عاجل

"الوحشية" بدار الأيتام تفجر غضب المصريين.. فئة تتطلب معاملة خاصة فمن لهم؟

  • 105
جانب من تعذيب الأيتام بدار مكة

ومصطفى حجاج

المجتمع في نظرته لليتيم بين من يسيئون التعامل معه ومن يرون ضرورة تقديم يد العون

عبد المعبود: المنظومة تحتاج إلى مراجعة بالكلية

تنتشر ظاهرة تعذيب الأطفال في دور الأيتام في مصر، إلا أنه قلما ما يلقي الضوء عليها في وسائل الإعلام؛ فقد أثار نشر مقاطع فيديو لمدير دار الأيتام في مصر يظهر فيه وهو يضرب الأطفال ويعذبهم بسبب مشاهدتهم التلفاز دون علمه، موجة من الغضب على الصعيدين السياسي والاجتماعي.

زيارة "الفتح" لدار رعاية الأيتام التي قمنا بها لاستطلاع الدور الذي يلعبه المركز في رعاية الأيتام، كشفت لنا الكثير والكثير عن هذا المكان ما بين تهميش المسئولين والمجتمع لهؤلاء الأيتام , وبين ما يعانونه من المعاملة السيئة وعدم وجود جديد في حياتهم ؛ وتحدثنا مع الأخصائية الاجتماعية بالدار هدي محمد حسن، والمسئولة بالعلاقات العامة عبير مصطفي، في أمور عدة تشمل العديد من النواحي سواء النظرية أو العملية , والأهم النواحي العملية والتطبيقية لما هو موجود بالناحية النظرية؛ فتحدثنا أولا عما شاهده الجميع خلال الأيام السابقة من التهكم والمعاملة الوحشية في التعامل مع الأيتام من حديثي السن بدار أيتام "مكة المكرمة" وما أثاره هذا الفيديو علي مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام عامة , وأدمي قلوب المصريين والمسئولين علي ما قام به هذا المتجني تجاه هؤلاء الأطفال، ليس لذنب فعلوه ولا لجريمة قاموا بها إلا بسبب فتحهم التلفزيون بالدار .

فجاء ردها: هناك مواقف كثيرة أشعر فيها بالدمعة أنها لا محال ستنزل، لكن أتذكر أن دوري الحقيقي كأخصائية اجتماعية هي المساعدة وتقديم يد العون، وليست من أدواري الشفقة والحنان، مواقف تتطلب رباطة وقوة تحمل.

لا ينكر أحد أن ما حدث بدار "مكة المكرمة" من حالات تعد بالضرب والإهانة، بل يراها البعض حالات تعذيب لأطفال ليس لهم مأوي ولا عائل بسبب ظروفهم الاجتماعية، ليس له أي مبرر مهما حدث من هؤء الأطفال فأنا علي المستوي الشخصي أتخيل شعورك وأنت جالس تلاحظ عليهم يركض من خلفك طفل يتيم فجأة ليضمك بأقوى ما لديه ويصرخ ثم ينظر إلى عينيك ويقول حسبتك أمنا، تخيل شعورك تستمع من فتاة جميلة جدا تبلغ من العمر 13 سنة تتخيل أن لديها أسرة ولديها إخوة وأنهم عايشين بسعادة في منطقة كذا، والحقيقة أنها تعلم أنها مجهولة الأبوين أمور تدمي القلوب.

برنامج الأسرة الصديقة
وهو برنامج يهدف إلى تعويض الأطفال الأيتام الذين لم تسنح الفرصة لاحتضانهم بأن يسلموا للأسر الراغبة في رعايتهم رعاية جزئية، وفق نظام تقوم بموجبه إحدى الأسر الطبيعية في المجتمع بالارتباط بواحد أو أكثر من الأطفال الأيتام المقيمين في إحدى الدور الاجتماعية الإيوائية التابعة للشئون الاجتماعية؛ بهدف استضافته لديها خلال فترة محددة مثل فترة الإجازات ( الأعياد أو نهاية الأسبوع أو الإجازة الصيفية)، ثم يعاد الطفل بعد انتهاء الإجازة أو الفترة المحددة إلى الدار أو المؤسسة التي يقيم فيها.

