الإسلام في إسبانيا.. "الفتح" تستعرض النشاط الدعوي للأقلية المسلمة وأهم المراكز التابعة لها

  • 42
الفتح - جامع قرطبة الكبير وهو الآن كاتدرائية رومانية كاثولكية

وصل الإسلام إلى إسبانيا مبكرًا، وذلك عندما فتح المسلمون شبه جزيرة إيبريا عام (93 هـ - 711 م) واكتسح المد الإسلامي أكبر مساحة من شبه جزيرة إيبريا فلم يمض على دخول المسلمين ثلاثون عامًا إلا وكانت إيبيريا بكاملها في حوزة الإسلام، وتحول الفاتحون إلى مهاجرين واستوطنوا البلاد، بل تجاوزها نفوذهم إلى جنوب فرنسا، وأدخل المسلمون في إيبريا زراعة المدرجات الجبلية، ومدوا شبكات الرى المعقدة، وأدخلوا محاصيلا جديدة، وتحولت البلاد إلى مشعل حضارة.

وانتهى حكم المسلمين في إسبانيا بسقوط غرناطة سنة (898 هـ- 1492 م) بعد عقد معاهدة بين فردناند وايزابلا يلتزمان بها باحترام الدين الإسلامي ولكنهما نقضا المعاهدة وحاكما المسلمين أمام محاكم التفتيش التي أصدرت أحكامها بالإعدام حرقًا على أعداد كبيرة من المسلمين واستمرت هذه المحاكم تمارس سلطانها أكثر من ثلاثة قرون ولم تُلغ إلا في القرن الثامن عشر.

وهاجرت أعداد كبيرة من المسلمين إلى بلاد المغرب، واضطر من بقي أن يخفي عقيدته سرًا وهم الموريسكيون والذين تمردوا سنة (976 هـ - 1568 م)، ولما يأس الإسبان من إجبارهم على ترك دينهم أمروا بطردهم من إسبانيا سنة (1019 هـ - 1610 م)، على الرغم من أن المسلمين طيلة ثمانية قرون لم يجبروا أحدًا على اعتناق الإسلام وتركوا للنصارى حرية ممارسة شعائرهم.

وتواجه الأجيال المسلمة الجديدة الموجودة في قارة أوروبا خطرًا داهمًا جراء تعرضها لمسخ الهوية الإسلامية والانسلاخ من الدين.


المؤسسات الإسلامية والنشاط الإسلامي والدعوي في أسبانيا:

تقوم الجالية الإسلامية في أسبانيا بعدد من المناشط الدعوية بين أفراد الجالية، بغية توفير التوجيه والثقافة الإسلامية. وهناك جهود فردية محدودة لدعوة غير المسلمين من خلال المحاضرات وتوزيع بعض النشرات.


ويمكن تفصيل النشاط الإسلامي والدعوي كما يلي:

النشاطات المحلية: تتمثل نشاطات المسلمين الإسلامية والدعوية على المستوى المحلي بإقامة الصلوات الخمس في المساجد والمراكز الإسلامية وكذلك إقامة صلاة الجمعة والعيدين في مناطق تجمع المسلمين، ويوجد عدد من المساجد الرئيسة والمراكز الإسلامية التي تؤدى فيها الشعائر الإسلامية.

تُظهر سجلات وزارة العدل الأسبانية حوالي ۹۰ مركزًا إسلاميًا مسجلًا لديها كأماكن للصلاة والنشاطات الإسلامية، ويتم في هذه المراكز بالإضافة إلى أداء الصلوات، إلقاء بعض المحاضرات الإسلامية وإقامة بعض المناسبات الاجتماعية، مثل عقود الزواج وإجراءات تجهيز الموتى وغير ذلك. هذا بالإضافة إلى تعليم القرآن الكريم واللغة العربية في عطلة الأسبوع في معظم المراكز الإسلامية.


وفيما يلي استعراض لأهم الجمعيات والمراكز الإسلامية ذات النشاط المحلي في أسبانيا:

مسجد الملك عبد العزيز: يقع هذا المسجد في ماربيا المطلة على شاطئ البحر جنوبًا وهي منطقة سياحية، ويزداد فيها عدد مرتادي هذا المسجد في فترة الصيف بوجه خاص. ورغم قلة من يؤدون الصلوات الخمس في هذا المسجد، إلا أن العدد يزداد كثيراً يوم الجمعة، حيث يأتي بعض المصلين من المناطق المجاورة، ويعد هذا المسجد أول مسجد في العصر الحديث يبنى على أرض أسبانيا وقد افتتح مؤخراً مسجد ومركز إسلامي آخر في ملقا بجنوبي أسبانيا ليخدم المسلمين في هذه المنطقة السياحية المهمة.

