس.


ثم اعتقل للمرة الثانية أواخر عام 1954 حيث حوكم وصدر عليه الحكم بالإعدام ثم خفف إلى المؤبد، نقل بعد عام من السجن إلى الإقامة الجبرية لإصابته بالذبحة ولكبر سنه. وقد رفعت عنه الإقامة الجبرية عام 1961، ثم أعيد اعتقاله أغسطس 1965 فى الإسكندرية وحوكم بتهمة إحياء التنظيم، ثم أخرج خلالها لمدة خمسة عشر يومًا إلى المستشفى ثم إلى داره ثم أعيد لإتمام سجنه. ومددت مدة سجنه حتى 15 أكتوبر عام 1971 حيث تم الإفراج عنه، و توفى صباح الخميس 11 نوفمبر 1973 عن عمر ناهز الثانية والثمانين عامًا.


مؤلفاته:
دعاة لا قضاة -إن هذا القرآن- الإسلام والداعية "مجموعة كتابات جمعها أسعد سيد أحمد".
ثانياً: عمر التلمسانى: المرشد الثالث للجماعة (1973 - 1986):
تقلد عمر التلمسانى رئاسة مكتب الأرشاد بعد وفاة الهضيبى فى ظروف بدأت فيها الجماعة تتنسم نسمات الانفتاح على المجتمع وقبول من السادات الذى سمح لقياداتها وأفرادها بالتحرك، كذلك ساعد التلمسانى فى توليه المنصب علاقته الجيدة بالسادات.


ويسمى التلمساني مرشد البناء الثانى للجماعة، قال عنه جابر رزق المتحدث الرسمى باسم جماعة الإخوان وقتها "لقد اختار الله الشيخ عمر التلمسانى ليقود الجماعة فى سنوات ما بعد محنة السجون التى استمرت قرابة ربع قرن من الزمان، فاستطاع بحكمه الشيخ الذى حنكته السنون، وأنضجته السجون، وبميزات شخصيه منحه الله إياه، وبأخلاق الإسلام التى صبغت سلوكه وتصرفاته أن يفرض "الوجود الفعلى" للجماعة على الواقع المصرى، والعربى، والعالمى".


وقد شهدت الجماعة فى عهده انفتاحًا وتغلغلًا فى العمل العام وبدأ يحتضن جيل شباب السبعينات أمثال د.عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضى ومختار نوح وحلمى الجزار وإبراهيم الزعفرانى وعصام العريان وغيرهم وأطلقهم فى النقابات والجامعات والأندية، كما بدأ أول تحالفات الجماعة مع الأحزاب ودخل فى عهده الإخوان البرلمان، ويعد آخر المرشدين الذين ساروا على نهج حسن البنا من حيث مبادئ التغلغل فى جميع مؤسسات المجتمع، وأصبح القدوة لجيل العمل العام فى الجماعة الذى لم يعد أحد يمثله حاليًا فى مكتب الإرشاد.


مؤلفاته:
ذكريات لا مذكرات - شهيد المحراب - حسن البنا الملهم الموهوب - بعض ما علمني الإخوان - وفي رياض التوحيد - المخرج الإسلامي من المأزق السياسي -الإسلام والحكومة الدينية - الإسلام ونظرته السامية للمرأة - قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر- من صفات العابدين - ياحكام المسلمين .. ألا تخافون الله؟ - لا نخاف السلام ولكن - الإسلام والحياة - حول رسالة نحو النور - من فقه الإعلام الإسلامي - أيام مع السادات - آراء في الدين والسياسة.


ثالثاً: محمد حامد أبو النصر: المرشد الرابع للجماعة (1986- 1996):
كان أول من انضم إلى صفوف الإخوان فى الصعيد، تدرج فى مواقع المسؤولية من نائب شعبة منفلوط حتى أصبح عضوًا فى الهيئة التأسيسية (مجلس الشورى العام)، ثم عضوًا فى مكتب الإرشاد، وتعرض للاعتقال وحكم عليه فى أحداث 1954 بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة (25) عامًا قضى منها عشرين عامًا فى السجون، وخرج منتصف 1974، وتم اختياره مرشدًا عامًا للجماعة خلفًا للمرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني، فى مارس 1986.


