انهيار التعليم في مصر يفتح الباب أمام التساؤلات المحيرة!

  • 114
صورة أرشيفية

إن الناظر والمتأمل فى منظومة التعليم فى مصر يرى بدرجة كبيرة مدى تدهورها وهبوطها على منحدر التأخر، كيف لا و نحن فى الألفية الثالثة ولم نستطع حتى معاصرة العالم من حولنا فيما وصلوا إليه من طرق التعليم وكيفيته؟!

وإذا جعلنا الدول المتقدمة معيارا لما وصلنا إليه نجد إن المشكلة ذاتها تكمن فى سببين هما : أولهما :
ترتيب المناهج الدراسية واختيار الأنسب لكل مرحلة، مع الاعتبار بمعايير ومحاولة ملاحظة مواكبة التقدم فى شتى العلوم والفنون؛ فنحن لا ننكر أن العلم تراكمى؛ لذلك لا ينبغى تجاهل آخر ما توصل إليه العلم فنبنى حلقة تواصل بين القديم والحديث، وبين علم المتقدمين وابتكار المتأخرين .

ثانيهما: إيجاد أنجح الطرق وأبسطها وأسهلها فى توصيل المعلومة بطريقة مبتكرة يسيرة، والتي تعول على فهم هذه المعلومة واستنتاجها واستنباطها دون الاعتماد الكلى على الحفظ.

حيث أظهرت الأبحاث والدراسات العلمية والعملية مدى ذكاء الطفل المصرى ورقى عقليته حتى سن السادسة ، فإذا جاوز سن السادسة وبدأ أولى مراحل التعليم وهى المرحلة الابتدائية يبدأ مستوى ذكائه فى الانحدار بسبب صعوبة مناهج التعليم وعدم تكييف عقلية الطفل وطريقة تفكيره معها؛ فمثلا أكثر المناهج تعتمد على الحفظ على حساب الفهم والاستنباط والاستنتاج؛ فتصبح العقيلة غير مستوعبة لطرق الاستنباط والاستنتاج وربط المعطيات بالنتيجة والهدف .

وقد صرحت د.سامية أبو اليزيد أستاذ طرق التدريس والمناهج بجامعة طنطا :
"أن المناهج تحتوي على مواد رائعة، ولكن ينقص دور المعلم الذى يدرس هذه المناهج بطريقة صحيحة، والأخطر من ذلك أن الامتحان يعمل على جانب الحفظ أكثر من جانب التفكير ."
وأضافت أبو اليزيد:"تفعيل منظومة التعليم لا تتم على الوجه الأكمل فى المدرسة، بل نجد مراكز الدروس الخصوصية على مرئى ومسمع من الجميع ، على الرغم من ارتفاع أجر المعلم على حد قولها إلا أن الكثير من المعلمين لا يريدون العمل، وهذا جزء من فساد منظومة التعليم .

فالمعلم جل اعتماده على الدروس الخصوصية لجنى الكثير من الأموال، فلا بد من إصلاح كلى للمجتمع، وإصلاح وسائل الإعلام جزء من إصلاح منظومة المجتمع ، والغش نتيجة شبكة متصلة من الفساد المجتمعى والأخلاقى .
ودور الحكومة فى تقدم التعليم : هو العامل الأساسى؛ وذلك باتخاذ قرارت مناسبة، فهى صاحبة القرار، وكما أن للمعلم دور خطير فهو الجزء الأسبق فى هذه المنظومة ".

من جانبه قال د.شعبان عبد العليم عضو لجنة التعليم بمجلس الشعب السابق :
"أن المناهج غير مترابطة وتعتمد اعتمادا أساسيا على الحفظ و (الحشو)، بعيدة كل البعد عن تطوير القدرة على التفكير والإبداع."

وإذا أردنا أن نتكلم بطريقة علمية يجب أن نضع أيدينا على أسباب تدهور التعليم فنجد أظهرها :
انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية ، وهى مشكلة عميقة لا بد لها من حلول جدزرية، فنجد المعلم لا يشرح بنفس الكفاءة والتوضيح والتفصيل فى الفصل كما يفعل فى الدرس، ويوجد بعض الطلاب لا يقدرون على ماديا على متطلبات الدروس الخصوصية، فيكتفى بما يشرح له فى المدرسة فيصير المقرر مشوها بالنسبة للطالب، ويصير الطالب غير مستوعب المقرر استيعابا كافيا .

وأضاف عبد العليم :"سبب الدروس الخصوصية هو أن المدرسة الآن لم تعد مكانا للتعليم، بل أصبحت منطقة طرد، والطالب الآن يلجأ للدروس الخصوصية حيث إنها تعلمه وتعرفه طريقة الامتحانات وكيفية حلها ".
واستطرد قائلا: "ومن طرق حل هذه المشكلة :
تغيير المناهج بطريقة سليمة، وإعادة تأهيل المدارس وأنظمة التقويم لتصبح أنظمة متقدمة".
وبالتطرق لنتائج تدهور التعليم فى مصر :
نجد أن أولى هذه النتائج وأهمها بالذكر :
ضياع هيبة المعلم واحترامه أمام التلاميذ؛ فأصبح احترام الطالب للمعلم ليس واقعا نراه بل ماضيا نستذكره وخلقا نترحم عليه .

