تهذب النفس وتصلحها.. "برهامي" يوضح عددا من العبادات التي شرعها الله في رمضان

  • 36
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

قال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية: شرع الله -عَزَّ وَجَلَّ- في رمضان مِن الصيام عن الطعام والشراب والشهوة المحرمة، مشيراً إلى أنه حتى الشهوة التي أباحها الله -عَزَّ وَجَلَّ- في غير نهار رمضان جعلها في نهاره محرمة؛ ليكون الإنسان أملك لإربه ولنفسه، فإذا كان يمتنع مِن الحلال في النهار فهو أملك أن يمتنع عما حرم الله مطلقًا في الليل والنهار: مِن الفروج المحرمة، والنظر إلى العورات المكشوفة، وغير ذلك مِن الشهوات.

 وأضاف "برهامي" -في مقال له بعنوان "بين يدي رمضان (1)" نشرته جريدة الفتح- أن الإنسان إذا تحكم في هذه الشهوات ثم علم أن مِن آداب الصيام ومِن واجباته أن يمتنع عن قول الزور، والغيبة والنميمة، والعمل بكل باطل، كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) [رواه البخاري]، وقال: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) [رواه أحمد وابن ماجه، وقال الألباني: حسن صحيح]؛ موضخا: فمَن لم يصن سمعه، وبصره، وآذى جيرانه ومَن حوله، واغتاب ونَمَّ؛ لم يكن صائمًا الصوم المشروع!، متابعاً: وهذه هي خُلطة الفساد التي يفسد الإنسان بها فيما حوله؛ فهذا ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، كما قال أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ودع أذى الجار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء!".

وتابع: ثم إذا اقترب الشهر مِن نهايته في الثلث الأخير شرع الاعتكاف؛ ليتخلص الإنسان مِن فضول الاختلاط المباح؛ بالإضافة إلى أنه تخلص في أثنائه مِن الاختلاط المحرم، فإذا اعتكف في المسجد إلى آخر الشهر كان ذلك عونًا له على تحصيل حياة قلبه، وإخلاصه لله، مشيراً إلى أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعتكف العشر الأواخر مِن رمضان، ويلتمس ليلة القدر، التي قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:3].

واستطرد نائب رئيس الدعوة السلفية قائلاً: ثم شرع في أثناء رمضان وفي خاتمته خصوصًا، إنفاق الأموال في طاعة الله -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فالصدقة في رمضان مضاعفة كما تضاعف الأعمال الأخرى، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل -عليه السلام- فيدارسه القرآن، فكان الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود بالخير مِن الريح المُرسَلة.

واستكمل: وشرع في آخر رمضان وجوبًا صدقة الفطر، عن كل صغير وكبير، وحُر وعبد، وذكر وأنثى مِن المسلمين؛ موضحاً أنه إذا تمكن الإنسان مِن هذه النفقات تمكن مِن التخلص مِن تعلق القلب بالمال، وتخلص مِن عبودية الدرهم والدينار والقطيفة والخميصة، متابعاً: وكذلك شرع له أن يفطر الصائمين: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) [رواه الترمذي، وصححه الألباني]، وذلك ولو حتى على شربة ماء أو تمرات أو غير ذلك، وليس المقصود ساعة الفطر فقط، بل يدخل في ذلك كل طعام يُطعمه إياه؛ فلا يتحتم ليأخذ الإنسان أجر الصائم أن يكون الذي أطعمه ساعة فطره دون ما يلي ذلك، فلو كان يفطره -مثلًا- على تمرات ثم يطعمه بعد ذلك؛ فكل ذلك داخل في إفطار الصائم.

وتابع: وشرع كذلك في شهر رمضان الإمساك عن فضول الكلام، وذلك أن الإنسان إذا تكلم كثيرًا كان ذلك مِن أسباب وقوعه في الباطل غالبًا؛ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) [متفق عليه]؛ متابعاً: ولذا كان انشغال السلف بالقرآن في شهر رمضان، وذلك لأنه يشغل الإنسان بالطاعة ويوقد في قلبه حقائق الإيمان، وينور صدره وقلبه بنور الله -عَزَّ وَجَلَّ- المنزل مِن عنده -سبحانه وتعالى-؛ فيهتدي الإنسان إلى الصراط المستقيم، ويتغير سلوكه وتتغير حياته إلى ما يحب الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويرضى، مضيفاً: وكلما أكثر الإنسان مِن تلاوة القرآن وتدبره استيقظ مِن غفلته، وأدرك أن الحياة هي أقصر ما يكون، وأضيق ما يكون، وأصغر ما يكون، وأن الحياة الحقيقية ليست في هذه الدنيا، وإنما هي في الدار الآخرة: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت:64].

واستطرد "برهامي" قائلاً: وكذلك شرع لنا في رمضان أن نتحكم في أنفسنا في قضية الكسل وكثرة النوم؛ ففضول النوم مطلوب تركه لما شرع الله -عَزَّ وَجَلَّ- لنا مِن القيام؛ فليكن هذا الشهر فرصة لنا لتحقيق التقوى، مشيراً إلى أن أسباب تهذيب النفس وإصلاحها تدور حول هذه الأشياء.