هل يحمي البرلمان "حرمة الحياة الخاصة" ؟

باحث: "الخصوصية" تضاءلت بسبب السوشيال ميديا.. ومطلوب "مدونة سلوكية"

  • 38
الفتح - أرشيفية

مع ظهور السوشيال ميديا والتسويق الرقمي والإلكتروني، أصبحت حياة الناس عرضة لكل من هب ودب، فهذا يصور من أجل التربح والحصول على المشاهدات والإعجابات، وذلك يتجسس ويخترق الحسابات، وثالث يسرب البيانات ويتاجر فيها.

اقتحام الخصوصية وإفشاء أسرار الغير، أسفر عن نتائج كارثية لاسيما تلك التي تتعلق بالسوشيال ميديا، وما حادثة انتحار طالبة الشرقية وأخرى بالغربية عنا ببعيد، حيث أقدمتا على الانتحار بعد تعرضهما للابتزاز الإلكتروني حين تم تهديدهما بنشر صورهما عبر السوشيال ميديا. 

خطورة الأمر دفعت أعضاء بالبرلمان إلى تقديم مشروع قانون يقضي بتعديل بعض مواد قانون العقوبات، لاسيما تلك التي تتعلق باقتحام الحياة الخاصة والتعدي عليها، حيث طالبوا أن يُعاقب بالحبس سنة كل من "التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان عام بقصد الإساءة أو الإضرار به"، فيما يُعاقب بالحبس سنتين كل من "أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلًا أو مستندًا متحصلًا عليه بإحدى الطرق غير الشرعية".

وبحسب مشروع القانون، يحكم بالسجن المشدد على كل من أفشى أو هدد بإفشاء أسرار الغير، حال ترتب على هذا الأمر انتحار الضحية أو إقدامها على الانتحار.

بدوره، يرى أحمد الشحات الباحث في الشؤون السياسية، أن حرمة الحياة الخاصة تضاءلت مساحتها جدا، لا سيما بعد انتشار السوشيال ميديا وبعدما أصبحت الكاميرا موجودة في يد كل مواطن، مشيرًا إلى أن الأمر أصبح بلا ضابط وأصبح باستطاعة كل من يمسك كاميرا أن يصور وقتما شاء أو يسجل وقتما شاء، بل أصبح بإمكانه أن ينشر بلا  قيد وبلا ضابط وبلا مراعاة لقواعد الشرع ولا قواعد العرف والقانون.

وأوضح الشحات في تصريحات لـ "الفتح" أن الشرع والعرف والقانون جميعهم حظروا على الإنسان أن ينشر شيئا من شأنه التعدي على حرمة الحياة الخاصة للآخرين، أو من شأنه تهديد سلامة وأمن الوطن، مطالبًا بتوعية المواطنين من خطر انتهاك خصوصية الغير والتعدي عليها.

وأكد الشحات أننا بحاجة إلى تنمية الوعي في نفوس الناس، لاسيما أن هذه الثقافة دخلت على الناس بدخول السوشيال ميديا وما صاحبها من أدوات ووسائل، دون أن تتوافر لدى الناس التوعية الكاملة والكافية بل لم يتوافر لديهم الحد الأدنى من الوعي حول كيفية التعامل مع السوشيال ميديا.

وأعرب الباحث في الشؤون السياسية عن أمله في أن تتبنى وزارة التربية والتعليم في أن تبذل جهدها لتوعية الناس في هذا الصدد، وأن يكون ذلك من خلال وثيقة أو مدونة توضح للناس كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، موضحًا أن كل أداة حديثة لها آدابها وطريقة التعامل معها، لافتا إلى أن استخدام الهاتف يجب أن تكون له آداب وكذلك يجب أن تكون هناك آداب للاستخدامات المختلفة للتكنولوجيا وغيرها.

وشدد على أننا نحتاج أن تكون لدينا مدونة سلوكية أو وثيقة توضح لنا كيفية التعامل في وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يتصرف الشخص سواء كان هذا الشخص هو الفاعل أو هو الذي يقع عليه الفعل من تهديد وابتزاز، مطالبًا بأن تتضمن الوثيقة تعليم الناس كيف يتصرفون حال تعرضهم للمضايقات أو التهديد والابتزاز.

وأشار الشحات إلى أن تدشين هذه الوثيقة أو المدونة بالتزامن مع القانون المزمع مناقشته من البرلمان، سيكون له أثره الطيب والجيد، خاصة أن الناس يعانون بالفعل من أمية واضحة في قضية التعامل مع السوشيال ميديا.

من جهته، رحب طارق نجيدة الخبير الدستوري، بمشروع القانون وأشاد به، مؤكدًا أنهم فعلوا حسنا بإعداد مشروع قانون يتعلق بحماية الحياة الخاصة، موضحًا أن التطور الكبير لوسائل السوشيال ميديا ووسائل التكنولوجيا قد تؤدي إلى كوارث كبيرة سواء على مستوى الفرد أو الجماعات. 

وأوضح نجيدة في تصريحات لـ "الفتح" أن التطور الكبير في وسائل التواصل أصبحت أكثر اعتمادًا على تكنولوجيا الاتصال الحديثة، مما سمح بنقل الصورة والصوت والكتابة والتصوير بسرعة كبيرة، لاسيما مع ظهور ما يسمي بالبث المباشر الذي من الممكن أن يتم دون علم أو إدراك أو موافقة صاحب الشأن أو في غفلة منه.

وأكد أن ذلك يمثل انتهاكا صارخا للخصوصية وتهديدا خطيرا لأمن المواطن وماله وعرضه، وأن هذا الأمر قد يؤدي إلى وقوع كوارث فردية وجماعية نتيجة الابتزاز والتهديد استغلالًا لصاحب الشأن بما تم الحصول عليه .

ويرى الخبير الدستوري أن مشروع القانون المقدم إلى مجلس النواب في هذا الشأن، قد ركز في صياغته على توصيف جريمة العدوان على حرمة الحياة الخاصة بالإذاعة والنشر فقط وتسهيل ذلك، دون أن يجرم أيضا أو يشمل في صياغته تجريم عملية التنصت والتسجيل والتصوير ذاتها دون علم وموافقة صاحب الشأن.

وأوضح نجيدة أن القانون ركز على النشاط الذي يحدث بعد التنصت أو التصوير أو الحصول على المستند، أي أن القانون يتحدث عن المرحلة التي تأتي بعد التعدي على الحياة الخاصة وبعد التجسس والتصوير وسرقة البيانات، ولم يتحدث عن منع هذه الأفعال أصلا أو تجريمها، بل جرم ما ينتج عنها وما يتبعها، موضحًا أن هذا التجاهل لا يؤدي إلى الحماية المرجوة من هذا التعديل.

ويرى الخبير الدستوري أن مشروع القانون أحسن صنعا حينما ذكر الموظف العام الذي يرتكب جريمة إفشاء أمر تحصل عليه بسبب وظيفته وقضى بتشديد العقاب الخاص بهذا الموظف، لكنه أشار إلى أن ذلك النص لا يحقق أي حماية للحياة الخاصة التي يتعين احترام حرمتها من الموظف العمومي، بالامتناع تماما عن مراقبة الناس والتنصت عليهم أو تصويرهم أو الحصول على خصوصياتهم دون إذن قضائي مسبب ومحدد المدة والإجراء، وأن يصدر الإذن للموظف المنوط به العمل لضمان المحاسبة عند إفشاء السر أو استعمال المعلومات بما يخالف القانون ويهدد صاحب الشأن. 

وشدد نجيدة على ضرورة التدخل التشريعي بهذا التعديل مع إعادة صياغته، موضحًا أن إعادة صياغة مشروع القانون وضمه للملاحظات سابقة الذكر سيجعله أشمل ويمنحه ضمانات حقيقية لحماية الحياة الخاصة.


الابلاغ عن خطأ