تردد في "البنتاجون" بشأن بناء أسطول من المركبات البحرية المسيرة

  • 8
الفتح - أرشيفية

قال مسؤولون ورؤساء تنفيذيون لشركات: إن جهود البحرية الأمريكية لبناء أسطول من المركبات البحرية المسيرة تتعثر في ظل تمسك وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بنمط مشروعات بناء السفن الكبيرة؛ مما يكشف عن موطن ضعف في وقت تغير فيه تلك المركبات المسيرة شكل الحرب البحرية.

وتجلت فاعلية المركبات البحرية المسيرة في البحر الأسود؛ فقداستخدمت أوكرانيا زوارق سريعة مفخخة يجري التحكم فيها من بعد في إغراق السفن الحربية وكاسحات الألغام الروسية منذ أواخر 2022.

واستخدمت جماعة الحوثي اليمنية مركبات مماثلة في استهداف حركة الشحن التجارية في البحر الأحمر خلال الأشهر الماضية، لكن من دون نجاح.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إريك باهون لـ"رويترز": إن تلك الأساليب لفتت انتباه "البنتاجون" الذي يدمج الدروس المستفادة من أوكرانيا والبحر الأحمر في خططه لمواجهة القوة البحرية الصينية المتصاعدة في المحيط الهادئ.

وفي إشارة إلى نوايا "البنتاجون" أعلنت نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس في أغسطس الماضي عن مبادرة تحمل اسم "ريبليكتور" لنشر مئات من الطائرات والمركبات البحرية المسيرة الصغيرة والرخيصة نسبيًّا خلال الأشهر الـ18 إلى الـ24 المقبلة؛ لمجاراة التهديد العسكري المتنامي الذي تفرضه الصين.

يخفي هذا الالتزام المعلن سنوات من تردد البحرية الأمريكية في بناء أسطول من المركبات البحرية المسيرة رغم تحذيرات متكررة تشير إلى أنها مستقبل الحرب البحرية، وذلك وفقًا لمقابلات مع عشرات الأشخاص المطلعين مباشرة على خطط المركبات البحرية المسيرة الأمريكية، ومن بينهم ضباط في البحرية ومسؤولون في "البنتاجون" ومديرون تنفيذيون لشركات صناعة المركبات البحرية المسيرة.

وقال مصدران من البحرية وثلاثة من المديرين التنفيذيين في شركات تعمل في صناعة المركبات البحرية المسيرة: إن أكبر عائق هو توجه في ميزانية وزارة الدفاع يمنح الأولوية للسفن الكبيرة والغواصات التي تبنيها الشركات التقليدية في مجال الصناعات الدفاعية.

وقال فيليب ستراتمان الرئيس التنفيذي لـ"أوشن باور تكنولوجيز"، وهي شركة مقرها نيوجيرسي تزود البحرية الأمريكية بزوارق مسيرة من طراز (دابليو أي أم في): "في مرحلة ما ستقابلك مشكلة واشنطن العاصمة"، كإشارة إلى عملية صناعة القرار في العاصمة الأمريكية. وأضاف: "ستصطدم بواقع أن هناك تحالفًا للصناعات الدفاعية يضم أفضل جماعات الضغط ويعرف بالتحديد كيف تتدفق الأموال وتجري التعاقدات في وزارة الدفاع".

وقال متحدث باسم البحرية الأمريكية: "إنها تطور قدراتها بناءً على ما تشير إليه طلبات الأسطول"، كإشارة إلى الرسائل التي تتلقاها القيادة الرئيسة من القادة في البحر.

وأضاف المتحدث أن البحرية لديها هذا العام ميزانية تبلغ 172 مليون دولار مخصصة للغواصات المسيرة الصغيرة والمتوسطة، وستنخفض إلى 101.8 مليون دولار في العام المقبل؛ وهو ما يشكل حصة ضئيلة من ميزانية المشتريات البحرية البالغة 63 مليار دولار التي اقترحتها إدارة الرئيس جو بايدن لعام 2025.

وتتنوع المركبات البحرية المسيرة من زوارق سريعة مسلحة بصواريخ مرورًا بغواصات صغيرة مخصصة لصيد الألغام إلى المراكب الشراعية التي تعمل بالطاقة الشمسية والمزودة بكاميرات تجسس عالية الدقة، وأجهزة استشعار تحت الماء، ومكبرات صوت تستخدم لإصدار تحذيرات لسفن العدو، لكن قال المصدران المنتميان إلى البحرية الأمريكية: إن البحرية لم يكن لديها خبرة استخدام تلك المركبات البحرية المسيرة عندما نشرتها في مهام استطلاعية في السنوات القليلة الماضية.

وتحدث المصادر عن عدم وجود ما يكفي من جنود البحرية المدربين على قيادة المركبات البحرية المسيرة أو تحليل الكميات الكبيرة من البيانات المرسلة عبر الكاميرات وأجهزة الاستشعار الخاصة بالمركبة. وقال المتحدث: إن البحرية بصدد تحسين قدرات جمع البيانات من أجهزة الاستشعار وتحليلها.

