• الرئيسية
  • تقارير وتحقيقات
  • هل انتهى عصر "هيبة المعلم"؟ معلمون: نسعى جاهدين لإبقاء الطلاب بلا أذى.. والمؤسسات التعليمية لا تحفظ للمعلم مكانته

هل انتهى عصر "هيبة المعلم"؟ معلمون: نسعى جاهدين لإبقاء الطلاب بلا أذى.. والمؤسسات التعليمية لا تحفظ للمعلم مكانته

خبير تربوي: الحل في علاج التكدس داخل الفصول وإعادة هيبة ومكانة المعلم وتفعيل مجانية التعليم

  • 68
الفتح - فصل دراسي أرشيفية

تحقيق – علي منصور

لم تُسمّ الوزارة المسئولة عن التعليم بوزارة التربية والتعليم إلا لما للمدرسة من دور رئيس في تربية النشء على السلوكيات الصحيحة والأخلاق الحسنة وما تغرسه من الانضباط والالتزام الذي تبعثه طبيعتها من تحصيل العلم والالتزام بالآداب العامة وعدم الإتيان بما يخل بالعملية التعليمية، غير أنه خلال السنوات القليلة الماضية، بدأت هذه المفاهيم تتبدل، وأصبح المعلمون يشتكون من سلوك الطلاب داخل المدارس، بل أصبح الأمر يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي من فيديوهات تظهر فيها فتيات ترقص داخل المدارس والفصول، واعتداء طلاب على بعضهم البعض وصل للتعدي بالأسلحة البيضاء في كثير من الحوادث، واعتداء الطلاب على المدرسين بالألفاظ وأحيانًا بالأيدي، وغيرها من السلوكيات التي انتشرت بما يخالف طبيعة العملية التعليمية.

واقع الطلاب في المدارس

قال محمد عبد الحميد، مدير مدرسة، إن العاملين بالمدارس (من المدير إلى حارس الأمن) أصبحوا يدخلون المدرسة من الساعة السابعة صباحًا حتى الساعة الثانية مساء ليس لتعليم الطلاب أو إفادتهم، بل في محاولة مستميتة للإبقاء عليهم أحياء، والسبب أن 90% من الطلاب لم يتربوا على احترام المدرسة والانضباط خلال يومهم الدراسي، مؤكدًا أنهم طوال النهار يسمعون ألفاظًا بيئية ونابية ويرون سلوكيات بلطجة من الطلاب ولا يستطيعون التصرف معها؛ لأن ولي الأمر أصبح ينصف ابنه على المعلم مهما كان الطالب مخطئًا.

وأضاف مدير المدرسة –في تصريحات لـ "الفتح" – أن ولي الأمر أصبح يعتقد أن روح المعلم في يده؛ فعندما يذهب الطالب له ويشتكي المعلم تجده يأتي والطالب في يده وكأنه سيحاسب المعلم ويؤدبه أمام ابنه إكرامًا له وإهانة للمعلم، ناصحًا أولياء الأمور، بتربية أبنائهم بداية ثم محاسبة مَن يأتي على ابنه دون وجه حق بعد ذلك بدلًا من إهدار كرامة المعلم أمام الطالب.

غياب التربية على نهج النبي

وأوضح محمد صفوت الوفائي، معلم بأحد المعاهد الأزهرية الخاصة، أنه عندما غابت الرقابة من أولياء الأمور وغابت التربية، خاصة تربية المفاهيم الدينية والمفاهيم السلوكية وتعليمهم نهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في احترام المعلم وأنه الأب الثاني للطالب بعد أبويه في البيت كان لزامًا على الطالب أن يتطاول على معلمه.

وأشار "الوفائي" –في تصريحات لـ"الفتح"– إلى أن هذه السلوكيات تظهر بشكل أكبر في المؤسسات التعليمية الخاصة؛ إذ يجعل أولياء الأمور أموالهم تتحدث عنهم لا أخلاقهم؛ فهم لا يعرفون أن العلماء ورثة الأنبياء ولا يعرفون أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بُعث معلمًا ومربيًا فهي القيمة العظمى التي لا تفوقها قيمة وتدانيها كل القيم.

