معركة "اللغة العثمانية" تشعل الساحة السياسية التركية

  • 128
اتاتورك

دشن قرار النظام التركى بإلزام المدارس بتدريس اللغة العثمانية، فصلاً جديداً من المواجهات بين المعارضة والنظام فى تركيا، حيث رأى المعارضون فيها خطوة على سبيل أسلمة البلاد، و طالبوا بالاهتمام بتدريس الرياضيات والعلوم بدلاً منها، مستشهدين بتدنى مستوى تعليم الرياضيات فى تركيا مقارنة بالدول الكبرى.
ويرى الخبير فى الشئون التركية، الدكتور كمال حبيب، أن سعى أردوغان لفرض اللغة التركية يأتى فى إطار المنافسة بينه وبين التيارات الإسلامية الأخرى التى يحاول أردوغان المزايدة عليها بهذه الخطوة ليبدو وكأنه الممثل الوحيد للمشروع الاسلامى والهوية الاسلامية فى تركيا، وبالتالى فلا معنى لوجود قوة أخرى تنافسه فى هذا المضمار سواء كانت جماعة الخدمة التى يتزعمها الداعية، فتح الله كولن، والتى يهاجمها أردوغان باستمرار واصفاً إياها بالكيان الموازى، أو تيار أستاذه الراحل نجم الدين أربكان، الذى يمثله حزب السعادة.
اللغة العثمانية
واللغة العثمانية هى اللغة الأم للغة التركية الحديثة، حيث قام مصطفى كمال أتاتورك، أول رئيس للجمهورية التركية، بعد إلغائه للخلافة العثمانية 1924، بتحويل كتابة اللغة التركية لتكتب بالحروف اللاتينية بدلاً من الحروف العربية، و تمت تنقية اللغة العثمانية من كم كبير من الكلمات العربية، و إدخال كلمات من لغات أوروبية بدلاً منها.
وكان أتاتورك أمر في نوفمبر 1928 بتحويل أبجدية كتابة اللغة التركية من الحروف العربية إلى اللاتينية، محاولاً إزالة الكلمات العربية ووضع كلمات ألمانية أو فرنسية بدلاً عنها، ليصبح بين ليلة وضحاها 9 ملايين تركي كانوا يشكّلون تعداد الشعب التركي فى ذلك الحين، أميون لا يجيدون قراءة وكتابة اللغة الجديدة، ولتبقى اللغة العثمانية محصورة في أقسام الأدب التركي في الجامعات، ثم فى 12 يوليو 1932تم إنشاء اتحاد اللغة التركية لتنظيم قواعد اللغة التركية وجمع كلماتها، واستكمال مسيرة تكوينها فى شكلها الجديد.
وأدت هذه الخطوة إلى وضع حاجز لغوي بين الشعب التركي وتراثه العثماني الإسلامي، وأدى الاستمرار المكثف والنشيط والمستمر لعملية " تغريب" إلى خلق حواجز ثقافية كبيرة بين الأجيال المختلفة أيضا، وأدى إلى خلق بعض الصعوبات في التفاهم اللغوي بين الأجداد والآباء والأبناء، الذين صاروا يستخدمون مصطلحات وتعبيرات لا يعرفها آباؤهم، مما جعل الشباب المسلم التركي ينقطع عن جذوره بحيث لايستطيع قراءة نصوص القرآن والسنة أو حتى الكنوز المعرفية التي كتبت طيلة قرون متطاولة إلا بعد ترجمتها.
ومن الطرائف فى هذا الصدد أن أتاتورك نفسه عندما ألقى خطابه الشهير أمام البرلمان التركي عام1927م تحدث بالتركية العثمانية، ولكن بما أن خطابه هذا لايفهمه جيل الأتراك الشباب تمت ترجمته ثلاث مرات أعوام 1995،1986،1963 ليستطيع فهمه كل جيل بسبب التغييرات المستمرة فى بنيان اللغة التركية!!
"شاء من شاء وأبى من أبى"
وكان الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، أكد أنه سيفرض اللغة العثمانية على الطلاب "شاء من شاء وأبى من أبى"، وذلك وفقا لما ذكرت صحيفة "زمان توداي" على موقعها الإلكتروني باللغة الإنجليزية.
وكانت الهيئة العامة لمجلس شورى التربية الوطنية في تركيا قد أوصت بإدراج "العثمانية" كمادة في المناهج الدراسية الرسمية.
وأثارت الخطوة جدلاً سياسياً واسعاً ، إذ انتقد حزب "الشعب الجمهوري" الذى يتبنى الأيديولوجية العلمانية، تلك الخطوة، معتبراً أن من الأولى إدراج مواد علمية في المناهج بدلاً من اللغة العثمانية، متهماً حزب "العدالة والتنمية" بمحاولة فرض أيديولوجيته على الشعب التركي من خلال التعليم.
المعارضون: خطوة غير واقعية
إلا أن أشد ما يواجه تطبيق المشروع هو عدم وجود مختصين بالكتابة بالحروف العربية أو باللغة العثمانية القديمة ، فهذه اللغة القديمة موجودة الآن في الجامعات التركية، في أقسام التاريخ والآثار ، وهي تدرس لمن يمكن أن يتخصص في التاريخ العثماني أو فى دراسة الآثار ليتمكن من استخدام المخطوطات والوثائق.
فقد ترجع العثمانية ولكن كلغة مكتوبة غير متداولة شفهياً بين الناس،كما هو الحال فى الدول الإسلامية بشرق آسيا حيث يحفظ الطلاب قواعد اللغة العربية فى مناهجهم الدراسية فى حين لا يستطيع أحدهم إجراء محادثة واحدة بالعربية.
ويواجه المشروع معارضة شديدة من المعارضة الذى تتهم الحكومة بالعمل على تغيير وعي الهوية الوطنية التركية من خلال التعليم، وذلك بنقلها من الهوية القومية ، التي بناها مؤسس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك، إلى تلك المسماة "العثمانية الجديدة"، إذ هاجم زعيم حزب الشعب الجمهوري ، كمال كلجدار أوغلو، تعليم اللغة العثمانية المكتوبة بالأبجدية العربية معتبرا أنه لا يحقق أية فائدة للطلاب ، سوى القدرة على قراءة شواهد القبور الأثرية،معتبراً إياها خطوة غير واقعية.
مما استدعى رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، أن يرد عليه قائلا:"يحق لهم القول إنه لم تبقَ إلا شواهد القبور لتُقرأ بالعثمانية، ففي عهد الحزب الواحد عندما كان الشعب الجمهوري حاكماً لم يَنجُ من التخريب المتعمد للتاريخ إلا شواهد القبور"، مضيفاً: "لمَ هذا العداء تجاه التاريخ، وهذه الحساسية تجاه العثمانيين؟ إن العثمانية هي اللغة التركية وليست لغة أعداء ؟"
ونقل موقع "ياني سافاك" التركي عن تشابي رئيس فريق حزب الشعب الجمهوري في البرلمان قوله: " أطفالنا ليسوا بأفضل حال في مادة الرياضيات، فتركيا تحتل المرتبة 44 ضمن 65 دولة، أتركوا اللغة العثمانية، واتجهوا نحو الرياضيات، والمواد العلمية".
ونظم عدد من المعلمين الأتراك مظاهرات هذا الأسبوع احتجاجاً على فرض تعليم اللغة العثمانية، إلا أن رد فعل الحكومة كان التصدى للمظاهرات بالقنابل المسيلة للدموع ورشاشات المياه.