عاجل

بدعم ميليشيات الحرس الثوري.. كيف حوَّل الحوثيون ملعب الثورة اليمني إلى ثكنة عسكرية؟

  • 92
ملعب الثورة اليمني قبل استخدامه في الصراع

"حيُّوا اليماني حيُّوه".. كانت هذه العبارة تنطلق كثيرًا بحماسة من أفواه آلاف المشاهدين المحتشدين بـ"ملعب الثورة" حينما كان اليمن سعيدًا، أَمَا وقد بات تعيسًا الآن فبدلًا من ذلك تنطلق القذائف من فوَّهات المدافع هنا وهناك؛ لتستقرَّ في قلب وجسد الأمة العربية والإسلامية!

ومنذ أيام قلائل تحول الملعب الذي كان أكبر استاد رياضي في "مدينة الثورة الرياضية" بحي الجراف في شمال صنعاء، وكان نابضًا بالحياة إلى ما يشبه صمت القبور؛ بعد قصف قوات التحالف العربي له وتدمير ما به من سلاح، وذلك بعدما أنذرت قوات الحوثيين وأعطته مهلة (6) ساعات لإخراج السلاح منه.

ولمليشيات الحوثي المدعومة من إيران خبرة كبيرة في تحويل المنشآت والبنى التحتية إلى ثكنات عساكر ومخازن للذخيرة والسلاح، واستغلالها لأغراض قتالية وعسكرية، لا سيما المنشآت الرياضية التي توفر لها مساحات كبيرة.

تحوُّل أكبر استاد رياضي في قلب العاصمة اليمنية صنعاء بملاعبه الخضراء الواسعة إلى ثكنة عسكرية يعد إحدى صور الإخفاق السياسي اليمني وتوالي نخب غير قادرة على إدارة البلاد حتى الآن، وصورة من صور الحشد الطائفي لاستغلال شعب طيب بفطرته في أتون حرب مزعومة للأخذ بـ"ثارات الحسين"؛ ما يلقي بظلاله على ظروف حياتية قاسية يعيشها إخواننا اليمنيون خلال تلك الحرب.

ملعب الثورة

أنشئ في عام 1986م في عهد الرئيس الراحل على عبد الله صالح، وكان يتسع لأكثر من 25 ألف متفرج، وتغير اسمه خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي ليحمل اسم فقيد كرة القدم اليمنية المتوفى آنذاك "علي محسن المريسي"، لاعب نادي الزمالك المصري والمنتخب اليمني السابق، وأقيمت فيه العديد من المباريات والمسابقات والمهرجانات، وظل شاهدًا طوال أكثر من ثلاثة عقود على استضافة كبرى الفعاليات الرياضية والمباريات الكروية في البلاد.

وبسبب الحرب الدائرة منذ سنوات في اليمن أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" قرارًا في عام 2011م بحظر إقامة جميع المباريات الدولية فيه، وتلك كانت أولى نكساته.

القانون الدولي الإنساني

يحظر القانون الدولي الإنساني استغلال المنشآت الشبابية المخصصة لممارسة الرياضة في أغراض عسكرية خلال الصراعا؛ ولذلك طالب "التحالف العربي" بإعادة الموقع المدني إلى ما كان عليه، وأنذر بإسقاط الحماية عنه بموجب القانون الدولي الإنساني؛ ومن ثَمَّ سيصبح هدفًا عسكريًّا مشروعًا بقوة القانون، وقال: "إن إسقاط الحماية عن الملعب سيبنى على نصوص وأحكام القانون الدولي الإنساني"، ومنح مليشيات الحوثي مهلة 6 ساعات، فلما انتهت المهلة قصف مخازن السلاح في الملعب الكبير، وتعقب عملية نقل الأسلحة من ملعب "الثورة" إلى معسكر التشريفات و دكها، ودمر أكثر من 9 مخازن للسلاح، وقطع متعددة الطائرات بدون طيار، ومستودعات للمتفجرات.

