احذر من تكفير المسلمين وأنت تسمع القرآن !!

  • 150

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

في ظل الروح الإيمانية والاجتهاد في العبادة من صلاة وصيام وقراءة للقرآن في شهر رمضان المبارك؛ يشتعل الحماس عند بعض الناس فإذا به كلما مرت عليه آية من آيات الإيمان والمؤمنين يُنزلها على نفسه، ويعجب بنفسه لأجل الحالة الإيمانية التي يعيشها الأخ في هذه الفترة، وإذا به أيضا وهو يسمع آيات النفاق والمنافقين والكفر والكافرين ينصرف ذهنه مباشرة إلى بعض المخالفين له من المسلمين.

وهذا يذكرني بالأستاذ سيد قطب ـ رحمه الله ـ لما كان يسبح في ظلال القرآن في واقع كان فيه من التجاوزات والظلم ما لا ينكره أحد ممن قرأ عن هذه الفترة (مع كونه ـ رحمه الله ـ كان أديبا يفتقر إلى العلم الشرعي) فإذا به يتفاعل مع الآيات ويُخرج أفكاره وتفسيره الشيق؛ إلا أنه تأثر بالحالة النفسية والخلفية العلمية بالنسبة له، فخرجت من ضغط الواقع فكرة المجتمع الجاهلي؛ والذي بنيت عليها بعد ذلك أفكار تكفير المجتمع وخرجت من رحمها جماعات التكفير والعنف، والتي أثرت على الدعوة تأثيرا بالغا نتلظى بناره إلى الآن والله المستعان.

ولا نتهم الأستاذ سيد ـ رحمه الله ـ بأنه كان يقصد ذلك، لكننا ينبغي أن نعرف أن سبب هذه الأفكار كانت عاطفة قوية وحب شديد لدينه مع قلة في العلم والاطلاع على علم السلف وتفسيرهم لكتاب الله بالقدر الكافي، وكما يفعل بعض شبابنا اليوم مثلا بمثل، شباب ثائر متحمس يحب دينه ولا يستطيع أحد أن يزايد عليه في ذلك، يتأثر بذلك مع قلة في العلم والتأصيل، فيقع في بوتقة تكفير المجتمع بدون أن يشعر:

رام نفعا فضر من غير قصد ** ومن البر ما يكون عقوقا

والتاريخ يعيد نفسه،،،،

في ظل الواقع الذي نعيشه الآن والذي لا شك أنه واقع أليم، يجعل الحليم حيرانا؛ إذ غاب سلطان العلم، وتكلم الكثير فيما لا يحسنه، وتجرأ الصغار على الكبار، وعمل مهول هدم رموز الأمة، وتصدر بعض الجهال والسفهاء، وفتن بعض الأفاضل والعلماء، وغابت نصوص الشريعة في التعامل مع الفتن، وقيل على الله بغير، واتبع كثير من الناس الهوى، وضل البعض وأضل بقصد أو بدون قصد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله أن يعصمنا وجميع المسلمين من هذه الفتن.

ومن جديد تنمو نابتة التكفير:

مع الإعلام الذي يشعل حماس شباب التيار الإسلامي خاصة، والذي يصور لهذا الشباب المتحمس أن التيار الإسلامي هو الإسلام، وأن الذي يحاربه يحارب الإسلام وهو عدو الله ورسوله والمؤمنين، مع ما وقع فيه أبناء التيار الإسلامي من أخطاء وطوام وصد عن سبيل الله وتنفير الناس من دين الله بأخلاق قطعا لا يرضى عنها الله سبحانه وتعالى.

وعلى خطا الشيعة الخوارج: يسير بعض من يتحدث في هذا الإعلام إذ يُحوّل الخلاف من خلاف سياسي إلى خلاف في العقيدة، تماما كما حدث في عهد الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ من الشيعة والخوارج، فالشيعة كفروا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اختلفوا مع علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ، والخوارج كانوا من أنصار علي ـ رضي الله عنه ـ ثم بعد ذلك كفروه لما وافق على التحكيم بينه وبين معاوية ـ رضي الله عنه ـ، مع أن الصحابة قاتل بعضهم بعضا دون أن يكفر أحد منهم أخاه، بل أكثر من ذلك فقد أثنى كل واحد منهم على أخيه ودعا له.

ويتأثر الشباب بما يرونه على هذه القنوات من مشاهد مؤلمة تؤثر في أي إنسان له قلب، وبناء على هذا التأثر تجد الشباب قسمين:

1- قسم يسير على خطا الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ: فلا يكفر إخوانه، ويدعو لهم، ويقر لهم بالفضل، ويعذرهم في اجتهادهم، وينصح لهم، ويصلح بين المتخاصمين، أو يعتزل الفتنة ولا يتحدث فيما لا علم به ويسلم لسانه ويده من أعراض الناس ودمائهم، مع السير في طريق العلم والدعوة إلى الله حتى تنجلي الغمة.
وكأني الآن بأحد هؤلا الشباب المتحمس يزجرني وينهرني قائلا: أتقارن بين خصمي وبين معاوية رضي الله عنه؟!! والرد: أنك أخي لست عليّا، ولا يخفى عليك أن أهل السنة يعتقدون أن عليا أفضل من معاوية وأولى بالحق منه، مع معرفة فضل معاوية رضي الله عن الجميع.

