يكفيه حزني عليه !

  • 104

يحكي أهل الأدب أن رجلاً مر في بعض أسفاره في البادية بأعرابي يبكي وبجواره جار يموت، فأشفق لحال الرجل؛ وسأله ما يبكيه، فأجابه أن جاره يموت جوعاً، وهو يبكي لأجل ذلك!، فنظر الرجل فوجد بجوار الباكي طعاماً له وشرابا، فسأله: ما هذا؟! قال: "طعامي وشرابي!" فسأله متعجباً: فلم لا تطعمه لجارك؟! فنظر إليه ثم قال: "يكفيه حزني عليه!!" ، لم يصل حبي لجاري أن أعطيه من طعامي وشرابئ.
 
قرات هذه القصة قديما منذ الصغر، وكنت دائما أجد فيها غرابة طريفة، ولم يكن يعنيني كثيراً أحدثت أم هي من وحي الخيال؟، فقد كنت أراها نموذجا سافراً للحب الكاذب، والهوى المزعوم..
 
ربما تشاركني الرأي أيها القارئ الكريم في أن المغزى من هذه القصة هو بيان مدى قبح ذلك الفعل، فهذه القصة إذن ما هي إلا رمز للحب الكاذب، إذ أن من بديهات العقل أنه لو كان يحب جاره لأطعمه، وإلا فلن تفيد الدموع هذا الجار المسكين شيئاً، فلن تطعمه ولن تسقيه، ولن تهب له الحياة .
 
لكن دعني أصارحك بالحقيقة المرة التي رأيتها بين الناس بعد ذلك؛ أن حالنا جميعاً –إلا من رحم ربي– مع دينه كحال هذا الأعرابي مع جاره، ولا حول ولا قوة إلا بالله !
 
لا تتعجب يا صديقي! إنها الحقيقة المرة .
 
إن الحقيقة هي أننا جميعاً نحب هذا الدين، ونريد نصرة الدين، لكننا في الحقيقة: لسنا سوى أدعياء! نقول بلسان حالنا: يكفيه حزننا عليه.
 
نعم: ندعي حب الدين، ثم لا نعمل لأجل نصرته، وندعي حب الدين، ثم لا نبذل من أجل رفعته!
 
لا! لست قاسياً! أو ساخراً! بل أنا جادُ كأشد ما يكون الجِد!، فليس هذا موطن هزل، وإلا فأخبرني: كم منا يبكي لما آل إليه حالنا من تشرد وضعف وهوان؟، وكم منا يقضي الساعات الطوال في وصف الفساد والسوء والجهل الذي وصل إليه حال المسلمين اليوم؟، ثم كم منا يقتطع من وقته وجهده ليصلح هذا الخلل ويبذل في سبيل الإصلاح؟، ولا يتوقف عند تشخيص الداء بل يبدأ في العلاج، ويقتطع من وقته وجهده في سبيل ذلك ؟!
 
مرة أخرى أقول لك: لست قاسياً، فالحقيقة أنه لا يخلو أحد من نوع بذل يستطيعه في مجاله الذي يحسنه : فالطبيب يستطيع أن يقتطع من وقت عيادته ليعالج محتاجاً بغير مال. والصيدلي يستطيع أن يقتطع من ماله ما يكفي لإنقاذ حياة إنسان ..
 
والمعلم يستطيع أن يعلم بعض أبناء المسلمين المحتاجين بالمجان .وهكذا ستجد في كل حرفة مجالاً أو مجالات للبذل لهذا الدين !
 
لكني مرة أخرى أقول لك: ليس هذا ما أعنيه! لست أعني هذا القدر بل إني لأطمح لأكثر من ذلك، إن الذي أريد أن أحدثك عنه هو التضحية !نعم: التضحية لأجل هذا الدين !!
 
لا أقلل من شأن صنيع المعروف، لكن من يريد أن يرفع الراية له شأن آخر !!
 
إن استنهاض هذه الأمة من كبوتها، وإفاقتها من غفلتها ليحتاج إلى جهد جهيد من التعليم والدعوة والصبر على ذلك .
 
إن هذا الدين وصلنا بدماء وأشلاء قوم ضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن يصلك هذا الدين غضاً طرياً كما أنزل ..
 
إن هذا الدين وصل إليك عبر أقوام بذلوا حياتهم كلها لأجل ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين"
 
فهل أنت من هؤلاء؟!
 
أخي الحبيب، إن هذا الدين لن ينتصر ويرجع لسابق عهده بقوم لا ينفقون من أجل دينهم سوى فتات الأوقات، أو فضول الأموال، لا، إنما بقوم جعلوا نصرة هذا الدين أولى أولويات حياتهم، وبذلوا من أجل ذلك، ولو أضرّ ذلك بأوقاتهم وأبدانهم وأموالهم ..
 
يحتاج لقوم يوقنون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من أَحبَّ دنيَاهُ، أَضرَّ بآخرَتهِ، ومن أحبَّ آخِرَتَه أَضرَّ بدُنيَاه، فَآثِرُوا ما يبقَى على ما يفنَى".
 
يحتاج لقوم يوقنون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ".
 
يحتاج لقوم يوقنون أن انتشال الأمة من سكرتها ليست "مباراة كرة قدم" تحتاج إلى مشجعين وفقط! وإنما تحتاج لأناس شمروا عن ساعد الجد، وبذلوا كل ما يملكون في سبيل هذا الذي يرجونه من الخير ..
 
يحتاج لقوم شعارهم: {وعجلت إليك رب لترضى}.
 
يحتاج لقوم يرجون أن يكونوا هم الذين عناهم رب العزة بقوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى? مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}.
 
أخي: هل أنت ممن يحملون الراية ؟!
 
إن كنت أحد هؤلاء فهنيئاً لك!
 
وإن لم تكن.. فماذا تنتظر؟!
 
المشاعل كثيرة، وما عليك سوى أن تختار المشعل الذي يناسبك، عسى أن يكون الفتح على يديك ..
 
فإن لم يكن؛ فلا أقل من أن تساعد أحد هؤلاء الذين يحملون المشاعل والرايات ..
واعلم أنه لا أقل من ذلك ..