في حوار مع أسرة الشيخ "أبي إدريس".. "الفتح" تستكشف جوانب من حياة الشيخ الاجتماعية

  • 196
الفتح - المهندس محمد عبد الفتاح أبو إدريس، رحمه الله

أبو إدريس.. قيم الدعوة السلفية الزاهد كان في خدمة أهله وجيرانه

لم يكن يرد الإساءة بالإساءة.. ولم يذكر أي شخص بسوء

كان لا يحب الرفاهية الزائدة في الأثاث رغم مقدرته على شرائها

كان زوجًا كريمًا محبًا لزوجته.. وصديقًا ناصحًا لأبنائه وعطوفًا على أحفاده


الجميع يعرف المهندس محمد عبد الفتاح "أبو إدريس" -رحمه الله- على رأس العمل الدعوي السلفي، إذ استمر فيه لأكثر من نصف قرن، فكان بحق قيّم الدعوة السلفية وقائدها، لكن جوانب حياته الاجتماعية، تُعد مجهولة للبعض، لكنها لا تختلف كثيرًا عما كان معروفًا عنه -رحمه الله-، من حسن الخلق وطيب الأدب والبر والصلة والرفق واللين والصدق وعفة اللسان، عابدًا متعبدًا مبتعدًا عن الأضواء، كما كان زاهدًا في الدنيا.

تواصلت "الفتح" مع ابنته "هند"، التي كشفت كثيرًا من جوانب حياة الشيخ الراحل الأسرية، وكيف كان تعامله معهم أبًا وجدًا لأبنائهم، وزوجًا مع والدتهم، وتعامله وأخلاقه مع الجيران ونصائحه لأبنائه.

في البداية، وصفت "هند" نفسها بأنها "حبيبة قلبه وصديقته وابنته الوحيدة"، وذكرت أنه كان يقول لها "أنت نسخة مني"، موضحة أنها أخذت منه طبعه وصفاته وطريقة تفكيره، معتبرة أن هذا فخر لها.


أبوان لينان

وعن تعامل الشيخ -رحمه الله- مع زوجته، قالت نجلته "هند": "كان أبي زوجًا كريمًا محبًا يساعد أمي في إعداد الطعام أحيانًا وأعمال المنزل أحيانًا أخرى حسب وقته وصحته، فمثلًا بعد زواجي كان هو من يصنع الشاي كل صباح له ولأمي".

أضافت: "كان حائط صد لأمي عن التعامل مع الرجال، ومع كل ما هو خارج البيت، أكرمها وأعزها. وأيضا كان هينًا لينًا سريع الصلح في الخلافات، لا يحمل في قلبه ضغينة لأحد، لا أتذكر أنه ذكر أمي بسوء حتى لو حدث خلاف معها، كان عفيف اللسان لم يشتم أيًّا منا قط ولا نعتنا بأي لفظ سيء".

فيما أشارت إلى أنه كان معتمدًا على نفسه، فيفعل كل شيء دون أن يطلب من أحد، وتحمل مسؤولية أبنائه على أكمل وجه دون ضجر ولا سخط. مشيرة إلى أنه كان يعطي كل واحد منهم مساحته الشخصية ويترك له اتخاذ قراراته بعد نصحه وإرشاده، فيما عدا ما يخص الحلال والحرام فقد كان صارمًا شديدًا في هذا الجانب، وأنه كان يفخر بهم ويقول: "علمت أولادي أن يأخذوا قراراتهم بأنفسهم".

تابعت: "ربانا على مبدأ: انظروا إلى من هو أعلى منكم في الدين وأسفل منكم في الدنيا فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".


الزهد في الدنيا

وعن أسلوب معيشة الراحل أبي إدريس، بيّنت "هند" أنه كان لا يحب الرفاهية الزائدة في أثاث البيت أو الديكورات مع قدرته عليها، ولكن مبدأه أن يأتي بالأساسيات بأجود الأنواع من غير تبذير ولا رفاهية زائدة، إذ كان يرى أن ذلك من حب الدنيا والتعلق بها.

