استمرار الصراع في السودان يفاقم الأزمة الإنسانية

خبراء: مؤتمر باريس يلفت الأنظار ولا يقدم الحلول الناجزة

  • 9
الفتح - أرشيفية

منذ أكثر من عام والمنطقة العربية والقارة الإفريقية تعيشان أزمة السودان الداخلية والصراع المسلح الدائر منذ 51 أبريل الماضي، بين الجيش الوطني وميليشيا "الدعم السريع"، وما خلفته من آثار داخلية وخارجية، وسط محاولات إقليمية ودولية لإيجاد سبيل لحل الأزمة، كان آخرها مؤتمر باريس الذي عقد يوم 15 أبريل الجاري، وتعهد المجتمعون فيه بتقديم مساعدات إنسانية للسودان تفوق ملياري يورو؛ وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "يمكن أن نعلن أنه سيتم في المجمل تعبئة أكثر من ملياري يورو".

ستسهم دول الاتحاد الأوروبي بما قيمته 900 مليون يورو من تلك التعهدات الإجمالية التي تبلغ حصة فرنسا منها 110 ملايين يورو. وأضاف ماكرون: "إن هذا الدعم سيسمح بالاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا في قطاعات الأمن الغذائي والصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الأكثر ضعفًا". وقد تعثرت جهود الوساطة التي تبذلها أمريكا - السعودية منذ أشهر. وأعرب توم بيرييلو المبعوث الأمريكي الخاص للسودان عن أمله في أن يساعد مؤتمر باريس على استئناف المحادثات بشأن حل المعضلة السودانية.

ورغم التعهدات الغربية بالتبرعات فلا تزال بعيدة عن مبلغ الـ 3,8 مليارات يورو اللازم لتوفير المساعدات العاجلة حسبما صرحت بذلك الأمم المتحدة، لا سيما في ظل سقوط آلاف الضحايا، وحاجة نحو 25 مليون شخص للمساعدات الإنسانية العاجلة بحسب أرقام الأمم المتحدة، منهم 3,8 ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية.

وضعٌ كارثي

في هذا الصدد، قال علي منصور، المحلل السياسي السوداني، إن النزاع الدائر تسبب في مقتل وجرح الآلاف وتشريد الملايين، وخلق وضعًا كارثيًّا في خضم الجمود الذي يعتري المشهد السياسي وفشل المحاولات الرامية لوقف إطلاق نار دائم؛ نتيجة تعنت قادة "الدعم السريع" من الالتزام ببنود اتفاق جدة الذي قضى بخروج قواتها من الأعيان المدنية ومنازل المواطنين. 

وأضاف منصور في تصريحات صحفية نشرتها جريدة "الفتح" الورقية: أن هذا التعنت وضع السودان كله على شفا كارثة إنسانية، وحرم النزاع ملايين الأشخاص من الحصول على الأغذية والمياه والمأوى والكهرباء والخدمات الأساسية، بما في ذلك التغذية والرعاية الصحية والتعليم.

ولفت إلى أن الشعب السوداني مشرَّد بين نازح أو لاجئ، وقد نُهبت ثروات أبناء البلد وطردوا من منازلهم؛ فصار أغنياؤهم وفقراؤهم على مستوى واحد تحت خط الفقر، ولا توجد منظمات تقدم لهم إغاثة، وإن وُجدت فالوضع لا يسمح بتوصيل الإغاثة لمن عجز عن الخروج إلى مناطق آمنة بحثًا عن أمان مفقود. 

ويرى أن مؤتمر باريس يمكنه لفت الأنظار أكثر إلى المشكلة السودانية لكنه لن يحلها، خاصة بعد تصاعد النزاع في دارفور إلى عنف منهجي قائم على أساس عرقي تمارسه ميليشيا "الدعم السريع" ضد المدنيين؛ تسبب في مقتل عشرات الأشخاص ونزوح الآلاف بولايات جنوب ووسط وغرب دارفور؛ ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني.

مؤتمر باريس

في حين يرى عيسى أحمد مضوي، المحلل السياسي السوداني: أنه كان بإمكان القائمين على مؤتمر باريس قبل كل شيء أن يكونوا صادقين مع أنفسهم؛ فطرفا الحرب المباشر هما القوات المسلحة السودانية التي تمثل رمزية معظم الشعب السوداني إن لم يكن كله إلا القليل جدًّا الذي لا يكاد يذكر، وميليشيا "الدعم السريع" المتمردة. وحتى ينجح هذا المؤتمر يجب أن يُمثلا فيه فلماذا لم يدعوا السودان الذي يأتمرون من أجله عبر وزارة الخارجية السودانية؟!

وأضاف مضوي لـ"الفتح": أما الطرف الذي دعا للمؤتمر هو قيادة "تقدم" (القوى المدنية)، وهي لا شرعية لها تجعلها تمثل الشعب السوداني؛ فحتى شرعيتهم الثورية التي كانوا يتحدثون عنها ويتشدقون بها أسقطتها الحرب؛ فهم مكون سياسي يتكون من حزبين وانشقاقات صغيرة جدًّا جدًّا لحزبين آخرين في ظل وجود أكثر من 176 حزبًا بما فيهم أغلبية عظمى من الحزبين التي خرجت منها تلك الانشقاقات، وأهم شيء في الموضوع أن أمر السياسة لم يبلغ مرحلة النضج؛ لأنه لا مجال في ظل الحرب للتعاطي معه، فإن كان هنالك ما لابد منه فيجب أن يكون المؤتمرون في باريس أكثر صدقًا وأن يتركوا للشعب السوداني حرية اختيار من يمثلهم، لكن فرنسا معلومة الأهداف منذ زمن ولن يكون مؤتمرها من حيث النتائج بأفضل من اجتماعات (أديس أبابا، كمبالا، جوبا، القاهرة). 

ونوه بأن السؤال الذي سيظل قائمًا هو: من الذي دعا لهذا المؤتمر؟ وبأي حق دعا له؟ وما هي أهدافه من قبل الحرب؟ فباريس حصدت أموالًا تقدر بمليارات الدولارات من أجل هذا المؤتمر، أين ذهبت تلك الأموال؟ وماذا أسهمت في حل مشكلة الشعب السوداني؟