وصايا طبية رمضانية في غاية الأهمية

  • 110

والله ما أكتب هذا الكلام إلا خشية من أن يحاسبني الله عن معرفتي بشيء وكتمانه، وشفقة بالأطفال وأمهاتهن، فقد رأيت أمورا أفزعتني.

أولا: الأم المرضع؛ هل تصوم أم تفطر؟

من المتقرر في الشريعة أن مسألة جواز إفطار الأم المرضع، من مسائل الخلاف السائغ من ناحية الأدلة الفقهية، لكن لو أضفنا إلى ذلك رأي المتخصصين من الأطباء، وهو رأي لا تغفله الشريعة في مثل هذه الأمور، فإنني أرى -والله أعلم- بعد بحث المسألة من الناحية الشرعية، وبحثها من الناحية الطبية، أن الأفضل للأم المرضع أن تفطر، إلحاقا بكبير السن الضعيف عن الصيام، لاسيما مع مجيء رمضان هذا العام في مثل ذلك الجو الحار.

فليس القرار متعلقا بالأم وحدها، وإنما تضر بطفلها، لأن قدرة الأم على الرضاعة ترتبط ارتباطا وثيقا بنسبة السوائل بجسمها، أكثر من مسألة الغذاء.

ووالله لقد جاءني بالعيادة أطفالًا أمهاتهن تصمن، أشكالهم أقرب ما تكون لأطفال المجاعات، وأحوال الأم الصحية متردية؛ لأنها مع الانشغال بأعمال المنزل في رمضان لا يكون لديها من القدرة الفكرية، أو الجسدية ما يجعلها تقوم برعاية طفلها جيدا.

والمشكلة أن كثير من أطفالنا في مصر يعانون من سوء التغذية؛ بسبب الممارسات الغذائية الخاطئة، ومثل هؤلاء الأطفال يتأثرن كثيرا بصيام الأم.

ولا ينبغي للأم أن تستحيي من فطرها، لأن الله رخص لها، ويحب سبحانه أن تؤتى رخصه، كما تؤتى عزائمه.

ولولا ضيق المقام لفصلت أكثر في تأصيلات الأمر الشرعية والطبية.

ثانيا: الأمهات والتراويح.

بعض الأمهات لكي تصلي التراويح بالمسجد؛ تترك طفلها الرضيع -سيما قبل ستة أشهر-مع جدته أو غيرها، فتضطر الجدة لإطعامه زبادي ونحوها؛ فيصاب الطفل بنزلة معوية حادة.

وسبحان الله، لم يفرض الله على الأم الصلاة بالمسجد، وليست صلاة التراويح فرضًا أصلا، ولا شك أن رعاية طفلها أهم من صلاة التراويح شرعا؛ لو حصل التعارض.

ولا خلاف أنه لن يتحمل الطفل، ويقوم برعايته أحد أكثر من أمه؛ مهما كان يحبه، فما المانع أن تصلي الأم القيام ببيتها لما ينام صغيرها، أو تصلي وهي تحمل صغيرها، وإن لم تتمكن من صلاة التراويح ليلا تقضيها نهارا، وإن لم تتمكن من صلاة التراويح ليلا أو نهارا -واستفرغت وسعها-ولم تتمكن؛ يُكتب الله لها الأجر إن شاء الله؛ لكن للأسف بعض الأمهات تفكر في الحل الأسهل دوما.

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية، تمنع من إطعام الطفل أي شيء غير لبن أمه قبل ستة أشهر، ووجدوا أن كثير من الأمراض المزمنة التي يصاب بها الطفل بعد ذلك ترتبط بالإطعام قبل ستة أشهر، بل إن 90% من حالات النزلات المعوية، التي تأتيني شخصيًا يكون سببها الإطعام المبكر.

