عاجل

أطفال الشوارعأزمة حقيقية تبحث عن حل

  • 100
صورة أرشيفية

الجمال: الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وتدنى الخدمات والتفكك الأسري والعشوائيات أهم أسباب الظاهرة
رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام للجمعيات الأهلية: لا بد من إنشاء دور إيواء لأطفال الشوارع.. وتفعيل اتفاقية وزارة التضامن الاجتماعي و"الوليد بن طلال" لعمل مدينة لإيوائهم
المفتي الأسبق: لا بد من استغلال أموال الزكاة في تمويل مثل هذه الأماكن
أطفال الشوارع قنبلة موقوتة تهدد المجتمع وتعتبر ظاهرة عالمية تفاقمت في الفترة الأخيرة وبشكل كبير, وقد اهتمت بها الدول التي تكثر فيها هذه الظاهرة لما ينتج عنها من مشاكل كثيرة تؤدى إلى حرمان شريحة كبيرة من هؤلاء الأطفال، من إشباع حاجتهم النفسية والاجتماعية؛ فهو وضع يفرض على الطفل الانعزال عن المجتمع والحياة فى ظروف غذائية وصحية سيئة للغاية والتعرض للاستغلال ممن يريدون تحقيق مصالح غير مشروعة مثل البلطجة والتسول.
وهناك أسباب اجتماعية تؤدي إلي ظهور هذه المشكلة؛ فنجد أن الفقر يعد من أهم الأسباب التي تدفع الأهالي إلي ترك أبنائهم للخروج إلى الشوارع للبحث عن قوت يومهم، كذلك التفكك الأسري الذي يؤدي إلي هروب الأطفال من ذويهم والبحث عن حياة جديدة في الشوارع، وهروب الأطفال من المدارس ونزوحهم من الريف إلي المدن.
والشارع بالنسبة لبعض هؤلاء الأطفال يعتبر مصدر جذب للأسباب الآتية:
1- الميل إلى الحرية والهروب من الضغوط الأسرية.
2- غياب الاهتمام باللعب والترفيه داخل الأسرة والبحث عنه في الشارع.
3- اللامبالاة من جانب الأسرة، وعدم الاستماع إلى الطفل والتحاور معه وتلبية حاجاته.
4- حب التملك؛ فالشارع يتيح له نوعا من العمل أيا كان، لكنه يدر دخلا وقد يكون هذا العمل تسولًا أو إتيان أعمال منافية للحشمة والآداب.
5- عند بعض أطفال الشوارع يكون عنصر جذب بما فيه من خبرات جديدة ومغامرات للإشباع العاطفي، فمعظم هذه الفئة يتراوح عمرها ما بين (7-14) سنة، وسنجد أن الإعلام لعب دورا كبيرا ومؤثرا في سيطرة تلك الفكرة على عقول بعض هؤلاء الأطفال باستخدام أفلام وبرامج إباحية بدون رقابة من الأجهزة المعنية، حيث غابت الدولة وتخلى الأزهر عن دوره وضعف عن مواجهة الانفلات الأخلاقي الذي حدث بالمجتمع.
وقد صرح دكتور طلعت عبد القوي، رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام للجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة، وعضو لجنة الخمسين لإعداد الدستور، بأنه يعتبر ملف أطفال الشوارع من الملفات التي تهتم الدولة بفتحها لأنه يعد من الموضوعات المهمة التي تشغل الدولة والمجتمع؛ حيث وصل عدد أطفال الشوارع إلي ما يزيد على مليون طفل في مختلف أنحاء الجمهورية، وسيتم التغلب علي هذه الظاهرة من خلال إنشاء دور إيواء لأطفال الشوارع، وتعليم هؤلاء الأطفال الحرف؛ وقد أبرم اتفاق بين وزارة التضامن الاجتماعي والأمير الوليد بن طلال لعمل مدينة لإيواء أطفال الشوارع.