خاضت الجماعة في عهده الانتخابات النيابية في عام 1987م متحالفة مع حزب العمل والأحرار، مما أتاح لها دخول (36) نائبًا إخوانيًا لأول مرة في تاريخ الجماعة إلى مجلس الشعب وأدى إلى قيادتها للمعارضة بشكل فعلي، كما خاضت الجماعة التجديد النصفي لمجلس الشورى عام 1989م وقاطعت انتخابات البرلمان سنة 1990م وتبعتها بقية أحزاب المعارضة احتجاجا على استمرار العمل بقانون الطوارئ، وعدم وجود ضمانات كافية لنزاهة الانتخابات.. وفي عام 1992م خاضت الجماعة انتخابات المجالس المحلية، ثم شاركت الجماعة أيضاً في انتخابات مجلس الشعب التي جرت في 1995م.


رابعاً: مصطفى مشهور: المرشد الخامس (1996 - 2002):
علي موقع الإخوان ويكيبديا سوف تجد في ترجمة مصطفي مشهور هذه الجملة العجيبة "كان الشيخ مصطفى يحمل أعباء المرشد ومكتب الإرشاد قبل أن يصبح هو المرشد، فقد كان المرشد الفعلي أيام سلفيه الشيخ أبي النصر والشيخ عمر التلمساني، وكان يتحمل المسؤولية كاملة عن تلك الفترة، وخاصة بعد أن غادر مصر إلى الكويت فألمانيا، ثم بعد تسوية وضعه، وعودته إلى بلاده.


وعندما تسلم منصب الإرشاد، تابع مخططه الذي رسمه للجماعة مع أعضاء مكتب الإرشاد، وعمل بجد واجتهاد لتنفيذه، وقد لجأ إلى التحالفات السياسية مع بعض الأحزاب وخاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية والنقابية، وحققت نجاحات رائعة "وذكر الموقع أيضاً " وبعد وفاة المرشد الأستاذ التلمساني – رحمه الله تعالى – وبتسوية ما مع المسئولين في مصر، قادها الأستاذ الكبير صلاح شادي، تغمده الله بفيض رحماته ورضوانه، عاد الشيخ مصطفى إلى القاهرة عام (1986)، وتسلم منصب نائب المرشد العام (كان المرشد الأستاذ محمد حامد أبو النصر – رحمه الله تعالى – وكان الساعد الأيمن والأيسر في ميدان الدعوة، ومعه ثلة طيبة من إخوانه أعضاء مكتب الإرشاد، بل إن بعض المراقبين والمطلعين يعتقدون أنه كان القائد الفعلي للجماعة منذ رحيل المرشد حسن الهضيبي رحمه الله رحمة واسعة عام (1973) وحتى وفاته أي طوال ثلاثة عقود."


وبالتالى فقد كان مصطفي مشهور هو من كان يدير الجماعة فعلياً من بعد وفاة الهضيبي والذي لم يكن هو الآخر مرشداً فعلياً، وقام مأمون الهضيبى أثناء تشييع الجنازة بأخذ البيعة لمصطفى مشهور عقب الفراغ من جنازة أبو النصر مباشرة فيما سمى "ببيعة المقابر"، وذلك من دون انتظار إجراء انتخابات فى مكتب الإرشاد مثلما تقضى اللائحة الداخلية،تولى مصطفى مشهور مهام المرشد العام للإخوان المسلمين بعد وفاة مرشد الجماعة الرابع محمد حامد أبو النصر سنة 1996 بعد أن كان هاربا خارج مصر لفترة قبل أيام من اعتقالات سبتمبر 1981، وصاحب تأسيس التنظيم الدولى ومكاتب الإخوان فى الخليج وأوروبا، واتخذ رجالا من صفوة الإخوان بعد عودته أعاد بهم التنظيم الخاص ومن مؤيدى ومناصرى أفكار سيد قطب، وشكل ما يسمى بتنظيم 65 مرة أخرى ومنهم حاليا غالبية أعضاء مكتب الإرشاد.


مؤلفاته:
الجهاد هو السبيل - تساؤلات على طريق الدعوة - مناجاة على الطريق - مقومات رجل العقيدة على طريق الدعوة - وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد - زاد على الطريق - القدوة على طريق الدعوة - الدعوة الفردية - الحياة في محراب الصلاة - الإسلام هو الحل - من فقه الدعوة 1،2 - القائد القدوة الإيمان ومتطلباته - بين الربانية والمادية - قضايا أساسية على طريق الدعوة - التيار الإسلامي ودوره في البناء - قضية الظلم في ضوء الكتاب والسنة - طرق الدعوة بين الأصالة والانحراف - من التيار الإسلامي إلى شعب مصر.


