الجمود يخيم على أزمة لبنان

مظاهرات مرتبطة بالتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.. ودعوات للتوافق للخروج من الأزمة

  • 23
الفتح - د. مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية

يعيش لبنان أحداثًا مأساوية منذ انفجار مرفأ بيروت يوم الرابع من أغسطس 2020م، الذي خلف دمارًا وخسائر كبيرة في الأرواح والأموال، واستقالت بسببه حكومة البلاد برئاسة حسان دياب، وتجددت الأحداث يوم السبت الماضي بسبب تظاهر واعتصام ضحايا هذا الانفجار أمام مركز لأمن الدولة في العاصمة احتجاجًا على اعتقال شقيق أحد الضحايا، مطالبين  بإطلاق سراحه؛ مما تسبب في مواجهات بينهم وبين قوات الأمن.

واعتقلت سلطات الأمن اللبنانية وليام نون -الناشط السياسي والمتحدث باسم عائلات الضحايا- على خلفية مهاجمته قصرَ العدل وتهديده بتفجيره بالديناميت إذا عُين قاضٍ آخر بجوار طارق البيطار قاضي التحقيق في حادث انفجار المرفأ، ثم أُطلق سراحه فيما بعد، واعتصم المتظاهرون أمام قصر العدل في بيروت ورشقوه بالحجارة وكسروا الألواح الزجاجية لنوافذه، وهاجموا المقر وأتلفوا بعض محتوياته واقتحموا مكاتب عدد من القضاة.

وأصدر نادي قضاة لبنان بيانًا أكد فيه أنهم ليس لهم ذنب في توقُّف التحقيقات منذ حوالي عام، وناشد الأهالي بحسن توجيه غضبهم نحو المعرقلين الحقيقيين لمسار التحقيقات، منوهًا بأن أسباب تلك العرقلة سياسية محضة، مشددًا على أن العدالة آتية لا محالة.

في هذا الصدد، قال الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن هناك تساؤلات عدة مرتبطة بالمشهد اللبناني والتحقيق في انفجارات المرفأ، والقاضي طارق البيطار تحديدًا، لافتًا إلى أن المشهد اللبناني معقد للغاية بسبب الطائفية.

وأضاف غباشي لـ "الفتح" أن اختيار الرئيس لن يتم دون توافق داخل الطائفة المسيحية المارونية، وكذلك منصب رئيس الوزراء بخصوص الطائفة السنية، وبالمثل منصب رئيس البرلمان بالنسبة للطائفة الشيعية؛ وهم الثلاث طوائف الأكثر تحكمًا داخل المشهد السياسي اللبناني، إضافة إلى شخصيات سياسية فرضت نفسها، ومن الصعب بمكان انفكاك هذا المشهد دون الرجوع إليهم، مثل نبيه بري وحسن نصر الله وسعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، وغيرهم؛ وكذلك المشهد المسيحي "تيار الوطن الحر" وزعيمه وغيره من الشخصيات المسيحية المارونية وغير المارونية مثل وليد جنبلاط وسمير جعجع؛ وتلك الشخصيات بهذا الشكل الطائفي تمنع أي نوع من المحاسبة وهذا ما عقد وعرقل التحقيق في انفجار المرفأ؛ فأولًا عُين القاضي فادي صوان ثم طارق بيطار، والأخير كان رئيس دائرة جنائية في بيروت ومشهودًا له بالكفاءة.

وتابع أن آليات استدعاء الكثير من الشخصيات السياسية مثلما حدث مع حسان دياب رئيس الوزراء الأسبق والجدل الكثير المثار بشأنه، وبعض الشخصيات السياسية الأخرى وآليات محاسبتها عقَّد التحقيق في الانفجار، وأهالي الضحايا يثقون في "بيطار" بسبب كفاءته، لكن المشكلة أنه لم يستطع ممارسة تحقيقه بحرية بسبب وقوف بعض الشخصيات الطائفية في طريقه، بخصوص استدعائهم أو الحديث بشأنهم أو التحقيق معهم، أو معرفة دوافع هذا الانفجار.

وأشار إلى أن فشل اللبنانيين في اختيار رئيس حتى الآن يرجع إلى تلك الطائفية، والإشكالية تتمثل في ضرورة وجود توافق سياسي حول الكتل السياسية الأكبر في الداخل اللبناني. مردفًا أن الإتيان بشخصَي الرئيس ورئيس الوزراء سيكون لهما تأثير إقليمي أيضًا، وهناك دول لا بد أن تمرر تلك الأسماء ضمنيًّا إليها كإيران وعلاقتها بحزب الله، والسعودية صاحبة التأثير العربي الأكبر داخل لبنان، وفرنسا الدولة الكبرى صاحبة التأثير الكبير في لبنان، علاوة على حزب الله صاحب المعادلة الصعبة داخل لبنان – بل إنه جزء مهم في المعادلة الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط كأحد الأذرع الإيرانية القوية- ولا يمكن تمرير أي رئيس دون موافقة ضمنية منه. والمخرج من كل تلك الأزمات ليس سهلًا، وتظل المعادلة الصعبة هي هل يستطيع لبنان الخروج من مجال الطائفية السياسية إلى التعددية الحزبية أو "التكنوقراط"؟

أما الدكتور أحمد مصطفى، الباحث السياسي ورئيس مركز آسيا للدراسات السياسية والاقتصادية، فيرى أن الوضع اللبناني ملتبس بسبب الطائفية السائدة هناك؛ فإذا اختير شخص من طائفة ما اعترضت عليه بقية الطوائف؛ لذلك يصعب الاجتماع على شخص.

وأضاف مصطفى لـ "الفتح" أنه إذا توقف تدخل القوى الكبرى وحلفائهم في الشأن اللبناني فإن اللبنانيين يستطيعون التوافق على رئيس تسير خلفه البلاد، وحزب الله لديه تدخل في كيفية اختيار الرئيس لأنه يريد كذلك شخصًا يحمي مصالحه؛ والمخرج من هذه الأزمة وأزماتنا العربية كلها يتمثل في العمل العربي الجماعي الموحد ولنا في مجموعة "آسيان" الدرس والعبرة، فما المانع من إنشاء اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي؟