تحري ليلة القدر

نهى عزت

  • 65

بعد صلاة الفجر وقبل طلوع الشمس في أحد صباح العشر الأواخر من رمضان، تطلعت إلى أختها فوجدتها تنظر إلى السماء وكأنها تبحث عن شيء ما، فخاطبتها يا ترى ما الذي يشغلك وجعلك اليوم لا تحرصين على جلسة الشروق كما تفعلي كل يوم؟ قالت لها أختها في الحال: أترقب طلوع الشمس حتى أرى هل وافقت الليلة ليلة القدر أم أنها ليلة عادية؟ ردت عليها أختها وقالت: وهل في العشر الأواخر من رمضان ليلة عادية وليلة غير عادية؟! والله إنها ليالٍ كلها فضل وفيها من الخير ما لا يحصى، نعم فيها ليلة القدر خير من ألف شهر، ونحن اتفقنا على استغلال مواسم الطاعات، لكن ألا تنتبهي أخيتي لماذا أخفى الله عنّا هذه الليلة ولم نعلم تحديدًا متى هي؟ لحكمة عظيمة؛ حتى نجتهد طوال العشر ولا نتكاسل باقي الليالي، وجعل موعدها بالتحديد مخفيًا عن العباد ليتنافسوا ويجتهدوا بالعبادة في جميع الليالي الأخيرة.

 ليلة القدر ليلة مباركة أنزل فيها القرآن، ليلة لو قمناها إيمانًا واحتسابًا غُفر لنا ما تقدم من ذنوبنا. وأرشد النبي إلى ذلك وقال عليه الصلاة والسلام: "التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ" إذًا ما علينا فعله حقيقة هو تحري هذه الليلة بالعبادة والتعرف على كيف نستغل تلك الليالي وتتبع أفضل الأعمال من صلاة وذكر وقراءة قرآن وخصوصًا الدعاء، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةِ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللهمَّ إنك عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي".

وبالطبع نبتعد فيها عن كل معصية وكل ما يلهينا عن العبادة حتى لو كان أمرًا مباحًا. احرصي على الاستعداد بجدول يناسب وقتك وانتهزي فيه كل لحظة من وقت غروب الشمس إلى طلوع الفجر بين تأدية الفرائض والسنن كلها بخشوع، والذكر وقراءة القرآن والحرص على الدعاء والاستغفار وإن استطعت إخراج صدقة فافعلي فلا تدري أي عمل يقبل والله سبحانه وتعالى يجازي بالإحسان فضلًا وإحسانًا.

لاحقتها سائلة: هل هناك علامات ظاهرة تخص ليلة القدر؟ نعم، هناك علامات جاءت في بعض الآثار الصحيحة تميز تلك الليلة رغبة في استباق الخير فيها والتزود للآخرة، وهناك علامات في أثنائها، وعلامة بعد انقضائها، فالأولى بمثابة الترغيب على إحيائها، والأخرى بمثابة المبشر لمن عمل الصالحات فيها، والخاسر من ضيع وفرط كل هذا. أما التي في أثنائها فمنها "إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا.." وأما العلامة التي تأتي بعد انقضائها فهي: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها"

لكن لا يعني هذا أن ننتظر كل ليلة هذه العلامات وإذا ظهرت إحداها نقصر في باقي الليالي، ونتعامل وكأن الشهر قد انتهى، وبالتالي نُضيع على من قصر في الليالي السابقة فرصة اللحاق بالركب، أو يعتقد أنه ليست هناك فرصة في المغفرة والعتق من النيران، ونضيع على أنفسنا ليالي فيها من الخير وعظم الجزاء لمن أقام وتهجد ولحزبه من القرآن لم يفوت، وتضرع إلى ربه بالدعاء ولازم الاستغفار والتوبة والتزود من كل خصال البر والتقوى.

فعلى المسلم أن يبذل جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله وفي العشر الأواخر أكثر، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

نسأل الله أن يبلغنا ليلة القدر ويوفقنا فيها لعمل صالح يتقبله منا.


الابلاغ عن خطأ