وجاءتني بالعيادة أم طفلها لم يتجاوز ثلاثة أشهر، ومصاب بنزلة معوية حادة، وأوشك على الدخول في تجفاف؛ لأنها تصوم ولا تتمكن من إرضاعه جيدا نهارا، ثم تتركه ليلا لجدته؛ لتتمكن من صلاة التراويح، فتطعمه جدته الزبادي -وهي ممنوعة قبل عمر سنة أصلا، طبقا لتوصية الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال والأكاديمية الأمريكية للتغذية-.

ثالثا: صوم الأطفال.

مما تعم به البلوى أيضا إلزام الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم -أقل 12-13 سنة في الغالب-بصيام اليوم كاملا، بل ومعايرة من لم يتم صوم اليوم، وورد أن الصحابة كانوا يدربون الأطفال على صوم بعض اليوم، لكن لم يرد أنهم كانوا يلزمونهم بما لم يلزمهم به الله.

لقد رأيت في أول أيام رمضان طفلة مريضة بمرض مزمن، والدواء الذي تتناوله يزيد من شهيتها أصلا، ويزيدها عطشا، بل قد يتسبب العطش في إصابتها بزيادة كثافة الدم، مما قد يتسبب في إصابتها بجلطة، وأصر أهلها على صيامها اليوم كاملا، ولم تتجاوز من العمر تسع سنوات، فهل يُرضي الله صوم مثل هذه الطفلة؟ أليس من جهل البعض أن يقول لهم ألزموها بالصوم لتتعود عليه، لو أصيبت بجلطة، مَنْ يحمل إثمها؟

وطفل أخر لا يتجاوز 8 سنوات، مصاب بالديدان في معدته وفقر دم، ويصر أهله على تصويمه اليوم كاملا، لأن جدته عيرته بفطره، وصوم من هم أصغر منه.

رابعًا: رسالة إلى الدعاة وأهل الفتوى.

أهيب بالإخوة الأفاضل، المتصدرين للدعوة والإفتاء، الذين أعتقد أن قلامة ظفر الواحد منهم خير من ملئ الأرض من أمثالي، ألا يلزموا الناس بما لم يلزمهم به الله، وألا يحملوا الناس على العزيمة، وقد أحب الله لهم أن يأتوا الرخصة، وأن يراعوا الأبعاد التي ذكرت وهم يفتون الناس، وهم أعلم مني بضرورة مراعاتها، على الأقل يأخذون رأي المتخصصين من الأطباء لكل حالة منفردة؛ لأن لكل حالة ظروفها الصحية.

خامسا: شبهة والجواب عليها.

البعض يقول: هذه طاعة والصوم عبادة والعبادة لا تأتي بشر، وهذا لن يضره إن شاء الله.

وهنا لا أملك إلا أن أقول: استقيموا يرحمكم الله، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن أفتوا الصحابي بوجوب الاغتسال من الجنابة، ورأسه مجروح؛ فمات: " قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ - أَوْ يَعْصِبَ - َعلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ "[أخرجه أبو داود: 336، وقال الألباني، حسن دون قوله إنما كان يكفيه]، فمن يحمل إثم إلحاق الضرر ببعض الأمهات أو الأطفال؟

وأُذَكِر الجميع بهذا الحديث.

"مَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ، وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ" [أخرجه أبو داود: 3657، وقال الألباني: حسن]، وفي رواية: " مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبَتٍ، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ " [أخرجه ابن ماجه:53، وقال الألباني: حسن].

سادسا: ملحوظة أخيرة.

الإخوة والأخوات الذين سيتركون كل هذه الحقائق، ويقولون: "دا راجل متميع" "دا علماني بيحارب القيام والصيام" "دا بيقول كلام شبه العلمانيين" "دا جاهل أصلا، هو دكتور ماله ومال الحلال والحرام" أرجو منهم مشكورين أن يوفروا تعليقاتهم لأنفسهم، ويرحمونا من ضيق أفقهم، ووالله لولا خوفي من {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]، لما تكلمت.

وفي الختام: أرجو نشر هذا الكلام، وتعميمه وإيصاله لمن يخصهم.