عاجل
  • الرئيسية
  • مقالات
  • مقالات في علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (7) الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات المتواترة

مقالات في علوم القرآن الكريم وارتباطها بالعلوم الأخرى (7) الأحرف السبعة وعلاقتها بالقراءات المتواترة

  • 77

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد روى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام فقال: "إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال: أسأل الله معافاته ومعونته وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية على حرفين، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة مثل ذلك، فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الرابعة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف؛ فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا".

فمن خلال هذا الحديث سينتظم حديثنا في الكلام عن هذه الأحرف في عِدَّة محاور:

الأول: الحكمة من ورود القرآن على سبعة أحرف.

الثاني: معنى الأحرف.

الثالث: المراد بها.

الرابع: الاقتصار على سبعة دون ما سواها.

الخامس: توجيه اختلاف الأحرف السبعة.

السادس: المعاني المشتملة عليها.

السابع: اشتمال المصاحف العثمانية على جميع الأحرف السبعة.

الثامن: القراءات المقروء بها اليوم في كلِّ الأمصار جميع السبعة أو بعضها.

التاسع: حقيقة اختلاف هذه السبعة المذكورة في الحديث.

أما عن المحور الأول، وهو موضوع حديثنا في هذا المقال؛ فسبب وروده على سبعة أحرف، فالظاهر من حديث أبي رضي الله عنه هو التسهيل والتيسير على هذه الأمة، وتمييزًا لها عن بقية الأمم التي سبقتها، فلعل الكتب السابقة نزلت على حرف واحد، فخفف الله على هذه الأمة؛ مصداقًا لقوله تعالى: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم"، وقوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقد تكرر قوله تعالى في سورة القمر في أربع مواضع: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"، وقوله تعالى: "الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان".

كل هذه الآيات وغيرها تدل دلالة عامة وواضحة على أن هذا القرآن نزل بالتخفيف والتيسير والتسهيل؛ لأن هذا القرآن هو منهج حياة الأمة، بل والبشرية قاطبة، قال الله تبارك وتعالى: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا".

وقد نقل ابن الجزري رحمه الله في طيِّبة النشر ما يدل على هذا، فقال رحمه الله: "وأصل الاختلاف: أن ربنا أنزله بسبعة مهونًا. وفي الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربي أرسل إليَّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت عليه أن هوِّن على أمتي، ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف".

وكما سيأتي في أثر صحيح -في المقالات القادمة- أن القرآن أُنزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وأن الكتب قبله كانت تنزل من باب واحد على حرف واحد؛ إذ كان كل نبي يرسل إلى قومه بلسانهم، قال الله تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"، وبُعِث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، قال تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا".

وقد كانت العرب مَرَدوا ونشأوا على لهجة وحرف من اللغة، فيصعب على العربي التحول من هذا الحرف إلى غيره ولو بالتعليم؛ لا سيما الشيخ منهم، والمرأة، ومَن لم يقرأ، كما في الأحاديث الواردة بذلك.

وعلى سبيل المثال لا الحصر: كانت قبيلة هذيل تقرأ هذا الحرف: «حتى حين» تقول «عتى حين»، تقرأ بالعين في موضع الحاء، وقبيلة الأسدي يقرؤون حرف «تعلمون» بكسر التاء بدلًا من فتحها، ومنهم من قرأ لفظ حرف: "عليهم" بضم الهاء في موضع الكسر، وستأتي الأمثلة بعد ذلك في مقالاتنا.

والخلاصة في هذا المحور: أن الله جل وعلا خَلَق الخلق بقدرته وعلمه، ومن حكمته البالغة، وآياته الدالة على قدرته، أنه خالف بين الأجناس، والهيئات، والألوان، واللهجات، والقدرات؛ ليستدل أصحاب العقول والبصائر على وحدانيته، وتفرده بالملك، والبقاء، قال تعالى: "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم . إن في ذلك لآيات للعالمين".

فاختلاف الألسن واللهجات رحمة من الله تبارك وتعالى بالناس، وتيسيرًا عليهم، وفي ذلك قطع الحجة على من يقول بأن القرآن لم ينزل بلهجتي، ولغتي، ولم أستطع قراءته أو تلاوته؛ فإنه لهذا نزل بالتهوين، والتخفيف، والتيسير، وهذا مما اختصت به هذه الأمة كما خفف الله عنها في الصلوات من خمسين إلى خمس، وكذا في الصيام رخص للمسافر في الفطر، وكذا المريض، وكذا في سائر العبادات، والأحكام جاءت الشريعة بالتيسير، والتخفيف، فليس هناك ما يمنع عقلًا أن الله جل وعلا خفف على هذه الأمة في قراءة القرآن، وجعله ميسرًا، والحمد لله رب العالمين.

وللحديث بقية إن شاء الله.