وأضاف "عبد القوي" أنه يجب علي الدولة التصدي للمصدر الذي يخرج منه هؤلاء الأطفال، والمصادرهي العشوائيات، ونزوح الأطفال من الريف بغرض الهروب من المدارس، والتفكك الأسري.
وأكد "عبد القوي" أن ظاهرة أطفال الشوارع ستأخذ من الدولة الوقت والجهد لمواجهتها، وستحتاج إلي دراسات تعرض علي الحكومة للتصدي لها.
ومن جانبة، أكد اللواء علاء عز الدين، الخبير الأمني، أن القضاء علي هذه الظاهرة يأتي بداية من الأسرة؛ حيث لا تترك الأسر فقيرة إلي الحد الذي يجعلهم لا يهتمون بأطفالهم؛ مما يؤدي إلي هروبهم من ذويهم. وأضاف لا بد من الاهتمام بدور الرعاية الاجتماعية لأنها إذا أدت دورها بشكل جيد فهذا سيساعد في القضاء علي هذه الظاهرة، عن طريق استيعابهم بأن تدخلهم مراحل التعليم المختلفة وتعلمهم الحرف التي تساعدهم في بداية حياتهم بعد ذلك.
وقد شدد "عز الدين" علي فرض العقوبات علي المتسولين والذين يمارسون البلطجة علي المواطنين، مع فتح باب انضمامهم إلي القنوات الشرعية التي تعود عليهم بالفائدة اقتصاديا واجتماعيا.
وأضاف الخبير الأمني، أن هذا سيتم عندما يصبح لدى مصر فائض من الاقتصاد يمكن توجيهه إلي مثل هذه الأمور، مشيرا إلي أهمية تشجيع العمل الخيري، وهذا يرجع لدور الإعلام في دعم العمل الخيري في مصر لتنمية دور الأيتام، مع فرض الرقابة لأنه يشوبها كثير من الريبة؛ حيث إن البعض يستخدمها للتربح فقط؛ لذلك يجب فرض القيود بجانب الترغيب حتي لا تنفر الأيادي التي تقوم بهذا العمل الخيري.
أما عن دور رجال الدين في تلك الظاهرة، فقد أكد مفتي الجمهورية الأسبق د. نصر فريد واصل، أن المسؤلية هي مسؤلية دولة بأكملها بأخذ الإجراءات والسبل لإنهاء هذه الظاهرة؛ وذلك بطرق مختلفة ومتعددة منها دخول الأطفال الصغار دور الرعاية الحكومية، وبالنسبة للشباب فيتم ضمهم لمراكز تدريب صناعية وزراعية بحيث توفر لم فرص عمل؛ وبالتالي تنقذهم من خطر وجودهم في الشوارع.
وأشار "واصل" إلي أهمية أن تستغل أموال الزكاة في تمويل مثل هذه المراكز، وأيضا دور رعاية الأيتام. وأوضح أن رجال الدين عليهم دعوة الأفراد إلي التكاتف لتحقيق هذا الهدف؛ لأن التعاون والتضامن من أهم ما يحثنا عليه ديننا الحنيف.
ومن جانبه قال " عبدالحليم الجمال " عضو البرلمان العربى ووكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى السابق عن حزب النور أن عددا كبيرا من الأطفال المصريين يعانون من مشكلات تتطلب إرادة كبيرة وفكر غير تقليدى للحد من خطورتها ، كالتسرب من التعليم ، والعمل دون السن القانونية ، والتعرض للعنف والعقاب البدني ، والاستغلال السياسي ، وإدمان المخدرات ، والتدخين ، وارتفاع معدلات الإعاقة ، وعدم الاهتمام بالأطفال المعاقين ، وعدم رعاية الموهوبين ، والحرمان فى بعض المناطق من المأوى الملائم والطعام المناسب والماء النظيف والصرف الصحى ، فضلاً عن مشكلة الاغتراب وعدم الشعور بالمواطنة فى بعض أرجاء الوطن كشمال وجنوب سيناء ومطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر وجنوب الصعيد.