وقال باهون المتحدث باسم "البنتاجون": إن الوزارة كثفت التركيز على تسريع الابتكار على مدى السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك استخدام المركبات البحرية المسيرة. وأضاف باهون مقرًّا بتحديات الميزانية: أن "البنتاجون" يستخدم أساليب مبتكرة لاجتياز "وادي الموت"، وهو مصطلح يستخدم لوصف عملية الموافقة المضنية التي تمر عبرها الاختراعات الجديدة حتى اتخاذ قرار شرائها بكميات كبيرة.

برنامج "ريبليكيتور"

أحد الأمثلة التي ذكرها باهون هو برنامج "ريبليكيتور"؛ وهو مشروع قصير المدى بكلفة 500 مليون دولار سنويًّا مصمم لتجاوز البيروقراطية وتسريع نشر الآلاف من الطائرات المسيرة والمركبات البحرية المسيرة الرخيصة. وقالت هيكس من "البنتاجون" عند إطلاق المشروع في أغسطس الماضي: إن هذه المسيرات ستستخدم لمجاراة القوة الجوية والبحرية الصينية سريعة النمو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وأضافت: إن "ريبليكيتور" يمول بصورة رئيسة من خلال إعادة تخصيص الأموال من ميزانية "البنتاجون" الحالية.

وضمن هذه المبادرة أصدر "البنتاجون" في يناير طلبًا للشركات الخاصة لتسليم مركبات بحرية مسيرة صغيرة إلى البحرية، وطالبها بطاقة إنتاجية تصل إلى 120 مركبة بحرية مسيرة سنويًّا، على أن يبدأ التسليم في أبريل 2025.

وأقر دواين فوذرنجهام رئيس قطاع الأنظمة غير المأهولة في شركة "هنتنجتون إينجلس إندستريز"، أكبر شركة عسكرية أمريكية لصناعة السفن، بأن البنتاجون والبحرية أبديا "النية" لتسريع نشر المركبات البحرية المسيرة، لكنه قال إن القطاع يريد أن يرى تمويلًا طويل الأجل في ميزانية الدفاع.

وقال فوذرنجهام" "نسمع إشارات الطلب لكن علينا جميعًا أن نعمل معًا بصورة وثيقة للغاية لفهم ماهية هذا الطلب ومتى سيكون جاهزاً".

وبكلفة تراوح ما بين مليون وثلاثة ملايين دولار للقطعة الواحدة، وفقًا لمصادر لديها عقود مع البحرية والدفاع، توفر المركبات البحرية المسيرة وسيلة رخيصة وسريعة نسبيًّا لتوسيع أسطول البحرية خاصة أن العديد من مشروعات صناعة السفن التقليدية الكبيرة، مثل فئة جديدة من الفرقاطات الحربية، تتأخر عن مواعيد التسليم المحددة بسنوات.

وتختبر الولايات المتحدة استخدام السفن الآلية في سيناريوهات قتالية فعلية، لكن استخدامها الأكثر إلحاحًا هو في المهام باهظة الكلفة والمتعددة بالنسبة للأساطيل البحرية المأهولة.

وقالت أربع شركات إنتاج مركبات بحرية مسيرة: إن ذلك يشمل المراقبة البحرية وكشف الألغام وحماية البنية التحتية الحيوية تحت سطح البحر مثل خطوط أنابيب الغاز وكابلات الألياف الضوئية.

وقال براين كلارك مستشار البحرية الأمريكية لشؤون المركبات المسيرة وزميل معهد هدسون، وهو مركز أبحاث مقره في واشنطن: إن أسراب المركبات المسيرة الصغيرة يمكن أن تكون أيضًا بمثابة درع للأصول المأهولة ذات القيمة مثل حاملات الطائرات والغواصات وتعترض السفن التي تحمل قوات في حالة محاولة الصين غزو تايوان.

ويقدر كلارك أن البحرية لديها نحو 100 زورق مسير صغير للاستخدام على سطح المحيط، و100 غواصة مسيرة أخرى تحت الماء، في حين أن الصين لديها حجم مماثل من الأسلحة المسيرة التي تشهد أعدادها تزايدًا سريعًا. ورفض المتحدث باسم البحرية التعليق على عدد المركبات البحرية المسيرة الموجودة في الخدمة.

وقال كلارك: "أظهرت أوكرانيا مدى فعاليتها وكيف يمكن استخدامها في العمليات الحالية، تحتاج البحرية الأمريكية إلى تفهم هذا الدرس وتجهيز المركبات البحرية المسيرة للقتال الميداني على الفور".

ويختبر الأسطول الخامس للبحرية -الذي يعمل انطلاقًا من دولة البحرين- المركبات البحرية المسيرة منذ ثلاث سنوات، بقيادة فرقة المهام 59.

