ليبيا.. دولة في أزمة

  • 111
صورة أرشيفية

حكومتان وبرلمانان.. ومئات الجماعات المسلحة.. ودعوات للتدخل الدولي
أردوغان يدخل على الخط ويهاجم البرلمان المنتخب.. والشعب يترقب الانفجار الكبير

"لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.. ولا حديث إلا حديث المعارك"؛ هذا هو الشعار المعتمد في جميع أنحاء ليبيا، والذي تعلنه الجماعات المسلحة، وتعيشه البلاد منذ اندلاع الثورة ضد القذافي في 17 فبراير 2011، حتى باتت ليبيا على شفا حرب أهلية نتيجتها الحتمية الانهيار فالتقسيم، بعد سنوات من الفشل واختفاء معالم الدولة التي قد تصبح شبحا لدولتين أو أكثر بعد أن أصبح لليبيا برلمانان وحكومتان بين عشية وضحاها!
برلمانان وحكومتان!
فبعد سيطرتهم على العاصمة طرابلس يوم الاثنين الماضي، أعلن عدد من الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا وقطر تطلق عن تشكيل جديد تحت مسمى "مجلس شورى ثوار طرابلس الكبرى"!
واعتبر مجلس شورى ثوار طرابلس الكبرى - في بيان له أصدره الاثنين الماضي- أنه هو "المجلس الشرعي الوحيد الذي يمثل ثوار تصحيح المسار عن طرابلس وما عدا ذلك فهو باطل".
وثمن البيان جهود "الثوار العاملين في المجالات الأخرى والذين كانوا ظهرا لهم"؛ مطمئنا أهالي طرابلس بأن "ثورة الـ17 من فبراير قامت ضد الاستبداد والطغيان ولتأسيس دولة دستورية وديمقراطية عادلة، والتي كادت تسرق لولا هبة الثوار لتصحيح المسار".
وأكد المجلس في بيانه أنه "ضد الإرهاب والتطرف، ومع التداول السلمي للسلطة والتوزيع العادل للثروات، ومع السلم والسلام العالمي واحترام حق الجوار والالتزام بالعهود والمواثيق الدولية المشروعة".
البيان شكله جميل بلا شك.. ولكن السطور التالية ستكشف إن كان مصدروه يؤمنون بما جاء بين ثناياه أم لا؟
فبعدها بيوم واحد "الثلاثاء" كلف "المؤتمر الوطني العام الليبي" الذي يعقد جلساته في طرابلس، عمر الحاسي بتشكيل "حكومة إنقاذ"!
ومعروف أن "المؤتمر الوطني الليبي" بتشكيلته الحالية لا يتمتع بأي شرعية، وحل محله البرلمان الليبي الذي تم انتخابه في يوليو الماضي ليطيح بالأغلبية التي كان يتمتع بها "إخوان ليبيا" وأنصارهم من الجماعات المسلحة، وهو البرلمان الذي حظي باعتراف دولي وعربي دلل عليه حضور رئيسه عقيلة صالح لمؤتمر جوار ليبيا الذي عقد بالقاهرة نهاية أغسطس الماضي ولقاؤه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
إضافة إلى أن هناك حكومة تحظى بالفعل بشرعية برلمانية يترأسها وزير الدفاع السابق "عبد الله الثني" الذي أعاد البرلمان الجديد تكليفه بتشكيل الحكومة مطلع الشهر الجاري.
أضف إلى ذلك أن "المؤتمر الوطني" فقد "شرعيته" منذ فبراير الماضي بانتهاء مدته القانونية؛ الأمر الذي استدعي اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى التصريح بأن استمرار هذا المجلس "المؤتمر الوطني" غير شرعي، مطالبا بانتخاب مجلس جديد، بيد أن الإخوان الذين كانوا يسيطرون على أغلب مقاعد المجلس استهانوا "كعادتهم" بخصومهم وأعلنوا استمرار المجلس في أداء مهامه.
وفي 16 مايو أعلن حفتر انطلاق "كرامة ليبيا" وهي عملية عسكرية تهدف إلى "تطهير ليبيا من الإرهاب والعصابات والخارجين عن القانون، والالتزام بالعملية الديمقراطية، ووقف الاغتيالات خصوصا التي تستهدف الجيش والشرطة". مؤكدا أن العملية ليست انقلابا، وأن الجيش لن يمارس السياسة. كما أعلن عن "تجميد" عمل "المؤتمر الوطني العام" الذي أكد معارضوه أن استمراره غير شرعي منذ 7 فبراير 2014، وأبقى على عمل حكومة الطوارئ بقيادة "عبد الله الثني" الذي تولى المسئولية خلفا لعلي زيدان، وهو الإجراء الذي لاقى قبولا شعبيا كبيرا.

سياسة الأرض المحروقة
وكانت الحالة الأمنية في ليبيا بلغت حدا بالغ السوء حتى أن عدد الجماعات المسلحة وصل إلى 2000 من الميليشيا ارتكبت كل الجرائم من قتل الليبيين وقتل واختطاف مواطنين ودبلوماسيين مصريين وعرب وأجانب، وانتهاء باختطاف رئيس الوزراء علي زيدان ثم الإفراج عنه، ودخول قوات أمريكية أكثر من مرة لاختطاف شخصيات فاعلة في هذه الجماعات المسلحة؛ بما ينم عن انهيار الدولة الليبية التي أصبحت مسرحا لارتكاب جميع أنواع العنف من الليبيين والأطراف الخارجية دون رادع.
قرار حفتر الذي انضم إليه معظم وحدات وكتائب الجيش الليبي، أثار هذه الجماعات المسلحة التي أعلنت الحرب ضده مدعومة من الشيخ الصادق الغرياني مفتي البلاد الذي اعتبر أن عملية الكرامة "فسادا وبغيا يجب التصدي له"، وأفتى بأن "من يخرج على الإخوان المسلمين إنما يعادي الإسلام"؟