خامساً: محمد مأمون الهضيبى: المرشد السادس للجماعة (2002 - 2004):
مع مرض وغيبوبة المرشد العام لجماعة الإخوان مصطفى مشهور فى 29 أكتوبر 2002 إثر نزيف فى المخ أصبح مأمون الهضيبى القائم بأعمال المرشد العام‏ بالنيابة، وبعد الوفاة تم أخذ البيعة لمأمون الهضيبى، وهو نجل المستشار حسن الهضيبى ثانى مرشد لجماعة الإخوان المسلمين، تخرج مأمون الهضيبى فى كلية الحقوق وعمل بالنيابة وكان رئيسا لمحكمة غزة عام 1956، وشارك فى أعمال المقاومة الشعبية خلال العدوان الثلاثى على مصر 1956، واعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتم اعتقاله ‏1965‏ أثناء حضوره اجتماعا مع والده حسن الهضيبي، وتم إقالته إثر ذلك من منصبه القضائى، وقدم إلى المحاكمة العسكرية وحكم عليه بالحبس سنة، وجدد اعتقاله لمدة خمس سنوات بعد انتهاء مدة الحبس وتم الإفراج عنه 1971.


عاد مأمون الهضيبى إلى القضاء بعد أن برئت ساحته ليصبح رئيسا لمحكمة استئناف القاهرة حتى أحيل للمعاش، ودخل انتخابات البرلمان عن دائرة الدقى بالجيزة 1987، ثم تولى مهام منصبه كمرشد عام بعد وفاة مشهور.


سادساً: محمد مهدى عاكف: المرشد السابع (2004 -2010) :
بعد عام وبضعة أشهر فقط من تولى الهضيبى منصبه توفى ولم يكن للهضيبى نوابا، إلا أن عاكف حصل على أعلى أصوات مكتب الإرشاد وكان يفصله عن د.محمد حبيب صوت واحد، وبضع أصوات عن خيرت الشاطر فعين كلاهما نائبين له، وقد كان عمره وقتها 74 عامًا.


كان آخر موقع شغله فى الإخوان قبل صدور قرار بحل الجماعة 1954 رئاسة قسم الطلاب، كما أنه كان رئيسًا لقسم التربية الرياضية بالمركز العام للإخوان، قُبض عليه في أغسطس 1954، وتم محاكمته بتهمة تهريب اللواء "عبد المنعم عبد الرؤوف" - أحد قيادات الجيش وشارك فى ثورة يوليو- حُكم عليه بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، وبعد خروجه من السجن سنة 1974 عمل مديراً عامًا للشباب بوزارة التعمير.


كان عاكف عضوا فى التنظيم الخاص للجماعة فترة الأربعينات، ومن جيل الصقور قضى فترات طويلة من عمره فى السجون، بجانب سنواته الباقية قضاها خارج مصر،ولكن فى عهده شهدت الجماعة أكبر نجاح لها فى البرلمان -88 نائبا- وكذلك تحالفات مع غالبية القوى والأحزاب والحركات الاجتماعية وإن لم تكتمل فى معظمها.


كان الأكثر جدلا بين المرشدين بسبب التصريحات الإعلامية وصاحب أكثر عدد من الكلمات التى جرت على الجماعة ويلات كثيرة منها (طز فى مصر واللى جابو مصر) وإعلانه لإرسال 10 آلاف مقاتل من الإخوان لتنضم لصفوف المقاومة فى لبنان، وتأييده اللا متناهى لحزب الله، وعدائه الصريح اللفظى والعملى للنظام وخاصة مؤسسة الرئاسة، وتعرضت أيضا على يده الجماعة لعدد من الاعتقالات والمحاكمات العسكرية كان ضحيتها النائب الثانى والرجل القوى فى الجماعة خيرت الشاطر الذي اشتهر وقتها بقضية ميليشيات الأزهر.


الوحيد من بين مرشدى الجماعة الذي أعلن وقت تنصيبه وأخذ البيعة له كمرشد سابع فى تاريخ الجماعة أنه سيترك المنصب بعد الولاية الأولى- 6 سنوات فقط بعد تعديل اللائحة- وأصر على عدم التجديد رغم المشكلات التى دخلت فيها الجماعة وما أثاره قراره من خلافات على المنصب لكنه أصر على موقفه كما أصر أن يكون هو صاحب الإعلان عن اسم المرشد الجديد وأن لا يترك الجماعة بلا مرشد وتعهد أمام مكتب الإرشاد بتحمله تبعات هذا على كتفه.


سابعاً : محمد بديع : المرشد الثامن (2010- الآن):
قبل انتخاب د. محمد بديع، انتُخب مكتب إرشاد جديد للجماعة في ديسمبر 2009، وسط انقسامات بين تياري ما يوصف بتيار المحافظين الذي يسيطر عليه خيرت الشاطر و د.محمود عزت وبين تيار الإصلاحيين الذي كان يتزعمه كل من د.محمد حبيب و د. عبد المنعم أبو الفتوح، حيث استبعدت انتخابات مكتب الإرشاد كل من محمد حبيب النائب الأول للمرشد آنذاك وعبد المنعم أبو الفتوح القيادي وعضو مكتب الإرشاد آنذاك.


أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أنها اختارت تعيين محمد بديع في منصب مرشد عام الجماعة؛ في وقت غاب فيه محمد حبيب النائب الأول للمرشد السابق عن مؤتمر إعلان المرشد. وكان محمد حبيب قد أعلن - من قبل - اعتراضه على إجراءات انتخابات مكتب الإرشاد والمرشد، لأن التصويت فيها كان يخالف قواعد اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين. مشيرًا إلى أن اختيار المرشد الجديد جاء "نتيجة اختيار وليس نتيجة انتخاب". وقد شهدت هذه الانتخابات أيضا خروج عضو مكتب الإرشاد عبد المنعم أبو الفتوح من مكتب الإرشاد، كما شهدت أزمة بسبب عدم تصعيد عصام العريان.


والدكتور محمد بديع كان صديقًا مقربًا للمرشد الأسبق محمد مهدي عاكف، والذي كان من أحد تلاميذ سيد قطب، وقد حُكم عليه بخمسة عشر عامًا في قضية تنظيم سيد قطب عام 65، قَضى منها 9 سنوات، وخرج في 4/4/1974.

ولم يُؤثر عن الدكتور بديع أي كتابات دعوية أو تربوية أو سياسية، بينما له سجل حافل من الإنجازات في مجال عمله الدنيوي في الطب البيطري.
6)  ملاحظات عامة حول مرشدي الجماعة:


1.    العرض السابق لأجزاء من تراجم المرشدين بعد البنا ليس الغرض منه تقصي حياة هؤلاء الأشخاص أو تتبع فترة إدارتهم للجماعة، أو أي شيء من هذا القبيل، وإنما هي محاولة لوضع رؤية إجمالية لما سارت عليه الجماعة منذ عهد البنا حتي يومنا هذا.


2.    ذكر قائمة المؤلفات الخاصة بكل مرشد الهدف منه إعطاء رؤية إجمالية عن شخصية المرشد، هل هو من المهتمين بالتأليف والكتابة أم لا وهل هذه المؤلفات تنظيرية أم هي كتابات عامة تربوية ودعوية ؟ وإذا لم تكن هناك مؤلفات تنظيرية تذكر فهل توقف الإنتاج الفكري عند القوم من بعد البنا ؟ أم أن هناك ثمة مؤلفات سرية هي التي توجه فكر الجماعة ؟


3.    إذا أردنا تحليل تاريخ الجماعة من بعد مقتل البنا، سنجد أنه تعاقب على إدارة هذه الجماعة سبعة مرشدين كما سبق ذكرهم يمكن تقسيمهم إلى قسمين: الأول يغلب عليهم القيادة الشرفية للجماعة سواء علموا أم لم يعلموا وهم: ( حسن الهضيبي – عمر التلمساني - محمد حامد أبو النصر – مأمون الهضيبي )، والقسم الثاني هم الذين أداروا الجماعة بالفعل سواء بشكل علني أم من وراء ستار وهم: (مصطفي مشهور – محمد مهدي عاكف ) أما محمد بديع فمحمود عزت يعد الرجل الأقوي في الجماعة في الوقت الحالى وهو أيضاً من المدرسة القطبية.


4.    الملاحظة المثيرة للشك والمشتركة بين مرشدي القسم الأول أنهم لم ينضموا للنظام الخاص، أو كانوا من خارج الجماعة أصلاً، فحسن الهضيبي لم يكن من أعضاء الجماعة بشكل رسمي ولم يتدرج في وظائفها أو أعمالها، وإنما تولي رئاسة مكتب الإرشاد بشكل مفاجيء، وكما ذكرنا فإن هذا الأمر جاء للتخلص من حالة الصدام والصراع علي منصب المرشد والتي كادت أن تفتك بالجماعة، وبالتالى فغالب الظن أن الهضيبي لم يكن مرشداً بمعني الكلمة بل كان هناك من يقود الجماعة من الخلف ولم يشأ موقع " إخوان ويكيبديا " أن يكشف لنا من يكون هذا الرجل، ولكن من يقرأ تاريخ هذه الفترة لعبدالحليم محمود يتأكد جيداً أن هناك مجموعة كانت تدير الأحداث بشكل عنيف وتدفع لحالة الصدام مع الدولة ومع عبدالناصر، بالدرجة التي أحرجت عبدالحليم نفسه عندما اتفق مع عبدالناصر علي إيقاف حرب النشرات " كعربون ثقة " علي جدية الاتفاقات، ولكنه فوجي بأن هناك من يتعمد زيادتها فعلم من ساعتها أن عبدالناصر سوف ينتقم ولعل هذا يكون له موطن بسط آخر.