وعن حرص الشيخ على تعليم أبنائه كتاب الله، أكدت: "منذ صغرنا حرص على تعليمنا حفظ القرآن وتشجيعنا على ذلك"، وأضافت: "كنت وأنا صغيرة كلما حفظت سورة سمعتها عليه فكان يمدحني ويشجعني، حتى أتممت بفضل الله ختم القرآن وكذلك كان يفعل مع إخوتي، وكان يُذكرني بين الحين والآخر على عدم ترك ورد القرآن".

ومن القرآن إلى العلوم الشرعية، لم يتوقف الشيخ عن تعليم أبنائه، فتقول ابنته هند: "كان أبي -رحمه الله- قدوة لي في كل شيء، تعلمت منه كثيرًا من الأحكام الفقهية عن طريق الفتاوى التي كانت تأتيه من الناس، فقد كان رحمه الله كل يوم بعد دخوله للبيت يجلس ويحكي لنا سُئلت اليوم كذا وكان ردي كذا، وكنا نناقشه أحيانًا في بعض الأمور فيشرح لنا وهكذا كل يوم، كان حريصًا على تطبيق السنة في كل أموره فقد تعلمتها أيضًا من أفعاله وكان يذكرنا بها أحيانًا مع ذكر الدليل، كان دائم النصح لنا باتباع الدليل". 

أضافت قائلة: كان أبي صديقي وكاتم أسراري وناصحي الأمين، كان المستشار الذي نرجع إليه في الأمور الحياتية والمالية والشرعية، فالجلوس معه لا يُمل منه فقد كان غزير العلم واسع المعرفة في كل جوانب الحياة، ضحوك الوجه خفيف الظل بشوشا معنا ومع أحفاده، عنده صبر وطول نفس في الأشياء التي كنا نختلف معه فيها، فإذا تحدثنا في الموضوع أكثر من مرة كان يوضح لنا ويناقشنا كأنها أول مرة، وكان يقول لي (أنا معاك للآخر) وكان -رحمه الله- يعدل بيننا كلٌ بما يحتاج.


علاقته بالجيران

عن حسن خلقه عند تعامله معهم تقول: "كان أبي -رحمه الله- من حسن خلقه ينادي عليّ وهو يقف على باب غرفتي والباب مفتوح ويستأذن قبل أن يدخل".

وعن علاقته بجيرانه، أكدت أنها "كانت علاقة طيبة، وأحبه كلُ من تعامل معه وكانوا يشهدون له بحسن الخلق فهو لا يرد الإساءة بالإساءة أبدًا، ولا يحمل في قلبه شيئًا لأحد، كان لا يحب المشكلات والخلافات، ويبتعد عن كل ما يؤدي إليها".


آخر أيامه

تحكي "هند" عن آخر أيام الشيخ قائلة: "كان حامدًا شاكرًا صابرًا وراضيًا بقضاء الله، كنت أتألم لألمه لعلمي أنه ذكر أنه يتألم، فقد وصل إلى أعلى مراحل الألم، فقد كان -رحمه الله- حمولًا صبورًا لا يُظهر ألمه ووجعه لأحد فقد ورث ذلك من أمه رحمها الله وورثت منه أنا أيضًا هذه الصفة فكنت أشعر به تمامًا، كنت أبشره وأصبره أن الله سيمن عليه بالشفاء ولكن قدر الله وما شاء فعل، لا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون".

أوضحت: "رافقت أبي رحمه الله ولازمته في آخر عشر أيام من حياته، وكان ذلك حسن تدبير الله عز وجل، إذ كان لا يحب أن يثقل على أحد أو يطلب منه شيئًا ولكنه كان يحتاج للمساعدة في آخر حياته، فكان يعتذر لي أنه أثقل عليّ وكان يقول لي: "كنت لا أحب أن تريني وأنا في هذه الحالة" لعلمه مدى حبي له وأني أتألم عند رؤيته وهو مريض.

مختتمة: كان رجلًا نادرًا يصعب تكراره. اللهم اجز أبي خير الجزاء على ما علمنا إياه وعلى كل خير فعله معنا، اللهم جازه بالإحسان إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا، اللهم اجعل أعماله الصالحة أنيسًا له في قبره.