سوء التعامل مع المعلم

وأكد "الوفائي" أن بعض أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة، وبعض المديرين لا يفقهون شيئًا عن الإدارة، فيرفعون من شأن الطالب على معلميه، وإذا أخطأ المعلم عاقبوه بالجزاءات أو الطرد من المؤسسة؛ ويجعلون الطالب في المقام الأول؛ لأنه يدفع الأموال، وإن أخطأ الطلاب في حق المعلم لا يعاقبونهم؛ لأنهم يدفعون وغيرهم من المعلمين في نظرهم يأخذون، ناصحًا أولياء الأمور قائلا "العلم والتربية من رسالة الأنبياء والمرسلين، ربّوا أبناءكم وعلموهم أن المعلم أعلى مكانًا من كل ما دونه، وأنه صاحب الحق الأكبر من الاحترام والتقدير".

أسباب تغير سلوك الطلاب والحلول

وقال محمد عطية، معلم لغة إنجليزية: إن تغير سلوك التلاميذ والطلاب في المدارس ناتج عن عدة أسباب، الأول: الأسرة وولي الأمر، الذي يحث أولاده على الرد على المعلم بجملة "لو حد عمل فيك حاجة قولي"، فهي جملة كارثية تقلل من شأن المعلم وتُجرئ الطالب على معلمه، وغياب التربية السليمة للأطفال؛ نتيجة انشغال الأب والأم بالعمل والاعتماد على الدروس الخارجية دون متابعة حقيقية لهم، والثاني: المدرسة؛ إذ لا تحمي المدرس بالقدر الذي يحفظ له مكانته وهيبته، بالإضافة إلى إلغاء درجات الحضور والالتزام الدراسي والتي كان معمولًا بها بواقع 5% من المجموع فأصبح الطلاب لا يهابون المدرس ولا المعلم، والثالث: الإعلام وتهميشه لدور التعليم في بناء مجتمع قوي مبني على أساس الحقوق والواجبات.

ضياع هيبة المدارس والمعلمين

ويرى الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، أن مكانة المؤسسة في نظر عملائها تتحدد نسبة لقدرة المؤسسة على أداء مهامها الموكلة لها، وهو ما يرتبط بالنظام الدقيق الذي تتبعه وبتحقيقها لمبدأ تكافؤ الفرص بين العملاء، والمدرسة كانت تتمتع بالهيبة منذ 60 عامًا.

وأضاف "مغيث" –في تصريحات لـ "الفتح"– حاليًا ارتفعت كثافة الفصول ولم تعد المدارس مهيأة لدورها التعليمي، والطلاب أصبحوا يعرفون أن مَن يتعلم فهو يتعلم خارج المدرسة في الدروس الخصوصية أو السناتر الخارجية؛ فأول سبب من أسباب تدهور مكانة المدرسة أنها فقدت مهمتها وهدفها الرئيسي ولم تعد تستطيع القيام بأي دور من أدوارها فكأننا حبسنا الأطفال داخل المدرسة ليتحولوا إلى عصابات يضيعون أوقاتهم حسب ما يحبون، وفقد المعلم هيبته بالنسبة للطالب فهو يتعلم من المعلم الخارجي، والمعلم أيضا فقد حماسه كونه لا يتقاضى رواتب مجزية ويهان من وزراء التعليم ووسائل الإعلام صباح مساء.

عودة الاهتمام بمجانية التعليم

وأوضح الخبير التربوي، أن الحل يكمن في إيمان الدولة بالتعليم والاهتمام مرة أخرى بالتعليم الحكومي ومجانية التعليم وعلاج مشاكل المدارس من كثافة الفصول المرتفعة وتوفير كل الوسائل التعليمية من معامل ومكتبات وملاعب داخل المدارس، ورفع رواتب المعلمين، وسد العجز في الفصول التعليمية والمعلمين، وأن تعيد الدولة التعليم لمكانته وتسحب البساط من أيدي السناتر التعليمية والدروس الخصوصية؛ وقتها سيسود المدارس مرة أخرى الهدوء والنظام واحترام الطلاب لمعلميهم.