"الفتاوى المفبركة".. ظاهرة مشينة تغزو الفضائيات

  • 39
الفتح - أرشيفية

داعية أزهري: يُكره السؤال عما لا ينفع.. وتبجيل العلماء أمر واجب

باحث إعلامي: نعيش في عصر تحكم التريند والإغراق في الغرائب

"امرأة تدّعي أنها صنعت سحرًا عند دجال لتتزوج برجل وتفرقه عن زوجته، فتعلم زوجته الأولى بالأمر فتذهب لذات الساحر فيصنع لها عملًا، فتعلم الأخرى بذلك، فتسأل على أحد القنوات الفضائية الخاصة: هل يمكن أن أقترض مالًا لعمل سحر؟".. هذا نموذج من المداخلات الهاتفية المصطنعة وغيرها بالعشرات من القصص التي لا يصدقها عقل من أجل التريند ورفع مشاهدات البرامج على شاشة القنوات الفضائية عبر اختلاق ردود الأفعال.


ويرى دعاة وخبراء إعلام أن هذه الظاهرة تسقط هيبة العلم والعلماء وإن كان لا يقصد أصحاب هذه التصرفات ذلك، فيما أرجعوا السبب وراءها إلى الكم الهائل من القنوات والوسائل، والمنافسة الكبيرة بينها، ما يدفعها إلى "اللهث" وراء التريند، لجذب أكبر شريحة من الجمهور. 

في البداية، يقول الدكتور محمد ربيع، من علماء الأزهر الشريف، إن مثل هذه الأفعال تسقط هيبة العلم والعلماء وإن كان لا يقصد أصحاب هذه التصرفات ذلك، وحتى نحسم الحديث في هذه المسألة دون الدخول في مهاترات كلامية لن نخرج منها بفائدة، فإن هناك آدابًا يجب أن يتحلى بها السائل أو المستفتي.

ويضيف "ربيع" في تصريحات خاصة لـ "الفتح"، أن هناك ضابطًا يحدد لنا كل هذه الأمور وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم"، فكثرة السؤال فيما لا ينفع، والسؤال في سفاسف الأمور التي تصل حد التكلف، والسؤال من أجل الظهور أمام الجموع لإفحام المفتي وإحراجه؛ فكل هذا مكروه في ديننا الحنيف.

ويتابع العالم الأزهري: "فما بالكم بمن يخترع القصص ويؤلفها من أجل تحقيق المشاهدات فإن هذا يدخل في باب الكذب، وقد صادفت أمورًا أخرى يندى لها الجبين، كأن يسرد أحدهم واقعة ويسقط بعض الحقائق من أجل أن ينتزع فتوى تتماشى مع أغراضه الدنيوية".

ويؤكد أن من الآداب التي يجب أن يراعيها المستفتي تقدير أهل العلم واحترامهم والتأدب خلال طرح سؤاله، فلا يناديه باسمه على سبيل المثال مجردًا وإنما يوقره ويبجله بأن يقول مثلًا: فضيلة الشيخ، فمن السنة توقير أهل العلم.

ويستشهد الداعية الأزهري بما ذكره الإمام النووي في المجموع حيث قال: "ينبغي للمستفتي أن يتأدب مع المفتي ويبجله في خطابه وجوابه ونحو ذلك، ولا يومئ بيده في وجهه ولا يقول له ما تحفظ في كذا؟ أو ما مذهب إمامك؟ ولا يقول له إذا أجابه: هكذا قلت أنا، ولا يقول: أفتاني فلان بكذا، ولا يقول له: إن كان جوابك موافقًا لما كتب فاكتب وإلا فلا تكتب، ولا يسأله وهو قائم أو على حالة ضجر أو غير ذلك مما يشغل القلب".

من جهته، يرى الدكتور باسم العربي، الباحث في شؤون الإعلام ورصد الجماهير، أننا نعيش في عصر تحكم التريند والإغراق في الغرائب وفعل الأفاعيل من أجل جذب المشاهدين، ولا يمكن السيطرة على هذا المشهد العبثي بسبب تعدد وتنوع منصات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها.

ويضيف "العربي" في تصريحات خاصة لـ "الفتح": ينبغي الاعتراف بأننا لن نستطيع أن نسيطر على هذا العالم سواء بالحجب أو حتى سن القوانين وإن كان هذا الأمر ضروريًا، إلا أنني أرى في زرع القيم والتربية الصحيحة التأثير الأقوى وإن كان على مدى بعيد، من خلال تفعيل دور المحاضن التربوية من خلال تدشين المنصات التربوية على تلك المنصات.

ويشدد الباحث في شؤون الإعلام على ضرورة تفعيل ميثاق شرف إعلامي يُعلي من قيمة المحتوى لا الإثارة، لافتًا إلى ضرورة الاهتمام بالبرامج الثقافية الترفيهية الهادفة بشكل احترافي غير ممل حتى نجذب النشء إليها، فلا يمكن أن نمنع أبناءنا من أمر دون إعطاء البديل.


الابلاغ عن خطأ