المركز الإسلامي في أسبانيا: حصل المركز الإسلامي في مدريد عام 1917م على ترخيص من وزارة العدل الأسبانية باسم الجمعية الإسلامية في أسبانيا وقد أنشئت فروع للمركز الإسلامي في بعض المدن الأسبانية، وبعد أن حدث خلاف بين أعضاء اتحاد الطلبة المسلمين، انقسم النشاط إلى مؤسستين رئيستين هما المركز الإسلامي في مدريد والجمعية الإسلامية، وللمركز الإسلامي نشاط ملحوظ في ترجمة الكتب وطباعتها وإقامة بعض المناشط الدعوية.

الجمعية الإسلامية في أسبانيا: ولها فروع في عدد من المدن الرئيسية وقد كان التنافس بينها وبين المركز الإسلامي في البداية ناتج عن خلاف في الرأي ولم يكن في صالح الجالية الإسلامية في أسبانيا، ويكاد يقتصر النشاط الإسلامي الجاد الموجه للعرب.

مقر الجمعية الإسلامية في أسبانيا في غرناطة وكانت تسمى جمعية عودة الإسلام إلى أسبانيا يديرها أحد الدعاة البريطانيين ويسمى عبد القادر الدرقاوي وكل أعضائها من الأسبان، ولها فرع في ملقا.

الجالية الإسلامية في أسبانيا: وكانت تسمى جالية المسلمين الأسبان ومقرها مدريد، وقد أصدرت بعض الكتيبات الإسلامية وجزءًا من ترجمة معاني القرآن الكريم، ولها فرع في قرطبة.

الجمعية الإسلامية في قرطبة: تأسست حديثاً بعد استلام مسجد أبي عثمان الذي أعطي لها من البلدية.

الجالية الإسلامية في أشبيلية: وهي خليط من الصوفيين وغيرهم من المسلمين الأسبان.

الجالية الإسلامية في ملقا: وهم أسبان مسلمون انفصلوا عن الصوفية.

الجالية الإسلامية في غرناطة: وهم مجموعة من الأسبان انفصلوا عن الصوفية.

الجالية الإسلامية في الميرية: ويرأسها أسباني مسلم، ويوجد في أسبانيا عدد من المعاهد والمراكز التي تهتم بالثقافة الإسلامية والعلاقات بين أسبانيا والعالم العربي ويقدم بعضها دروسًا في تعلم العربية ومحاضرات عن الثقافة الإسلامية.

جدير بالذكر أن للجالية الإسلامية في أسبانيا اتحادين مسجلين لدى الحكومة الأسبانية هما: الفيدرالية الأسبانية للهيئات الدينية الإسلامية واتحاد الجمعيات الإسلامية في أسبانيا، وقد انبثقت عن هاتين الهيئتين هيئة تمثل الجالية الإسلامية لدى الحكومة الأسبانية، وقد تم بين هذه الهيئة والحكومة الأسبانية اتفاق يحدد حقوق وواجبات الهيئة الإسلامية في أسبانيا.


النشاطات الإقليمية: تقوم الجالية الإسلامية ببعض النشاطات التي تشترك فيها مع بعض البلدان المجاورة في بعض الدول الأوروبية أو في دول شمال أفريقيا.

تتمثل هذه النشاطات في المشاركة بالمؤتمرات الدورية واللقاءات الخاصة بالقارة الأوروبية، سواء كان تم ترتيب هذا النشاط من قبل الجالية الإسلامية في أسبانيا أو من قبل إحدى الجاليات الأخرى في الدول الأوروبية المجاورة، ويحدث هذا عادة عندما تقيم كل جالية مؤتمرًا أو أكثر في السنة وتدعو إليه بعض أفراد الجاليات في الدول الأوروبية المجاورة، فمثلًا تقيم الجالية الإسلامية في فرنسا مؤتمرين، أحدهما في الشتاء والآخر في الصيف، وتدعو لهما بعض أفراد الجاليات الإسلامية في الدول الأوروبية المجاورة ومن بينها أسبانيا.


النشاطات العالمية: تقتصر النشاطات العالمية التي تشارك فيها الجالية الإسلامية في أسبانيا على المؤتمرات الخارجية التي تقام في العالم الإسلامي من قبل المسلمين في بلاد الأكثرية أو الجاليات الإسلامية في مناطق الأقليات المسلمة، ولا شك أن حضور مثل هذه المؤتمرات والنشاطات الإسلامية له أثر كبير على وعي المسلمين في الجالية، كما تسهم هذه اللقاءات في تبادل الأفكار والبرامج المفيدة للمسلمين في المجتمعات غير المسلمة، وفي الكثير من الأوقات يتم ترتيب هذه المؤتمرات من قبل بعض الهيئات الإسلامية ذات النشاط العالمي، مثل رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وغيرهما من الهيئات العالمية في الدول الخليجية وغيرها.