2- قسم يسير على خطا الشيعة والخوارج: فإما أن يكفر كل من يختلف مع من يشايعوه، وإما أن ينقلب على المجتمع بأسره فيكفر كل من خالفه وكل من رأى منه أنه ارتكب معصيبة، والاستدلالات جاهزة من كتاب الله بدون فهم أو علم بتفسيره أو قواعد للاستدلال، ويحصل جراء ذلك من الفتن ما لا يعلمه إلا الله.

وهنا يثور سؤال ينبغي مناقشته وهو:

كيف نتعامل مع آيات الكفر والنفاق؟

وأجيب عليه في نقاط:

أولا: احذر أن توقعها وتطبقها على المسلمين المخالفين لك.

ثانيا: يجب أن تحذر وتخاف على نفسك من النفاق: قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه علي إيمان جبريل وميكائيل" فتوقع هذه الآيات على نفسك فتحذر من الوقوع فيما وقع فيه المنافقون.

ثالثا: لابد من التفريق بين النفاق العملي والنفاق الاعتقادي: فمن ارتكب فعلا من أفعال النفاق العملي لا يمكن إطلاق لفظ النفاق عليه، كمن كذب أو أخلف وعدا أو خان الأمانة، لأن هذه من كبائر الذنوب لكنها لا تخرج المرء من ملة الإسلام.

أما النفاق الاعتقادي فهو أن يبطن الإنسان الكفر ويظهر الإسلام، فهذا لا يستطيع أحد كشفه إلا إذا أظهر صاحبه الكفر، لأننا لا نستطيع أن نشق عما في صدور الناس ولا أن نعرف مافي قلوبهم، ونحن مأمورون بأن نقبل ظواهرهم وأن نكل سرائرهم إلى الله.

وبعد: فإذا مررت على آيات النفاق والكفر في كتاب الله تعالى فتذكر ما يلي:

1- من ثبت إسلامه بيقين لا يخرج منه إلا بيقين.

2- يثبت حكم الإسلام بالولادة لأبوين مسلمين أو لأحدهما ولو كان الآخر كافراً، ويثبت كذلك بالنطق بالشهادتين.

3- إذا احتمل الإنسان الكفر من تسعة وتسعين وجها واحتمل الإيمان من وجه واحد؛ فاحمل أمره على الإيمان.

4- قال الطحاوى ـ رحمه الله ـ: "ولا نكفر احدا من اهل القبلة بذنب ما لم يستحلة".

5- هناك فرق بين النفاق العملي الذي من ارتكبه فأمره إلى الله إن شاء عاقبه، ولا يخلد صاحبه في النار، وبين النفاق الاعتقادي الذي صاحبه في الدرك الأسفل من النار.

6- قد يفعل الإنسان الكفر ولا نُكفّره.

7- الحكم على أحد بالكفر لا يكون إلا بعد إقامة الحجة عليه بشروطها.

8- رسالة الإسلام رحمة للعالمين، فنحن مأمورون ان ندعوا الكافرين الى الاسلام لا أن نكفّر المسلمين.

9- لا تفسر القرآن بهواك ورأيك بدون علم، وتعلم قبل أن أن تتكلم، قالكلام بالهوى ضلال مبين وفساد عريض، والهوى هو الحماس والعاطفة بدون ضوابط الشريعة.

10- لا بد من دراسة قضايا الإيمان والكفر ومعرفة شبهات الذين يكفرون المسلمين والرد عليها.

11- احترم العلماء واعرف قدرهم، وإذا اختلفت مع أحدهم فلا تتجاوز حدود الأدب، ولا تنسى أنهم بشر غير معصومين ويصيبون ويخطئون.

12- احذر بدعة: (اعتبار قول العالم دليلا). فقول العالم وموقفه يستدل له ولا يستدل به، وقال الإمام أبو حنيفة "لا يحل لمن لم يعلم دليلي أن يفتي بكلامي" فكيف تعتبر كلام من دون العلماء دليلا؟! أم كيف تعتبر فهمك للآيات وتفسيرك لها من عند نفسك دليلا؟!

13-لابد من دراسة أدب الخلاف، ومعرفة كيفية التعامل مع المخالفين من المسلمين، وإياك ومبدأ: من ليس معي فهو عدوي.

14- إياك أن تُنزل الآيات التي تتحدث عن الكفر والنفاق على المخالفين لك من المسلمين.

15- هناك فرق بين الداعية والحاكم، فالداعية يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والحاكم له سلطان يزع الله به ما لا يزع بالقرآن.

أما بعد:

فهذه إطلالة سريعة، أسأل الله أن تكون خالصة لوجهه وأن ينفعني وإخواني بها، نصحني أحد إخواني جزاه الله خيرا بالتنبيه عليها؛ لخطرها الشديد ولتفشيها بين شباب محب لدينه، لم يأخذ حظه من التعلم لقضايا تمس الحاجة إلى تعلمها وتعليمها.
وأسأل الله أن يعصمنا وجميع المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح ذات بين المسلمين وأن يؤلف بين قلوبهم.