دور الحضانة الاجتماعية
وتعد أولى مراحل رعاية الأيتام، ودور الحضانة الاجتماعية مؤسسات اجتماعية تابعة للشئون الاجتماعية، وتهدف إلى تقديم الرعاية الشاملة للأطفال الصغار من الأيتام ومن ذوي الظروف الخاصة مجهولي الأبوين ممن لا تتوفر لهم الرعاية السليمة في الأسرة أو المجتمع الطبيعي.

إدارة التتبع الاجتماعي

وتعمل لمتابعة أحوال الأيتام داخل الدور والمؤسسات الاجتماعية، وكذلك الأطفال الأيتام المحتضنين لدى الأسر البديلة وفق نظام تتبعي شامل للاطمئنان على حسن رعايتهم وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة، وتتواصل جهودها في متابعة الطلاب والطالبات بمدارسهم والعمل لحل ما يعترضهم من مشكلات تحول دون تحصيلهم العلمي بشكل جيد، وتختص بمتابعة الأيتام ومن في حكمهم من ذوي الظروف الخاصة حتى سن الـ18، حيث تتم عملية المتابعة بعد هذه السن من قبل الإدارة العامة للرعاية اللاحقة.

ويقع تصنيف الطفل اليتيم ضمن فئة "ذوى الاحتياجات الخاصة" بالمعنى الأعم والأشمل للكلمة التى درج على استخدامها فى الإشارة للأطفال المعاقين فقط ، ولكنها.

وبالتالى فالوصف ينطبق تمامًا على الأيتام الذين يتم إيداعهم فى دور للرعاية أو ما يطلق عليها "دور الأيتام"، وتبعًا للشروط الخاصة التى تفرضها الحياة فى دور الأيتام نجد للأطفال الأيتام خصوصية، ويصبح تساؤلنا هنا: لماذا يعتبر الطفل اليتيم من ذوى الاحتياجات الخاصة؟ بسبب غياب الأم والأب رمز الحماية والحب والرعاية، وغياب الجو الأسرى فى التنشئة الاجتماعية للطفل، وتدخل عدد كبير من المؤسسات والهيئات والأشخاص فى تربية الطفل ، والتغير الدائم فى صناع القرار بالنسبة له , وانشطار المجتمع فى نظرته لليتيم بين من يسيؤن التعامل معه عن سوء فهم أو أفكار مغلوطة سواء دينية أو اجتماعية ، وبين من يرون ضرورة تقديم يد العون للطفل اليتيم ، ولكنهم يجهلون الطريقة المثلى لذلك؛ فنقع بين طرفين يصدر عنهما تصرفات عشوائية تؤثر على الطفل وتترك ترسيبات نفسية قد تشكل مستقبله ، وعدم وجود نظم ثابتة وإشراف علمى منظم ودقيق يوضح النموذج الأمثل للتعامل مع هذه الفئة، فيدرس احتياجاتها ويحدد طريقة التعامل معها ، فيكون الاجتهاد دون فهم التكوينة الأساسية فى أغلب الأحيان.

وقالت عبير مصطفي مسئولة العلاقات العامة، إكرام اليتيم وكفالته لا تعني الكفالة المادية فقط، وإنما أيضًا كيف نؤهله ونرعاه ثقافيًا واجتماعيًا ونفسيًا وعلميًا، وفي كل المجالات، ونتمنى أن نتمكن من تحويل اليتم بداية للإصرار على العمل والنجاح في الحياة وفي المجتمع، وأسوتنا في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يتيمًا ومع ذلك صنع البطولات والمنجزات وكان متميزًا في كل الجوانب رغم يتمه، وهناك في التاريخ من الأمثلة والشواهد على ذلك الكثير فقال الله عز وجل: ( فأما اليتيم فلا تقهر)؛ فالإحسان إلى اليتيم خلق إسلامي رفيع حثنا الإسلام عليه وندبنا إليه , بل جعله من أفضل الأعمال، ولقد أكد القرآن الكريم حقيقة الإحسان إلى اليتيم, وعدم الاعتداء على ماله , قال تعالى: ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

