الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذه بعض التغريدات
كتبتها تحت عنوان: "قرآنيات"، تحدثتُ فيها عن كيفية تعامل السلف مع
القرآن، وكيف أنهم كانوا يقفون عنده موقفًا مهيبًا، واضعين أمام أعينهم قول الله -تعالى-:
(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ
لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ
نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر:21).
فهذا عمر بن الخطاب -رضي
الله عنه- صلى صلاة الفجر، فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى بلغ: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) (يوسف:84)، بكى حتى انقطع فركع، وكان عمر يمر بالآية مِن
ورده بالليل فيبكي حتى يسقط ويبقي في البيت حتى يُعاد!
ويوم اليمامة أخذ
الراية سالم مولى أبي حذيفة، فقال المسلمون: "يا سالم إنا نخاف أن نؤتى مِن قِبَلك؟
فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم مِن قِبَلي".
وقرأ
قارئ عند مالك بن دينار: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ
زِلْزَالَهَا) (الزلزلة:1)، فجعل مالك ينتفض
وأهل المجلس يبكون ويصرخون حتى انتهى إلى هذه الآية: (فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة:7-8)، فجُعل مالك يبكي
ويشهق حتى غُشي عليه فحُمل مِن بين القوم صريعًا.
وقرُئ على أبي الجهير مسعود الضرير قوله -تعالى-:
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ
هَبَاءً مَنْثُورًا . أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا
وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) (الفرقان:23-24)، فصرخ صرخة انكب
لوجهه ثم جعل يخور كما يخور الثور، ثم هدأ فنظروا إليه فإذا هو قد مات.
وسُمع الفضيل ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد ويبكي
ويردد هذه الآية: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ
الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31)، وجعل يقول: "وتبلو أخبارنا"، ويردد: "وتبلو
أخبارنا... إن بلوت أخبارنا فضحتنا وهتكت أستارنا، إن بلوت أخبارنا أهلكتنا
وعذبتنا!" ويبكي.
وقال ابن
عياش: "صليت
خلف فضيل بن عياض وإلى جانبه علي ابنه، فقرأ الفضيل: (أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ) (التكاثر:1)، فلما بلغ: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (التكاثر:6)، سقط علي مغشيًّا عليه، وبقي فضيل لا يقدر تجاوز الآية ثم صلى بنا صلاة
خائف. فقلت في نفسي: يا نفس ما عندك مِن الخوف ما عند فضيل وابنه؟!
وقال أبي: استأذنت
على سفيان الثوري في نحر الظهيرة فأذنت لي امرأة، فدخلت عليه وهو يبكي، ويقول: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم
بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80)، فيقول: "بلى يا رب، بلى يا رب"
وينتحب.
جعلنا الله مِن أهل
القرآن وخاصته.