وأكد " الجمال " أن أخطر هذه المشكلات التى يعانى منها الطفل المصري على الإطلاق تتمثل فى ظاهرة أطفال الشوارع التى بدأت تنمو بشكل واضح فى ثمانينات القرن الماضي ، ثم أخذت تتفاقم حتى أصبحت تشكل تهديداً للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي فى المجتمع المصري ، وذلك بسبب زيادة معدلات الفقر ، وانتشار البطالة ، وتضخم أسعار متطلبات المعيشة الأساسية ، وزيادة ساكني العشوائيات والمقابر، وتدنى الخدمات الاجتماعية ، والاختفاء التدريجى للعلاقات الأسرية ، واتساع مسببات التفكك الأسرى .
واستطرد البرلماني السابق قائلاً أنه وفقاً لما تشير إليه تقارير المنظمات المعنية التابعة للأمم المتحدة فإن عدد أطفال الشوارع فى مصر يتراوح ما بين 500 ألف إلى 700 ألف وذلك من واقع الذين تم القبض عليهم وتسجيلهم بأقسام الشرطة ، فى حين أن خبراء المجتمع المدني يؤكدون أن عدد أطفال الشوارع فى مصر لا يقل عن ثلاثة ملايين طفل ، كما تشير بعض الدراسات والإحصاءات الميدانية التى أجراها الباحثون بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن حوالى ثلث عدد الأطفال فى سن التعليم الأساسي فى مصر معرضون للخطر إما لأنهم ليست لديهم وسيلة مشروعة للعيش ولا عائل مؤتمن ، أو لأنهم فى الشارع محرومين من الرعاية الأساسية والاجتماعية مدفوعين إلى التسول أو القيام بأعمال بهلوانية أو أنشطة تافهة كمسح زجاج السيارات فى إشارات المرور، أو جمع أعقاب السجائر وفرز فضلات البلاستك والكرتون من القمامة وبيعها أو القيام بأعمال تتصل بالدعارة أو المخدرات ، وقد يستغل بعضهم من قبل تنظيمات سياسية غير شرعية تتبنى العنف كوسيلة للتغيير .
وحذر " الجمال " من أن الفقر الذى يتسبب فى دفع الأطفال إلى الشوارع يصبح فقراً مركباً ، لأنه يتخطى الفقر الإقتصادى إلى فقر القدرات بسبب عدم حصول الطفل الذى اتخذ الشارع مأوىً له على أىٍ من الفرص المجتمعية المتاحة . وأرجع عضو البرلمان العربى تفاقم هذه المشكلة إلى الرؤية المشوهة لأطفال الشوارع لدى مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية ، حيث يُنظر إلى أطفال الشوارع من زاوية انحرافهم ومخالفتهم للقانون لا من زاوية كونهم ضحايا لظروف اجتماعية واقتصادية خارجة عن إرادتهم ، حتى أن أطفال الشوارع أنفسهم يشعرون من جراء هذه النظرة إليهم أن المجتمع يسيء معاملتهم ويرفضهم ويقاوم وجودهم ، مما يعزز عدم احترامهم لأنفسهم ويقلل من انتمائهم ويضعف من ثقتهم فى الآخرين ، وهذا كله يؤثر بالسلب على إمكانية إعادة تأهيلهم أو إدماجهم فى المجتمع .