5.    بقي هنا أن أحد أفراد القسم الأول كان من الفاعلين الحقيقين داخل الجماعة ويطلق عليه "مجدد شباب الجماعة" وهو الأستاذ عمر التلمساني الذي قاد الجماعة لمصالحة مع السادات والتي تم بموجبها إخراج الإخوان من السجون والسماح لهم بالتواجد في العمل العام وفي العمل السياسي علي وجه التحديد، والذي لا يشير الإخوان إليه أن المصالحة تم جزء منها مع السادات الذي قتل عام 1981، وجزء آخر منها تم مع مبارك نفسه والذي تم بموجبها رجوع قيادات الخارج الذي اشترط السادات سفرهم خارج الدولة بدلاً من إيداعهم في السجون، وبالتالى عاد مصطفي مشهور إلى مصر عام 1986 ليتولي رئاسة مكتب الإرشاد في الخفاء لمدة 10 سنوات كاملة هي فترة رئاسة أبو النصر، ثم ليتولي بعدها بشكل عملي لمدة 7 سنوات أخرى حتى وفاته .


6.    إذن بشكل أو بأخر نستطيع أن نقول أن مصطفي مشهور وحده، وهو أحد أبرز قيادات النظام الخاص قد حكم الجماعة لمدة 31 عاماً كاملة (14 عام في عهد التلمساني – 10 أعوام في عهد أبو النصر – 7 أعوام بنفسه)، وحكمه لها يعني سيطرة فكره ومجموعته القطبية علي مقاليد الأمور داخل الجماعة، وقد تم السماح للتلمساني أن ينطلق ليضم شباب الجماعة الإسلامية ليحتضنهم ويدمجهم في العمل، ويخترق المساحات التي لم يكن لدي الإخوان استطاعة علي الدخول فيها بشكل فعال.


7.    نجح التلمساني في مهمته داخليًا وخارجيًا وشكل جيلاً كاملاً داخل الجماعة أمثال ( عبدالمنعم أبو الفتوح، عصام العريان، محمد حبيب، حامد الدفراوي، إبراهيم الزعفراني، مختار نوح ) وغيرهم، ولكن يبدو أن السيطرة الحقيقية كانت للجناح القطبي بقيادة مشهور، وربما كان تلامذة التلمساني من السذاجة بمكان أنهم لم ينتبهوا لذلك، ولم يفهموا هذه التفاصيل علي وجه الدقة، وبالتالى ظل الصراع بين الجناحين مكتومًا لمدة عشر سنوات هي فترة رئاسة أبو النصر، والتي كان يديرها مشهور بنفسه نظرًا لما ذكرنا وإلى الصداقة الشديدة التي كانت تربطه بمشهور، ثم كانت الرئاسة لمشهور ذاته، وتجدد الخلاف مرة ثانية قبيل انتخاب مهدي عاكف وحسمت أيضًا لصالح التيار القطبي – بغض النظر هل نعد مهدي عاكف شخصيًا من ذلك التيار أم لا -  ومن بعدها قام الجناح القطبي داخل الجماعة بتصفية الجناح الآخر المسمي بالإصلاحي والوحيد الذي تبقي من كل هذه المجموعة المحسوب علي هذا الجيل داخل الجماعة هو عصام العريان، وحتي الآن لم يتقلد منصبًا حساسًا داخل الجماعة.


8.    هذا الصراع هو الذي جعل البعض يتصور أن هناك جناحان داخل الجماعة الأول بناوي والآخر قطبي، وغالب ظني أن الجماعة كجماعة علي نهج واحد وتيار واحد وهو التيار البناوي في أخر صورة له وهو أيضاً التيار القطبي – مع أن التكفير ليس واضحاً عند حسن البنا مثل سيد قطب وتلامذته والظاهر أن حسن البنا كان يعامل العوام كمسلمين – أما التيار الآخر فإن شئت نسبته للتلمساني وإن شئت نسبته للإصلاح بشكل عام إلا أنه تيار دخيل علي الجماعة، ولم تتبناه الجماعة أو تعتمده بشكل رسمي، وإنما احتاجوا إليه لفترة محدودة من باب التقية، ولإظهار الوجه المتسامح للجماعة، ولكن التيار الحقيقي يعمل بقوة من خلال الأسر والنشرات الداخلية ويدير الجماعة على الحقيقة كما ذكر موقع الإخوان.