تاريخ سياسي

لم يشهد الملعب الأكبر في البلاد أحداثًا رياضية فقط، بل له تاريخ سياسي حافل؛ ففي عام 2006م شهد اشتعال التنافس السياسي في الانتخابات الرئاسية بين الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وعلى فيصل بن شملان. واستخدم الملعب أيضًا للحشد الحزبي والدعاية الجماهيرية منذ إنشائه، إضافة إلى استضافته مختلف الفعاليات الانتخابية والمهرجانات الغنائية وغيرها الكثير.

وخلال أوج الأزمة السياسية في عام 2011م استغلت صالات الملعب ومرافقه وملحقاته وغرف اللاعبين والحكام والعلاج الطبيعي وصالات الإحماء مسكنًا للحشود الجماهيرية القادمة من مختلف المحافظات اليمنية المناصرة للرئيس الراحل علي عبد الله صالح وحزبه ضد ما عُرف حينذاك بـ"الثورة الشبابية"، بل وشهد محيطه مواجهات مسلحة أثناء مرور إحدى المسيرات التي هتفت برحيل "صالح" في 27 أبريل قتل على إثرها 13 من المتظاهرين وجرح 210 آخرين.

عسكرة وأدلجة الملعب

يرجع ذلك إلى شهر سبتمبر من عام 2014م حين سيطرت المليشيا الحوثية على العاصمة صنعاء، ومنذ ذلك الحين استخدمه الحوثيون في حشد التعبئة الطائفية رغم أن القانون يحظر استخدامه في الأغراض العسكرية. وفور دخول الحوثيين لصنعاء سارعوا بنشر مسلحيهم في محيط وداخل الاستاد، واحتلوا مقر الاتحاد اليمني لكرة القدم الذي يقع في محيطه الشرقي. لم يكتفوا بذلك بل عمدوا إلى أدلجته بما يوافق أيويولوجياتهم الدينية والسياسية فأقاموا على أرضيته مناسبات دينية، كـ"يوم الغدير" و"يوم الولاية" و"ملتقى حكماء اليمن"، وهي فعاليات مستنسخة تمامًا لما يقوم به النظام الإيراني و"حزب الله" اللبناني وكل الفرق والحركات المرتبطة بالمذاهب الشيعية الاثني عشرية، حتى إنهم وافقوها في الشعارات والألوان!

محاولات الخروج من المأزق

على الجهة الأخرى نفى الحوثيون وجود أي أسلحة في الملعب، وقالوا: "إن الاتهامات بهذا الشأن كذبة"، بل طالبوا بوجود لجنة أممية للتأكد من خلو الملعب من الأسلحة. وقال محمد الحوثي، القيادي في الميليشيات، عبر تغريدة على موقع "تويتر": "سيتجه الإعلام للتصوير من داخل الملعب لكشف كذبة دول العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي وحلفائه".

وأضاف الحوثي: "جيد إعلان تحالف العدوان مهلة لقصف الملعب المقصوف كما يفعل الكيان الإسرائيلي بغزة الآن". متابعًا: "إذا وجدوا فيه طائرات مسيرة أو صواريخ كما يدعون، وهي التي تخيفهم فنحن نسلمها للأمم المتحدة مباشرة، وإن كان لا يوجد أي شيء فيلتزموا التوقف عن القصف نهائيًّا".

لكن العجيب في الأمر هو اعتراف ميليشيات الحوثي عقب إعلان التحالف العربي مهلة الـ6 ساعات، أنها حولت ملعب المريسي إلى ثكنة عسكرية ومخزن لأسلحتها، لكنها حاولت الخروج من المأزق فوقعت في أكبر خطأ، وهو توجيه مجموعة من وسائل الإعلام التابعة لها والعشرات من المدنيين إلى الملعب الرياضي؛ ما اضطرها إلى إجبار إدارة المرور في صنعاء على إصدار بيان قيل فيه إنه استُخدم جزء من الملعب الرياضي كمقر لترسيم وترقيم المركبات، (وهذا يعد اعترافًا ضمنيًّا بتحويله إلى ورشة لتأهيل المركبات العسكرية)!