ونشر المشروع مربكات بحرية مسيرة صنعتها شركات خاصة، ومنها شركات ناشئة، إضافة إلى تلك المدعومة من شركات صناعة الدفاع ذات الثقل مثل "لوكهيد مارتن" و"هنتنجتون إينجلس إندستريز".

وقال كولين كوريدان قائد فرقة المهام: "يجعل الوضع في البحر الأحمر عمل فرقة المهام 59 أكثر إلحاحًا ونتطلع إلى إيجاد حلول للمساعدة في التصدي لسلوك الحوثيين".

اختبار الصواريخ

في أكتوبر 2023 أجرت قوات البحرية أول تجربة لصاروخ حي بإطلاقه من مركبة بحرية سريعة مسيرة في منطقة شبه الجزيرة العربية.

ووفقًا لإعلان صادر عن البحرية ومقطع فيديو، نجح طراز (تي 38 ديفل راي) الذي صنعته شركة "مارتاك" للمسيرات البحرية، ومقرها فلوريدا- في إطلاق نظام صاروخي مصغر لتدمير قارب مستهدف تحت إشراف مشغل بشري على الشاطئ يعطي الأمر.

وأحال ستيفن فيريتي كبير مسؤولي التسويق في "مارتاك" الأسئلة حول العملية إلى القوات البحرية.

وقد وُسٍِّع نطاق استخدام المركبات البحرية المسيرة ليشمل الأسطول الرابع للقوات البحرية في أمريكا الوسطى العام الماضي؛ إذ تستخدم لمكافحة تهريب البشر قبالة الساحل الشمالي لهايتي. وإحدى الشركات التي تعمل في هذا المجال هي "سيلدرون"، وهي شركة مقرها كاليفورنيا تصنع مركبات بحرية مسيرة تعمل بالرياح والطاقة الشمسية والبنزين، وتجمع صورًا وبيانات باستخدام الكاميرات وأجهزة الاستشعار.

وتخطت شركة "سيلدرون" العقبات المتعلقة بسياسة التمويل في واشنطن. وتقوم الشركة بتشغيل وصيانة مركباتها الخاصة وتفرض رسوم خدمة مقابل البيانات التي تجمعها؛ مما يتيح للبحرية الدفع مقابل استخدام المسيرات البحرية من النفقات التشغيلية بدلًا من ميزانيتها المخصصة للمشتريات.

وأطلقت "سيلدرون" المركبة "سيرفيور"، أكبر مركبة لديها، التي صُممت خصيصًا للجيش في فعالية خلال شهر مارس الماضي حضرتها ليزا فرانشيتي قائدة القوات البحرية الأمريكية.

وذكر ريتشارد جينكينز مؤسس "سيلدرون" أن شركة المركبات البحرية المسيرة التي تقدم خدماتها لخفر السواحل وإدارة مسح المحيط، لديها أسطول يتألف من 130 مركبة وتصنع المزيد كل شهر. وقال: "في الوقت الحالي نكافح من أجل مواكبة الطلب"، وأحجم عن التعقيب على مقدار الرسوم التي تفرضها "سيلدرون" على البحرية.

وتعمل شركة "أوشن أيرو" على صنع المركبة المسيرة "تريتون"، التي يمكنها الإبحار على سطح الماء وتحت الماء لجمع بيانات أو البحث عن ألغام باستخدام أجهزة الاستشعار. وافتتحت الشركة المدعومة من شركة "لوكهيد مارتن" منشأة تصنيع تبلغ مساحتها 63 ألف قدم مربع في جولفبورت بولاية مسيسبي في أكتوبر الماضي وقادرة على تصنيع 150 مركبة من طراز "تريتون" سنويًّا.

ولم تستجب شركة "لوكهيد مارتن" لطلب للتعقيب.

وحصلت شركة "هنتنجتون إينجلس" للصناعات في أكتوبر الماضي على عقد لصنع تسع مركبات بحرية مسيرة تعمل تحت الماء لصالح برنامج "ليونفيش" التابع للبحرية الأمريكية، مع إمكانية زيادة هذا العدد إلى 200 مركبة مسيرة خلال السنوات الخمس المقبلة. وقد يصل إجمالي قيمة العقد إلى 347 مليون دولار لكن هذا ليس مضمونًا تمامًا.

ويعتمد برنامج "ليونفيش" الذي يركز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتنافس الولايات المتحدة مع الصين على النفوذ والسيطرة- على طراز "ريموس 300" الذي تنتجه شركة "هنتنجتون إينجلس" للصناعات، وهو مركبة مسيرة بحرية تعمل تحت الماء للكشف عن الألغام، ويمكن إطلاقها مثل الطوربيد من سفينة على متنها طاقم أو من غواصة.

وقال باهون المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية: إن هذه البرامج دليل على أن "البنتاجون" يحاول التحرك بصورة أسرع لنشر مركبات بحرية مسيرة. وأضاف: "نعلم أننا في حاجة إلى مواصلة المضي قدمًا للبقاء في المقدمة".

  • كلمات دليلية
  • البنتاجون
  • مسيرات