واجب العرف وواجب القلب

سلمى منصور

  • 11

في حياتنا بشموليتها: نرى تطابق بعض الأفعال لكن يكون الفرق شاسعًا في أثر تلك الأعمال، ليطرأ على الذهن سؤال: لماذا اختلف أثر الفعل رغم اتحاد العمل؟

والجواب في الحقيقة هو عدم اتحاد العمل فهناك أمر غير ظاهر لنا وهو جوهر العمل إنه النية التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"

فكلاهما مهاجر لكن البون شاسع بين أثر تلك الهجرة؛ فالأول: مهاجر نيته الله ورسوله، فأعظِم بأجره وأنعِم بأثره من الهداية والإرشاد، والثاني: مهاجر لكن نيته الدنيا أو الزواج فيتركه الله ونيته ولا أثر لعمله.

فواجب الهجرة قد أداه الاثنان لكن واجب القلب الذي هو حُسْن مقصد الهجرة لم يؤده إلا الأول وبهذا نال الأجر وأثمر الأثر، قد يظن ظانٌّ أن هذا مختص بالعبادات فقط لكنه يشمل أيضا المعاملات بين الناس، ففي حُسْن العِشْرة في جميع العلاقات: ليس الواجب ما أوجبه العرف وإنما الواجب ما أوجبه القلب

فقليل واجب العرف قليل.. وكثيره كثير، وكلاهما منزوع الروح والأثر، بل إن كنت دقيقًا فقل إن أثره أسوأ؛ فأنت قد تكبل ذاك المسكين واجبًا كان هو في غنىً عن تَكَبُّله. بينما طِيب النفس وحُب إدخال السرور على القلوب يُزيد قليل واجب القلب قيمة ويخلق فيه روحًا وأثرًا؛ فيعمل الأب والزوج بجد ليس ليسقط واجب النفقة على أولاده، بل ليحقق الأبوة والزوجية الرحيم.

تُرهَق الأم والزوجة يوميا في تفاصيل البيت ليس لتسقط واجب الخدمة بل لتحقق الأمومة والزوجية الراعية؛ ليكون الأثر هو إجابة دعوتهما {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}، ليكون الأثر علاقات تقر بها الأعين، علاقة زوجية تقر بها العين، علاقة أبوية تقر بها العين، علاقة إنسانية سامية تقر بها العين.

وأيضا مما يقر أعين المتمسكين بهذا الجمال في قلوبهم الذين يقدمون المعروف لأن قلوبهم أوجبته هو خبر ربنا سبحانه وتعالى لنا: {قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} فكما يعلم سبحانه وتعالى ذلك العمل الذي في ظاهره إسقاط لواجب شرعي وبسبب باطنه لم ينل من صلاته إلا نصفها أو ربعها أو لم ينل منها شيئًا أو لم يكن له من صيامه إلا الجوع والعطش.

فهو سبحانه يعلم أيضا ذلك الفعل الذي في ظاهره أداء للحق الذي أوجبه العرف وهو في باطنه إثقال لكاهل إنسان فلم يؤد أثره من إرساء المودة والرحمة بين الناس بل صار عبئًا على الإنسان يحمل همَّ رده؛ لأنه لم يكن نابعًا من القلب بهدف إرساء المودة بل كان نابعًا من أن العرف يقول أن تفعل كذا وكذا، وما بين واجب العُرف وواجب القلب يرقى إنسان في درجات الجنان ويَخدع آخر نفسه بتحقيقه لغيره الأمان.