القرضاوي في ليبيا؟
ولعل من المفارقة أن الصادق الغرياني نفسه مطعون في شرعيته؛ فقانون دار الإفتاء الذي أتى بالغرياني كمفتٍ للبلاد الذي أصدره المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في فبراير 2012، والذي ينص على إنشاء "دار الإفتاء" أثار جدلا حول مدى قانونيته وفق عدد كبير من علماء الدين الليبيين على رأسهم الشيخ عبد اللطيف المهلهل.
ويلعب الغرياني نفس الدور الذي لعبه (وما زال) الدكتور يوسف القرضاوي بإصدار الفتاوى لصالح فصيل سياسي معين؛ ففي يوليو 2012، وقبيل أول انتخابات عامة تشهدها ليبيا طالب الغرياني الناخبين الليبيين المتوجهين إلى انتخاب المؤتمر الوطني العام بعدم التصويت لتحالف القوى الوطنية الذي فاز لاحقا في الانتخابات، وعدم التصويت لمحمود جبريل باعتباره "مناصرا لليبرالية"؛ ليثير الغرياني لغطا في فترة الصمت الانتخابي.
وللرجل بعض الفتاوى والآراء المثيرة للجدل كخطابه بشأن جمعة "إنقاذ ليبيا" المؤيدة لحفتر، وإفتائه بحرمة التظاهر في بنغازي.
جهات وشخصيات عدة في ليبيا طالبت بعزل الغرياني بسبب "فقدانه شرطا من شروط الأهلية، وهي فقدان ثقة الليبيين به، بحسب ما نص عليه قانون تعيين منصب المفتي". كما انتقد فتاواه عدد من علماء الأزهر الشريف وخصوصا فتواه الخاصة بوجوب مقاتلة قوات الجيش الوطني التي يقودها اللواء خليفة حفتر ضمن عملية الكرامة.
وفي أغسطس 2014 طالبت "اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان" مجلس النواب بإعفائه من منصبه ورفع الحصانة عنه، بعد رصدها ما أسمته "دعوات صريحة بالتحريض على العنف والقتل والتعذيب والتمييز"، وطالبت بإحالته للتحقيق في مكتب النائب العام.
ولعل هذا ما دفع الغرياني إلى الإقامة في بريطانيا؛ لتثير أنشطته هناك الجدل، وتردد أنه غادر العاصمة لندن على عجل إلى قطر.

تركيا وقطر تتصدران المشهد
الأصابع التركية والقطرية كانت حاضرة في المشهد الليبي؛ فأجهزة المخابرات في كلا البلدين متهمان بتمويل وتسليح هذه الجماعات ويوفران لها غطاءً سياسيا وإعلاميا عبر القنوات التابعة لهما، وعلى رأسها "الجزيرة" التي انطلقت منها شائعة تورط مصر والإمارات في قصف مواقع بطرابلس، وعلى منوالها غزلت الخارجية الأمريكية ونقلت مواقع وصحف أمريكية وصهيونية الشائعة، على اعتبار أن ترديد الكذبة يؤدي إلى تصديقها وهي استراتيجية "إخوانية" معروفة، بيد أن رد الفعل المصري الجاد دفع الخارجية الأمريكية إلى التراجع عن تصريحاتها؛ لتفشل محاولة جديدة من محاولات توريط الجيش المصري في المستنقع الليبي بعد شائعات الإخوان وأذنابهم بأن ضحايا حادث الفرافرة الإرهابي إنما قضوا في معارك ضد "ثوار ليبيا".
الموقف المصري أحبط مجددا مخطط استهداف الجيش المصري الذي يعمل عليه الأمريكيين بمساعدة الإخوان كهدف أساسي واستراتيجي لهم.
وعودة إلى الوضع في ليبيا، حيث مارس الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" هوايته في منح "الشرعية" لمناصريه وحجبها عن خصومه حتى وإن كانوا يحظون بتأييد شعبي جارف كما في مصر وليبيا. وبعد ساعات من تنصيبه رئيسا لتركيا هاجم أردوغان البرلمان الليبي المنتخب واتهمه بعدم الشرعية!
ويبدو أن تركيا ستكون الدولة الوحيدة التي ستعترف بما يسمى "المؤتمر الوطني العام"؛ وبالتالي بحكومة الحاسي؛ لتكرس انقسام الدولة الليبية بإضفاء المزيد من الفوضى على المشهد المرتبك أصلا؛ مما اضطر البرلمان المنتخب إلى طلب التدخل الدولي لإنقاذ البلاد من الفوضى والذهاب في طريق اللاعودة.
ولعل الأزمة التي تعيشها ليبيا حاليا تذكر المصريين بذكريات عام مضى، قبل أن يتم فض اعتصامي رابعة والنهضة الذين حاول الإخوان تمديدهما إلى مناطق محيطة؛ ومن ثم محاولة فرض خيار البرلمانين والحكومتين على مصر، خاصة بعد محاولات أجراها بعض نواب "الشورى المنحل" لعقد جلسات باعتصام رابعة، ومحاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري لتهريب مرسي؛ ومن ثم يسهل إعلان حكومة موازية كان الغرب والأمريكيون يتحرقون شوقا لرؤيتها والاعتراف بها سعيا إلى شق الصف المصري والتدخل لصالح طرف يزعم تمتعه بـ"الشرعية"، والأهم من ذلك امتلاكه ناصية العديد من الجماعات المسلحة في سيناء وبعض المدن المصرية!