ويرى " الجمال " أن التصدى لهذه الكارثة يقتضى تبني حزمة كاملة وغير مسبوقة من التدابير تهدف إلى تجفيف منابع هذه الظاهرة والقضاء على أسبابها ما أمكن ، وليس فقط العمل على مواجهة آثارها ، ومن هذه التدابير – على حد قوله – توسيع شبكة الضمان الاجتماعي ، وتأسيس مراكز استقبال وإيواء وإعادة تأهيل هؤلاء المعاقين ، وتوفير معاملة خاصة لأطفال الشوارع تبتعد عن الأساليب الأمنية الباطشة وتقترب من الأساليب الاجتماعية والتربوية ، وأيضاً وضع التشريع اللازم لعدم استخدام الحق المشروع للرجال فى الطلاق أو الحق المشروع للنساء فى الخُلع إلا بعد التحقق من قيام مستخدمى هذا الحق بترتيب أوضاع أطفالهم بعد هذا الإنفصال ، ذلك بالإضافة إلى تطوير نظام المراقبة الاجتماعية ، وتوعية وتدريب العاملين فى شرطة الأحداث على المعاملة الواعية لأطفال الشوارع والمبنية على الفهم السليم لهذه الظاهرة وربما يكون من المفيد ألا يرتدى العاملون فى شرطة الأحداث الزى الرسمى للشرطة أثناء تعاملهم مع الأطفال .
وأضاف " الجمال": أننا فى الوقت الذى يجب أن نعترف فيه بأن الضائقة الاقتصادية التى يمر بها الوطن لن تمكن الدولة من تدبير الموارد اللازمة لإعداد البنية الأساسية الضرورية لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال وتمكينهم من الحصول على الفرص والحقوق المجتمعية التى نصت عليها المادة (1) من قانون الطفل التى أكدت على كفالة اتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المواثيق الدولية ذات الصلة النافذة فى مصر فى الوقت الذى نعترف فيه بذلك، لا بد من العمل على محورين متوازيين.
الأول : معاودة التنسيق والتعاون بين جهات عديدة معنية بحقوق الطفل كوزارة الشئون الاجتماعية ، ووزارة التربية والتعليم ، ووزارة الصحة ، ووزارة العدل ، ووزارة الداخلية ، ووزارة القوى العاملة ، والصندوق الاجتماعى للتنمية ، والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، والمجلس القومي للأمومة والطفولة ، والمجلس القومي لعلاج الإدمان ، والمجلس العربى للطفولة والتنمية ، ولعل من أهم الخطوات المثمرة التى اتخذت مؤخراً فى هذا المجال توقيع بروتوكول التعاون المشترك لدمج وتأهيل أطفال الشوارع بين كلٍ من غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى والأمير السعودى طلال بن عبد العزيز رئيس المجلس العربى للطفولة والتنمية.
والثاني : تعزيز دور منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة باعتبارها المؤهلة للتعامل مباشرة مع هذه الظاهرة ، لأن الطبيعة التطوعية للعمل فى هذه الجمعيات والمؤسسات تجعل مساهمة العاملين فيها فى حل مشكلة أطفال الشوارع أكثر إنسانية وأكثر قدرة على تبنى الرؤية الإيجابية نحو الأطفال فضلاً عن قدرة هذه المنظمات على حشد التمويل من خلال تبرعات المستثمرين ورجال الأعمال لإقامة مراكز الاستقبال والإيواء وتوفير فرص التدريب والتأهيل المهنى لهؤلاء الأطفال ، ولعل جمعية قرية الأمل لرعاية أطفال الشوارع التى قامت على أكتاف مجموعة من رجال وسيدات الأعمال المصريين المحبين للخير تعد نموذجاً يجب تكراره فى هذا المجال ، أيضاً من التجارب الناجحة البروتوكول الذى عقد مؤخراً بين الإتحاد العام للجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة برئاسة د. / طلعت عبدالقوى البرلمانى السابق وعضو لجنة الخمسين لإعداد الدستور ورئيس الاتحاد من جهة والمجلس القومى للطفولة والأمومة من جهة أخرى والذى من أهم بنوده ه التصدى لمشكلات الأطفال فى مصر وعلى رأسها ظاهرة أطفال الشوارع .

الابلاغ عن خطأ