عاجل

إفريقيا ساحة التنافس الجديدة للصين وأمريكا

  • 57

تقرير العدد الورقي

إفريقيا ساحة التنافس الجديدة للصين وأمريكا

بكين تغرق عواصم القارة بالدوين.. وتصف واشنطن بأنها أكبر مهدد للتنمية والأمن

أمريكا ترفض التراجع وتزيد من قوتها الاستراتيجية والسياسية

تقرير- شريف ربيع

طفت على السطح منذ سنوات حالة تنافس شديد بين الصين وأمريكا على مختلف الأصعدة سياسية واقتصادية وعسكرية وغير ذلك، وفي العديد من المناطق والبلدان، ولا تخفي الولايات المتحدة الأمريكية قلقها من تنامي وصعود قوة الصين الكبيرة على المستويات كافة، ويتمثل هذا القلق في مناوشات سياسية وعقوبات اقتصادية ومحاولات للوجود الأمريكي في أي أرض تطؤها الصين، كان آخرها قارتنا السمراء.

فعلى سبيل المثال عقب إعلان انعقاد مؤتمر التعاون الصيني الأفريقي "فوكاك" بأيام قليلة في داكار العاصمة السنغالية في دورته الثامنة يومي 29 و30 من شهر نوفمبر الماضي؛ أعلنت واشنطن عن تنظيم الدورة الثانية من القمة الأمريكية الأفريقية، وذلك خلال الزيارة الأولى لأنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي لقارة أفريقيا شملت ثلاث دول هي: (السنغال، وكينيا، ونيجيريا)، وتعهد للسنغال خلالها باستثمارات أمريكية قيمتها مليار دولار أمريكي!

الطريف في الأمر أن الفندق الذي أقام فيه بلينكن هو نفس الفندق الذي استضاف آنذاك اجتماعًا لمجموعة الأعمال الصينية الكينية، إضافة إلى أن الصين تعد أحد أكبر المقرضين الثنائيين لنيجيريا من خلال الاستثمار في بنيتها التحتية.. تلك التصرفات من الجانبين تشير إلى تنامي التنافس بينهما ووصوله إلى الساحة الأفريقية، في الوقت الذي ينظر فيه "جو بايدن" الرئيس الأمريكي إلى بكين على أنها التحدي الأكبر لبلاده في القرن الحادي والعشرين، بينما ينظر "شي جين بينغ" الرئيس الصيني إلى واشنطن على أنها أكبر مهدد للتنمية والأمن في بلاده.

حرص بلينكن خلال زيارته لأفريقيا على توجيه انتقادات غير مباشرة للاستثمارات الصينية في البنبة التحتية لدول القارة، وإلقاء الضوء على دورها في إثقال كاهل الدول الأفريقية بالديون فيما أَطلق عليه "فخ الديون" تلميحًا لا تصريحًا، وهي التلميحات التي رد عليها جيفري أونياما وزير خارجية نيجيريا بأن الدين الصيني بلغ نحو 3.121 مليار دولار، بنسبة 3.94٪ من إجمالي رصيد الدين العام لنيجيريا اعتبارًا من شهر مارس العام الماضي، وأكد –في مغازلة سياسية لبكين- أنها نسبة يُمكن لاقتصاد بلاده تحملها.

هذا بالإضافة إلى أن الاستثمارات الصينية بلغت نسبتها 30% من الدين العام الخارجي لإثيوبيا، و90% من ديونها الثنائية الجديدة منذ عام 2015م، وتواجه جيبوتي –التي تستضيف أول قاعدة عسكرية صينية في الخارج- مخاطر كبيرة من الديون المحتملة نتيجة الانخراط في مشروعات البنية التحتية ضمن إطار مبادرة "الحزام والطريق".

ووقع بلينكن مع نظيره النيجيري على برنامج مساعدات تنموية قيمتها 2.17 مليار دولار؛ ما يشير إلى بداية انخراط أمريكا في المشروعات التنموية للقارة السمراء؛ وهذا الأمر وضع إخواننا الأفارقة أمام القبول بأحد الخيارين: الأول يمثله النموذج التنموي الصيني المُثقل بالديون، والثاني عبارة عن النموذج التنموي الأمريكي المشروط بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

استراتيجية الصين لأفريقيا

تدخل الصين إلى قارة أفريقيا باستراتيجية محددة ذات أهداف وأبعاد معينة؛ وهي إضعاف القوى الغربية لا سميا أمريكا، بطريقة تخلق وضعًا دوليًّا يلائم المصالح الصينية العالمية، بجانب أن بكين تريد أداء دور الناطق باسم الدول النامية، وتدعو إلى خلق بيئة تعددية وإعادة النظر في الاقتصاد العالمي الذي ترى أنه غير عادل وينهب حقوق الفقراء.

استراتيجية أمريكا في أفريقيا

يسعى الرئيس الأمريكي الحالي إلى التوغل في القارة السمراء وبدء انطلاقة جديدة من العلاقات الأمريكية الأفريقية، خصوصًا بعدما شهدت ولاية سلفه دونالد ترامب تراجعًا كبيرًا في علاقات أمريكا مع القارة؛ ما سمح لأطراف أخرى بالتوغل والانتشار داخل القارة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية.

وهذا ما أكدته زيارة بلينكن التي حملت عدة رسائل سياسية لدول القارة، وبعض القوى الدولية والإقليمية التي تسعى لتوطيد علاقاتها مع أفريقيا وعلى رأسها الصين، أهمها أن أمريكا ما زالت موجودة كقوة استراتيجية وسياسية كبيرة ورئيسة.

التنافس في كل مكان

من جهته، قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الصراع والتنافس الأمريكي يشمل كل مكان في العالم وليس قارة أفريقيا فقط، خاصة في ظل تنامي قوة الصين الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وتنظر واشنطن إلى بكين على أنها منافس قوي على الأصعدة كافة.

وأضاف "بيومي" في تصريح خاص لـ"الفتح" أن اقتصاد الصين اليوم ثاني أكبر اقتصاد عالميًا، وهي أكبر دولة مصدرة في العالم، وكذلك أكبر دولة مستوردة على مستوى العالم، ولا تكف عن مد علاقاتها واستثماراتها في العالم أجمع؛ لذلك تخشاها أمريكا.

وتابع: أنه ليست الصين وأمريكا فقط اللتان تتنافسان على أفريقيا، بل إن إسرائيل متوغلة داخل القارة كذلك؛ حتى إن السفير الإسرائيلي الأسبق أخبره ذات مرة أن بلاده تسيطر على الأمن الشخصي لبعض رؤساء أفريقيا!

الهدف الخفي للصراع والتنافس بينهما هو السيطرة على موارد القارة الغنية؛ فالصين وحدها تحصل على نسبة 9% من نفط أفريقيا جنوب الصحراء، في حين تحصل أوروبا على نسبة 30% منه، ومن هنا تسعى الصين وأمريكا أيضًا إلى الاستفادة من القارة وتحقيق مكاسب أعلى وأكثر.