9.    ويمكن اختصار ذلك فيما يلي، البنا في آخر حياته تغيرت في أفكاره أشياء كثيره، وكما ذكرنا أنه كان مرجعاً لنفسه، فتغيرت وجهة نظره من الحكام، ومن مسألة استعمال القوة، ومن باقي أفراد المجتمع الذين تعميهم غشاوة الدنيا فامتنعوا عن الدخول في الجماعة، ولاحظ هنا أنها هي محاور الفكر القطبي بحذافيرها، وبالتالى هذا التغير الفكري جعله ينظر للجهاز الخاص علي أنه هو مستقبل الجماعة وربما كان من ضمن طموحه أن يصب الجماعة كلها في داخل هذا النظام، وقد بدء ذلك بالفعل ولكن لأن شروط الالتحاق بهذا الجهاز صعبة بعض الشيء مما أدي إلى أن يكون قادة الجماعة من داخل هذا النظام، وباقي أفراد الجماعة هم من عموم الناس الذين سيتم توجيههم بسهولة، ومما زاد الطين بله أن الجهاز الخاص كانت له مناهج ودراسات خاصة تختلف عن باقي الرسائل الموجهة لعموم الأعضاء، مما ساهم في توفير بيئة خصبة للعنف والتكفير معاً، وصارت سطوة هذا الجهاز تفوق كل شيء.


10. وقُتل البنا وسيطر هذا الجهاز علي مقاليد الأمور، وما هي إلا سنوات حتي أعاد سيد قطب إحياء النظام في صورة تنظيم 65، ثم استمر مشهور وزملائه في القيادة من الخلف وبنعومة شديدة إلى أن عادت الجماعة قطبية خالصة مرة أخرى.


7) تساؤلات حول كتاب دعاة لا قضاة للمرشد الثاني حسن الهضيبي:
من أحد الأمور الغامضة والمشكلة فيما يتعلق بموقف الإخوان من التكفير، ذلك الكتاب المثير المنسوب إلى الأستاذ حسن الهضيبي ، الذي يقول الناشر في مقدمته: "لقد كان مما ابتلي به الإخوان في سجونهم ومعتقلاتهم ما أظهره البعض من رأي بتكفير المسلمين أو التشكيك في حقيقة إسلامهم وإيمانهم. ولقد سارع الإخوان – رغم قسوة سجنهم ومعتقلاتهم – إلى تصحيح هذا الفهم، لا رهبة من أحد ولا زلفى لأحد، وقال مرشدهم الأستاذ حسن إسماعيل الهضيبي ردا على تلك الدعوى، كلمته الجامعة التي حددت طريق الإخوان المسلمين وعبرت عن منهجهم وصورت مهمتهم (نحن دعاة ولسنا قضاة)".


 وبالتالى فمن المفترض أن هذا الكتاب جاء ليعالج انحراف طرأ علي الجماعة فيما يتعلق بموضوع التكفير في الوقت الذي زادت فيه حدة التكفير بدرجة كبيرة تزامنت مع تحركات سيد قطب بتنظيمه الجديد، إلا أن ثمة معضلات كبري تستعصي علي التأويل أو الجمع بين سلوك الجماعة وأقوال قاداتها وبين ما جاء في هذا الكتاب، منها ما يلي:


1)   تنظيم سيد قطب يتحرك بإذن من الهضيبي:
رغم أن الهضيبي هو صاحب الكتاب، ورغم أن الكتاب من المفترض أنه يرد علي سيد قطب إلا أن تحركات سيد (كتنظيم وكفكرة) كانت بإذن من الهضيبي، تقول زينب الغزإلى: "بتعليمات من الإمام سيد قطب، وبإذن الهضيبي، قررنا أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد ثلاثة عشر عامًا – عمر الدعوة في مكة – على أن قاعدة الأمة الإسلامية الآن هم (الإخوان) الملتزمون بشريعة الله وأحكامه، فنحن ملزمون بإقامة كل الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا الإسلامية، والطاعة واجبة علينا لإمامنا المبايع، على أن إقامة الحدود مؤجلة، مع اعتقادها والذود عنها، حتى تقوم الدولة، وكنا على قناعة كذلك بأن الأرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوافر فيها صفات الأمة الإسلامية الملتزمة التزاما كاملا، كما كان الأمر في عهد النبوة والخلافات الراشدة، ولذلك وجب الجهاد على الجماعة المسلمة، حتى يعود جميع المسلمين للإسلام، فيقوم الدين القيم، لا شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة".