تجولنا في مقر الدار وهي تشرح غرف الأنشطة ما بين غرف للأنشطة الرياضية والألعاب، وغرف لتعليم فنون الحاسب الآلي والأنشطة الفنية والحرف اليدوية، حتي وصلنا لصاله وجود الأطفال؛ شعور غريب تراه وقت دخولك علي هؤلاء الأيتام تجد في نظراتهم لهفة علي أي زائر جديد لهم لم يكونوا شاهدوه من قبل! شعور غريب وقت أن جاءوا إلينا مسرعين ما بين من يشاهدك ليتعرف من هو هذا الشخص الجديد علي المكان، وبين من يسرع لتقديم يديه للسلام عليك , وبسئوال الطفل الأول الذي قدم يده لمصافحتي كان اسمه "مروان علي" يبلغ من العمر خمسة أعوام، يقول لي: "إنت جيلنا إحنا؟ فقلت له: نعم، إنت أخبارك إيه؟ وعامل إيه مع إخواتك هنا؟ واتعلمت إيه؟ والمعلمة كويسة معاكم ولا؟ قال: إحنا حلوين وبنلعب كورة، بس المعلمة مش عاوزة تلعبني علي الكمبيوتر خليها يا عمو تلعبني.

بينما الطفلة "هاجر محمود" في السادسة من العمر، لكنك من كلامها تشعر أنها كبيرة تقول لي: "إحنا عاوزينك تجلنا لأن محدش بيجي يزورنا، طيب: المعلمة عاملة معاكم إيه؟ بتعلم إيه وحفظتك إيه؟ قالت: لو جاوبنا علي الأسئلة بيدونا بسكوت وحلاوة، ولو حد مجاوبش بيضربونا".

لحظات فقط مع هؤلاء الأطفال قد تتغير أشياء كثيرة لديك عن هذا المجتمع بكل ما فيه من صراعات مجتمعية وطبقية وسياسية الذي لا ينظر لمثل هؤلاء، بل لا يضعهم في الاعتبار ولا يقوم بالمسئولية الملقاة علي عاتقه , إن هذا النوع من الإهمال المجتمعي والوحشية في التعامل داخل هذه الجمعيات مع هؤلاء الأيتام وعدم المراقبة في كيفية التعامل يؤدي إلي التهرب من هذه الجمعيات، وتشريد الأطفال بالشوارع؛ لينفجر بهم المجتمع بعد أوقات قليلة من انتشارهم بالطرقات وعلي الأرصفة؛ فالبعض يستغلهم في أعمال التسول، والبعض الآخر يزج بهم في الصراعات الداخلية أو استغلالهم استغلالا غير أخلاقي؛ فما هو الحل؟ وما هي الوسائل التي تتخذها الحكومة للحد من هذه الظاهرة التي تدمر هذا الجيل وتدمر المجتمع؟

ومن جانبه، صرح المهندس صلاح عبد المعبود، عضو الهيئة العليا لحزب النور، أنه من الملاحظ أن الجهات المعنية برعاية دورالأيتام لم تتحرك إلا بعد وصل بلاغ بما وقع من اعتداء على الأطفال بدار "مكة المكرمة لرعاية الأيتام"، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على انعدام الرقابة على مثل هذه الدور، مضيفًا أنه رغم ذلك لعله يكون سببًا فى تشديد وزارة التضامن الرقابة على جمعيات دور الأيتام وإعطائها الرعاية الكاملة، وخاصة بعد اعتراف الوزيرة خلال المؤتمر الصحفى الذى عقدته، بوجود تقصير وعدم الإتيان بمبررات مصطنعة.

وعلق عبد المعبود على توعد الوزيرة بمعاقبة المقصرين وقولها : "إن المنظومة تحتاج إلى مراجعة بالكلية"، حيث أفاد أنه لا بد من وضع ضمانات حتى لا يتكرر ما حدث.

وأوضح عبد المعبود أنه لا بد من توفير كوادر شبابية مدربة لمتابعة دور الأيتام والقيام بالدور المنوط بها.

وأكد عبد المعبود أن الإسلام حض على الإحسان للأيتام، وحسن رعايتهم وكفالتهم مصداقًا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَلِيلًا".