عن ظاهرة التسول.. داعية لـ"الفتح": على الأغنياء أن يبحثوا عن المتعففين من مستحقي الصدقة

"شكري": التسوُّل أكل لأموال الناس بالباطل

  • 62
الفتح - الدكتور أحمد شكري، الداعية الإسلامي

قال الدكتور أحمد شكري، الداعية الإسلامي: إن التسوُّل نوعٌ مِن أكل أموال الناس بالباطل، مضيفا "إننا لو نظرنا إلى الإسلام سنجد أنه قد حارب التسول، وبالَغ في النهي عن مسألة الناس، وقد قال تعالى عنِ الصدقاتِ ومستحقيها: ﴿لِلْفقرَاءِ الَّذينَ أحْصرُوا فِي سَبيلِ اللّهِ لَا يَسْتَطيعُونَ ضَربًا فِي الْأَرْضِ يَحسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنيَاءَ منَ التَّعَفّفِ تَعْرفُهُمْ بِسِيمَهُمْ لَا يَسأَلُونَ النَّاسَ إِلْحافًا وَما تُنْفِقوا منْ خَيرٍ فإِنَّ اللّهَ بِه علِيمٌ﴾ [البقرة: 273]؛ أي: إن الصدقة ليست لهؤلاء المتسولين القادرين على العمل، ولكنها للفقراءِ الذين لا يستطيعون السعي في طلب الرزق، ويحسَبُهم الجاهل أغنياء من التعفف؛ لأنهم لا يسألون الناس شيئًا ولا يتسوَّلون، ولكن تعرِف أنهم فقراء بسماتِ الفقر التي تظهر عليهم.

وتابع "شكري" -في تصريحات خاصة لـ"الفتح"-: أما القادر على العملِ فلا تحلُّ له الصدقةُ؛ لِما رواه الترمذي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا تحلّ الصدقةُ لغني ولا لذي مِرّةٍ سوِيٍّ)؛ أي: صاحب القوة الجسدية، الذي يتميز بسلامة أعضائه، وفي قوله تعالي: (لِلْفقرَاءِ الَّذينَ أحْصرُوا فِي سَبيلِ اللّهِ) يبين الله تعالى تصنيف من يستحق الصدقه وهو أن يكون من الفقراء الذين أحصروا في سبيل الله وهذا كان في بداية الإسلام؛ إذ كان الفقراء محبوسين في البلاد ولم يكونوا يستطيعون الخروج منها لتسلط الكفار عليهم وحصارهم وتعذيبهم لهم، أي ليس كسلا عن العمل أو استسلاما للظروف. 

وأوضح أن قوله تعالى (لَا يَسْتَطيعُونَ ضَربًا فِي الْأَرْضِ) يعني أنه يجب أن يكون هناك سبب منطقي لمن يطلب الصدقة "هل هي مجرد حرفة، أو اعتماد على الغير، أو نصب، أم أنه حقا لديه مرض مُقعد أو ظروف قهرية لا تجعله يستطيع أن يتكسب؟"، مشيرا إلى أن قوله تعالى (يَحسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنيَاءَ منَ التَّعَفّفِ) يعني أن تكون هذه الصفة موجودة في مستحق الصدقة، وهي أن يكون متعففا.

وقال الداعية الإسلامي: اعتدنا كل يوم وبعد كل صلاة تقريبا على مناظر مؤذية، ومشاهد مؤلمة، يقوم بتمثيلها فئة من الشباب المدربين على إتقان صناعة النصب والاحتيال بممارسة مهنة الشحاذة، وأكل أموال الناس بالباطل، ولهم في ذلك أحوال وأشكال، فمنهم من يقوم بتجبيس يده أو رجله أو أي جزء من جسده، ومنهم من يتصنع البلاهة والجنون، ومنهم من يدعي الإصابة بحادث أو موت والد أو أم، أو حصول مرض، أو ترك ديون، وتُرك له أخوة وأخوات، ويقوم برعايتهم والإنفاق عليهم، والدين أثقل كاهله ولا يستطيع السداد، ومنهم من يفتعل البكاء وقد يجلب معه ابن الجيران أو ابنتهم ليمارس الشحاذة بها؛ لاستعطاف القلوب، وقد يقسم بالله كاذبا أنه لولا تلك الديون، وعظم المسؤولية لما وقف أمام الناس، وغير ذلك من الأعذار والأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد من العقلاء.

وشدد "شكري" على أن من  لديه أموال ليس مطلوبا منه مقاومة البخل والشح فقط وإعطاء ماله لأقرب سائل، ولكن مطلوب منه أن يبحث عن مستحق الصدقة من المتعففين، ولو ترك المجتمع هذا المتعفف حتى يهلك وأعطى المتسول الذي يطلب رغم عدم حاجته فهذا إثم عظيم بسببه يمكن أن يهلك المتعفف دون أن يدري عنه أحد ويصبح النصاب من الشحاذين مليونيرا دون جهد.

وأكد أن الأغنياء هم السبب الأكبر في زيادة عدد المتسولين؛ لأنهم يستسهلون ولا يبحثون عن المتعففين للأسف، لافتا إلى أن من الأشياء  السيئة التي تعلمناها من الحضارة الغربية هي الفردية؛ فللأسف الأغلبية الآن منطوية على نفسها لا تعلم بحال غيرها، ويأتي آخر الشهر ليُلقي بعضًا من ماله لأي سائل قريب جاء إليه لا يريد أن يجتهد ويُرهق نفسه في البحث عمن يستحق، مؤكدا أن الصدقة ليست مجرد مالٍ يخرج، ولكن رباط بين الناس وبين أفراد المجتمع، وقوله تعالى (تَعْرفُهُمْ بِسِيمَهُمْ) أي بخبرتك الاجتماعية ومعرفتك بأحوال من حولك، أي إن هناك تبرع ذكي، وليس مجرد رمي للأموال، فلابد ألا تنخدع بهذه المظاهر الكذابة.

واختتم الداعية الإسلامي حديثه عن هذه المشكلة المجتمعية المستفحلة بتوصية مهمة، وهي أننا نجد من خلال ما سبق أن موضوع التسول بحاجة إلى المزيد من الدراسة والمتابعة، تشارك فيه الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، للقضاء على هذه الظاهرة غير الحضارية، والتى تسيء إلى سمعة المجتمع المسلم بأسره، إذ تبين من خلال العرض أن الإسلام برئ من هذه الظاهرة.