وتقول أيضاً: "رأينا خلال فترة الإعداد التربوي أن يكون هناك مستشار يشرح ويوضح لنا توجيهات سيد قطب وتعليماته، ولذلك قررنا ورأينا أن يكون الأستاذ محمد قطب هو مرجعنا، وبإذن من المرشد الهضيبي كان الأستاذ محمد يأتي بشكل دوري إلى بيتي في مصر الجديدة، ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه، وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عنها".


يقول أحمد عبدالمجيد صاحب كتاب (الإخوان وعبدالناصر) نقلاً عن سيد قطب: "عندما شكا أعضاء مكتب الإرشاد، وهم في سجن الواحات، وكان المرشد تحت الإقامة الجبرية، من آراء سيد قطب الواردة (في ظلال القرآن) ونقلوا شكواهم وشكوى الإخوان منها في هذا السجن، للمرشد حسم الشكوى لصالح سيد قطب، فأجابهم:
"ما قاله صاحب الظلال هو الحق الذي لا شك فيه"، ومن بعدها بدأ الإخوان يتدارسون الظلال في سجن الواحات في صورة مجموعات، بإشراف أعضاء مكتب الإرشاد، وكذلك تم نفس الشيء في سجن القناطر باستثناء البعض. وتم ذلك على اعتبار كلام المرشد موافقة على ما ورد في الظلال.. ولما سئل المرشد عن كتاب (معالم في الطريق) قال: إنه كتاب عظيم".


بل والأوضح من ذلك ما ترويه زينب الغزإلى في مذكراتها تقول :إنها قابلت المرشد وسألته عن سيد وعن كتابه المعالم فقال" علي بركة الله... إن هذا الكتاب قد حصر أملي كله في سيد، ربنا يحفظه، لقد قرأته، وأعدت قراءته، إن سيد قطب هو الأمل المرتجى للدعوة الآن".
فهل كان الهضيبي في "دعاة لا قضاة"  يرد على الأفكار التي يرى أن صاحبها هو الأمل المرتجى؟!.


2)   رأي القيادات الأمنية:
كشف اللواء فؤاد علام - وكيل مباحث أمن الدولة المصرية الأسبق - في كتابه "الإخوان وأنا"ما يلي:
"خططنا في ذلك الوقت لأن نستغل جناحاً كان معارضاً إلى حد ما لفكر التكفير، ونجح الأمن في أن يدفع حسن الهضيبي من دون أن يدري لأن يصدر كتاب (نحن دعاة ولسنا قضاة).. وحقيقة الأمر، أن حسن الهضيبي لم يشارك بأي رأي أو فتوى في هذا الكتاب ولم يفعل فيه شيئاً، وإنما تم إعداده بواسطة بعض علماء الأزهر، ورسمنا خطة أمنية دقيقة لإدخال الأبحاث والآراء لبعض العناصر الإخوانية في ليمان طره، وكانوا يجتمعون بمأمون الهضيبي ويناقشونه ويسلمونه الأبحاث. وقام بنسبتها إلى نفسه وسلمها لوالده حسن الهضيبي على أساس أنه هو الذي قام بإعدادها. والحقيقة أنه لم تكن له أدنى علاقة بهذا الكتاب من قريب أو بعيد.. وتركنا حسن الهضيبي يسرب الكتاب إلى خارج السجن من دون أن يشعر، وسهلنا عملية طبعه ونشره. وسيفاجأ الإخوان بهذه المعلومات التي تذاع لأول مرة".


3)   خلاصة الرأي:
إذاً كيف نجمع بين الكلام المنضبط المذكور في كتاب "دعاة لا قضاة" والمفترض أنه جاء للرد علي معالم في الطريق، وبين أن كاتب هذا الكلام المنضبط هو الذي أجاز مؤلفات سيد قطب وهو الذي أشرف علي مشروعه الفكري وعلي تنظيمه الحركي؟!
غالب ظني – وبعيداً عن تأويلات اللواء فؤاد علام – أن البنا نفسه قد تبني رأيين في هذه المسألة، كل رأي قد مثل مرحلة زمنية من حياته، فالرأي الأول يتوافق مع ما جاء في كتاب دعاة لا قضاة وقد تبناه البنا في بدايات دعوته وقبل أن ينشيء النظام الخاص، والرأي الثاني هو الذي استقر عليه البنا في الجزء الأخير من دعوته وهو الذي كان يُدرس لأعضاء النظام الخاص.


وبالتالى فقد كان لدي الإخوان منذ عصر البنا جناحان، الأول هو التيار العام للجماعة والذي ربما لا يتحمل فهم هذه القضايا ولا يستوعب دعاوي التكفير وفتاوي القتل، والجناح الآخر يتكون من أعضاء النظام الخاص الذي أنشأه حسن البنا وأعاد إحياؤه سيد قطب في تنظيم 65، إذن فالتيار القطبي هو تيار بناوي في الحقيقة، ولكنه الوجه الخفي من الفكر البناوي، أما الرأي الآخر فلم يمثله من قيادات الجماعة سوي عمر التلمساني والذي كان وجوده ضروريًا في تلك الفترة، وذلك لإظهار الوجه المرن والمتفاهم للجماعة، وقد قام بالفعل بتنفيذ المهمة بنجاح، وما أن خرج الإخوان من السجون حتي أعادوا القبضة الحديدية على مفاصل الجماعة وخرج كل من كان دخيلاً عليهم أو منسوباً لتيارها الإصلاحي.
ويبقي أيضاً أن هذه وجهة نظر تحتاج لمزيد من البحث والتدقيق.


8)  فكر البنا في نظر بعض مفكري الجماعة:
في حوار أجراه كمال حبيب من مكة المكرمة، ونشره موقع "إسلام ويب" في يوليو 2007، قال فيه الأستاذ كمال ما يلي:
"استقبلني الأستاذ محمد قطب في منزله بمكة المكرمة، وطال بنا الحديث حول المشاكل الجديدة التي تواجه العالم الإسلامي والحركات الإسلامية بعد الهجمة الأمريكية الشرسة الأخيرة على العالم الإسلامي، وأدهشني أن محمد قطب يشعر بالتفاؤل، وبأن ما يجري ليس شرًّا كله، وأنه شر يأتي معه بالخير، ومن وجهة نظره فإن من أكبر الخير الذي يواكب هذا الشر هو انكشاف الوجه الأمريكي الصليبي في الحرب على العالم الإسلامي، فلم يعد هناك شيء مستور أو مخفي، الحرب تدار علنا وعلى رؤوس الأشهاد".


وقد تناول الحوار عدد من القضايا تدور حول موضوع الغزو الفكري، إلى أن جاء السؤال التالى:
سألته: ولكن أين نضع فكر سيد قطب من تطور الحالة الفكرية للحركة الإسلامية؟
فكر سيد قطب هو الامتداد الحقيقي لفكر حسن البنا ؛ فحسن البنا في رسالة التعالىم يقول: "ولا نكفر مسلمًا بذنب متى نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها"، وسيد قطب يتحدث عن قيد أو شرط" وعمل بمقتضاها".


وأضاف: لا شك أن الإخوان قدموا نموذجًا مهمّا في الجندية والتكافل، لكن في جوانب أخرى أهملوها ولم يوجهوا لها الاهتمام الكافي.


ويقول: في عام 1948 حدث وعي جديد عند حسن البنا تمثل في أن الحكام ليسوا مسلمين إذا لم يحكموا شريعة الله، واتباعه الذين جاؤوا من بعده إما أنهم لم يدركوا هذا الوعي الجديد في خط تفكيره أو أهملوه عن قصد .


سألته: ولكن متى حدث التحول الفكري الحقيقي عند سيد قطب؟
التحول الفكري نشأ عند سيد بعد مذبحة 1954، فعبد الناصر ذبح الإخوان في السجون، والجماهير كانت تصفق له، وتساءل: هل لو كانت هذه الجماهير تملك الوعي كانت ستصفق للطاغية ؟!! وتناقش سيد في هذا الأمر مع الشيخ محمد هواش، وانتهي الاثنان إلى أن هذه الجماهير لو كانت تعلم حقيقة لا إله الا الله ما كانت صفقت للطاغية، من هنا يجب أن تبدأ الدعوة من كلمة التوحيد.


ويؤكد ذلك أيضاً صلاح شادي الذي كان مسئولاً عن قسم "الوحدات" بالجماعة في كتابه "الشهيدان – حسن البنا وسيد قطب" يقول فيه: "لقد كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامي، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة لهذا الفكر" .


و نقل "عباس السيسي" في كتابه: "في قافلة الإخوان" عن: "المرشد الهضيبي" قوله: "إنه لا يعلم أن للأستاذ: "سيد قطب" فكراً يغاير فكر الإخوان المسلمين" .


تعقيب: كما أثبتنا من قبل فإن التكفير نشأ عند الإخوان قبل قضية التعذيب بزمن طويل، ولكن دأب الإخوان علي اعتماد هذه الرواية ليظهروا في مظهر الضحية، وليبرروا هذه اللوثة التكفيرية عندهم.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 

الابلاغ عن خطأ