"رأس غارب".. حينما فاق الواقع الخيال

  • 303


منذ تأسيس حزب "النور" وعلى مدار السنوات الخمس الماضية شاركت مع زملائي في فعاليات مختلفة تتنوع مناسباتها وتتعدد المدن والمحافظات الحاضنة لها.. تباين في كل هذه المناسبات أداؤنا طبقًا للتأثير وللنتائج بما لا يتسع المقام لتحليله.. ويمكنني القول أن نسبة كبيرة جدًا من هذه المناسبات والفعاليات كانت توقعاتنا لتأثيرها أو فلنقل استقراؤنا لردود أفعال المتلقي لها من خارج صفوفنا، استقراءً مُبالِغًا يفوق الواقع الحقيقي.. الثمن كان باهظًا ولكن لهذا قصةٌ أخرى.. أزعم أن الاستثناء الوحيد -برأيي- لكل هذه الفعاليات ما أنجزه الحزب في (رأس غارب)!.

 

دُعيت لأشارك زملائي الجمعة الماضية مؤتمرًا ختاميًا بمناسبة انتهاء فعاليات الحملة الإغاثية "جسد واحد".. حملة قادها حزب النور على مدار شهرين كاملين بشبابه من مختلف المحافظات وقياداته من شتى الطبقات، أراد زملاؤنا إنهاءها بشكلٍ لائق، يوجهون فيه الشكر لكل من شارك بصغير أو كبير.. أرادوا للختام أن يشمل مزيدًا من جبر خواطر أهلنا المصابين في أموالهم ودُورِهم وذويهم، فجهَّزوا فرشًا وأجهزةً منزلية -على حسب ما تيسر- هدية لعشرات الفتيات ممن أقدمن بالفعل على الزواج أو حتى ممن ينتظرن دورهن..

كنت أتوقع شيئًا من ثناء الناس على مجهود الحزب مع شيئٍ من العتب على أي موقف عابر هنا أو هناك.. كنت متوقعًا نجاحًا بشَّرَتْنا به الصور الملتقطة للشباب وقد شمروا عن ساعد الجد وخاضوا في طين السيول واقتحموا أنقاضًا حَوَت الهوام والزواحف و من الأذى المستتر ما لا يعلمه إلا الله.. لكن الواقع كان يفوق التوقع بكثيرٍ.. بل الأعدل أن أقول أن التوقع تضاءل بجوار الواقع حتى تلاشى أو كاد!

 

حينما يسكت صانعو الإنجاز ليتحدث نيابةً عنهم منافسوهم من أحزابٍ وهيئاتٍ تعلم يقينًا أن حديثها على الملأ إنما يخصم من رصيدها.. وحينما لا تلهج ألسنة الناس على تنوع أفكارهم ومشاربهم -وعلى مدار ثلاث ساعات وأكثر- سوى بالثناء على نظام حزب النور، والجهد الوفير الذي بذله رجال النور، والبشاشة -نعم لقد قرأتَها بشكل صحيح، هي البشاشة- التي تعامل بها متطوعو حزب النور في مواجهة انفلات أعصاب بعض الأهالي المنكوبين وربما فظاظة البعض..

وحينما يطلب راعي الكنيسة أن يأتي بنفسه ليشكر حزب النور في المحفل الرسمي، ولا يكتفي بذلك بل يُعدِّد على مسامع الناس -بكلماتٍ يعرف تكلفتَها جيدًا- ما لحزب النور من مزايا وما لفِعْلِه في شارع "رأس غارب" من أثر..

حينما يزدحم ذلك كله في ليلة واحدة؛ فاعلم أن حجم الإنجاز أضعاف أضعاف ما ذكروا، وأضعاف أضعاف ما وصل إليك!

 

لست مبالِغًا لو قلت إن حزب النور قد أدار أبناؤه الحملة الإغاثية باحترافٍ يقارب حجم العمل الإغاثي المضطلعة به الدول والهيئات العالمية؛ فلقد رأيت هؤلاء وأولئك، وأنا مسئول عن كلماتي تلك..

توفيق الله سبحانه كان حاضِرًا قبل كل ذلك؛ رأيته ليس فقط في ضخامة الإنجاز، ولا في استمراريته على مدار الشهرين دون تراجع أو تكاسل، ولا حتى في حسن إدارة الأفراد المتطوعين من أرجاء مصر كلها -ولكم أثَّر ذلك في نفوس أهل رأس غارب، أن يخدمهم من أتى إليهم من أقصى الشمال أو أقصى الشرق- وإنما رأيت توفيقه سبحانه في تواضع إخوتي وزملائي -لا أغادر منهم أحدًا-؛ كلما ازداد الثناء كلما طأطأت الرؤوس ودمعت الأعين واحمرَّت الوجوه.. وقد رأيت غيرهم ممن يُشار إليه بالبنان وقد انتفشت أوداجه وأراح ظهره و رفع رأسه بما يحسبه إنجازًا يخوِّل له الحكم على الناس بأن هذا في الجنة وهذا بائسٌ في السعير!

 

الإنجاز يحتاج إلى تدوينٍ دقيق، يستخلص مواطن القوة لينميها والثغرات لتلافيها.. نحتاج إلى الوصول إلى نموذج معرفي متكامل يُطبق من خلاله نفس النجاح الذي تحقق في رأس غارب في كل بقعة من بقاع وطننا، وبذات الاحترافية والتفاني والإخلاص..

ليس المقصود فقط الجهود الإغاثية وإنما أيضًا الجهود التنموية، فكلاهما يستفيد من خبرات الآخر ومنطلقاته..

الإنجاز يحتاج أن يتكرر عشرات المرات ليصبح سجيّةً وعادةً لا استثناءً وزيادة!