وأوضح عبد العليم أن :
"هذه الظاهرة مرتبطة بأن المدارس لم يعد لها مكانها الرائد الذى كان قبل ذلك؛ فليست هى المكان الذى يستمد الطالب منه العلم، وصار يبحث عن التعليم خارج المدرسة عن طريق الدروس الخصوصية، وينبغى أن ننبه إلى عمليات التشوية التى قامت بها وسائل الإعلام، والتى نالت من صورة المعلم بدرجة كبيرة ."

ومما ينبغى ذكره أن من مظاهر تدهور التعليم فى مصر :
1- كره الطالب للمدرسة حتى وإن كان متفوقا؛ حيث لا يجد حاجته النافعة لدراسته؛ فيفضل الاعتماد على ما يدرسه ويحصله فى دروسه، ويعتزل المدرسة راجيا استخدام أوقاتها فى المذاكرة أو النوم بعد سهر عميق على الكتاب ليلا .

2- انتشار الغش وإن كان مرضا استشرى فى منظومة التعليم وليس المسئول عنه الطالب فقط، بل من يعاونه من المعلمين الذى كان أولى بهم أن يكونوا قدوة ومثلا أعلى له .
تنتشر ظاهرة الغش انتشارا واسعا له آثار سلبية بعيدة المدى تخرج لنا جيلا لا يعرف معنى المسئولية، دائم العيش، عالة على غيره .

والغش ظاهرة سلوكية ترتبط بأخلاق وسلوك المجتمع؛ وبالتالى هذا السلوك يتم معالجته عن طريق التربية وتوجيه السلوك داخل المدراس، بالإضافة إلى التوجيه الإعلامى عن طريق القنوات الفضائية من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات.

وحول التعليم الثانوى فى الدول المنحدرة والمتأخرة عمليا، نجد أن نظام الثانوية العامة كابوس الآباء قبل الأبناء؛ حيث إنه يتوقف عليها مستقبل الطالب؛ فبعدما ينتهى من امتحان الشهادة الثانوية يجلس مترقبا يتعرق خوفا وقلقا من نتيجة الثانوية العامة، ها هو بعد النتيجة يكون إما فرحا ومسرورا بمجموعه العالى، أو حزينا كئيبا بسبب مجموعه المنخفض، راجيا ربه ألا تكسر ذراعه متمنيا أقصى العقاب طرده من المنزل لفترة وجيزة .

وفى كلا الحالتين ينتظم الطالب فى التعليم الجامعى ظنا منه أنه صار رجلا له كيانه فى المجتمع ؛ فيهدم بسوء معاملة أساتذته الجامعيين له، فيكره التعليم الجامعى فيصير كثير الشكوى، دائم الاكتئاب، يضع عن عاتقه هم التعليم الجامعى، عاقدا العزم على بقائه فى الجامعة ست أو سبع سنوات حتى يتخرج .

و أكد عبد العليم أن :
نظام السنة الواحدة أدى إلى زيادة أعباء الدروس الخصوصية، وزيادة القلق والتوتر عند الطالب .
لكن الأفضل فى السنوات المقبلة أن يؤخذ بالتقويم الشامل (التقويم المستمر)، ولكن المشكلة تكمن فى كون المعلم غير مؤهل لهذا، لكن من الممكن تهيئة المناخ المناسب لتطبيق هذه الأنظمة .

وللحكومة دور هام، فينبغى أن توفر موارد جيدة للتعليم وتحسن مستوى المعلم ماديا ومعنويا، كما أن
الطالب هو عنصر أساسى فى العملية التعليمية؛ فينبغى إيجاد حلول ممكنة تمكنه من المواظبة على الحضور والانتظام، أما المعلم فينبغى أن يعلم ويتذكر أن التعليم رسالة سامية ينبغى تأديتها على الوجه الأكمل، لكن يجدر بالذكر أن التعليم حزمة متواصلة مع بعضها البعض، لا يجب فصل دور الحكومة عن دور المعلم والطالب حيث إنها متداخلة ومعقدة."

وأخيرا بالمقارنة فى الدول المتقدمة، نجد اهتماما عمليا بالمنظومة التعليمية، واهتماما بالغا بأساليب متطورة تواكب العصر تساير الوقت؛ حيث نجد التطبيق العملى والبحث العلمى نجد تفعيلا بالغا لمعنى تراكمية العلم .
فالتعليم هو رمانة الميزان، هو مرآة الشعوب؛ فتقدم التعليم وتطوره مقياس دال على تقدم الشعوب وتطورها .