الحوثيون يفقدون توازنهم بعد لحاق وزير الدفاع بالرئيس هادي.. وإيران تسفر عن وجهها الاستعماري وتهدد اليمنيين بالحرب الأهلية

  • 97
صورة أرشيفية

حملت الأيام القليلة الماضية الكثير من المفاجآت غير السارة بالنسبة للانقلابيين الحوثيين في اليمن، ففرار الرئيس عبد ربه منصور هادي ثم وزير دفاعه محمود الصبيحي من الإقامة الجبرية التي فرضها عليهما وباقي الحكومة اليمنية الحوثيون في صنعاء غير موازين القوى في الداخل اليمني كما عرى موقف الجماعة الشيعية الموالية لإيران حيث يجب أن يكون ولاؤها للوطن اليمن.


ولعل العلاقة "المذهبية" التي تربط الحوثيين بملالي "قم" في إيران كانت سببا آخر في إضعاف موقفهم بسبب قلة الخبرة، ربما، أو محاولة لاستغلال الفرصة في فرض أمر واقع جديد يضع الأطراف العربية المناوئة للتمدد الإيراني في مأزق أو إجبارها على قبول واقع جديد يتمثل في وجود نفوذ إيراني في اليمن ومن ثم باب المندب كما تم قبوله في لبنان تحت ذريعة مساندة المقاومة ضد إسرائيل.


ساهم في ذلك أيضا التصريحات المتوالية والمتعجلة التي خرجت من مسئولين إيرانيين حول عودة الإمبراطورية الساسانية واتخاذها من بغداد عاصمة لها؛ وامتداد النفوذ الإيراني من المتوسط شمالا إلى باب المندب جنوبا!

هروب الصبيحي
قبل أيام نجح وزير الدفاع اليمني في مغادرة صنعاء حيث مقر إقامته الجبرية إلى عدن حيث الرئيس هادي الذي سبقه إليها بأيام، ليزيد بذلك نزيف الشرعية الزائفة التي حاول الحوثيون التدثر بها استنادا إلى احتجازهم للرئيس وسائر الحكومة اليمنية؛ ومن ثم إصدارهم ـ الحوثيون ـ بقوة السلاح إعلانا دستوريا يخولهم السيطرة على مقدرات البلاد رغم رفض الشعب اليمني "المسلح بدوره" لهذا الإعلان ولطريقة فرضه. ولهروب الصبيحي أهمية كبرى حيث يتمتع بقبول ومصداقية لدى قطاعات كبيرة في القوات المسلحة اليمنية التي تعاني من تعدد الولاءات القبلية والإقليمية؛ وهو أيضا ضربة قاسية للرئيس السابق على عبد الله صالح الذي يحاول السيطرة على الجيش عن طريق بعض القادة الذين مازالوا على ولائهم له ولابنه أحمد القائد السابق للحرس الجمهوري والذي فقد منصبه بعد عزل والده في إطار عملية تقليم أظافر قادها الرئيس هادي في مناطق نفوذ سلفه.

خط طيران مع إيران

بين الهروبين "هادي" و"الصبيحي" نفذ الحوثيون أحد أهداف انقلابهم المسلح، ألا وهو مد خط اتصال "صري" مع الأم "إيران" يتحكمون فيه دون غيرهم، لذلك سارعوا إلى عزل رئيس هيئة الطيران وعينوا آخر مواليا لهم سرعان ما أعلن عن توقيع "مذكرة تفاهم" في مجال النقل الجوي تمنح بموجبها شركتا الخطوط الجوية اليمنية و"ما هان إير" الإيرانية، حق تسيير رحلات مباشرة بين البلدين بمعدل 14 رحلة أسبوعيا في كل اتجاه لكل شركة، على أن تدخل المذكرة حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع عليها.


وحملت أولى هذه الرحلات وفدا من الانقلابيين الحوثيين إلى طهران؛ فيما حملت نظيرتها الإيرانية إلى صنعاء ما زعمت السلطات الإيرانية أنها "مساعدات إنسانية"؛ ولكن هل هناك أسبابا أخرى لتسيير هذه الرحلات؟

تدريب الحوثيين في سوريا

السبت الماضي، أكدت مصادر دبلوماسية أوروبية رفيعة المستوى، وجود مراكز لتدريب مقاتلين من "الحوثيين" اليمنيين ميدانيا في جنوب سوريا يُشرف عليها إيرانيون.


ونقلت وكالة الأنباء الإيطالية "آكي" عن مصادر دبلوماسية أوروبية قولها: "إن الحرس الثوري الإيراني يقوم بإحضار دفعات من المقاتلين الحوثيين من اليمن، تصل كل دفعة إلى نحو 100 مقاتل، يتدربون في معسكرات في جنوب سوريا، وتحديدا في بصرى وإزرع، ويشاركون في المعارك الدائرة هناك، ليكتسبوا خبرة ومهارات قتالية، قبل أن يعودوا إلى اليمن لتأتي دفعة أخرى بديلة".


وكشفت عن علم الدول الأوروبية والولايات المتحدة بهذا الأمر، وقالت: "لدينا معلومات مؤكدة من تفاصيل هذا التدريب وهذه المعسكرات، فلقد باتت سوريا بفضل إيران معسكرا لتدريب الحوثيين ميدانيا، ومركزا لإكسابهم مهارات استخدام الأسلحة بتجارب حيّة وميدانية من الصعب أن يحصلوا عليها في أي مكان آخر".


وأكدت أن "الجهات التي تراقب تحركاتهم تؤكد على أن تجميعهم يتم في إيران ويُنقلون جوا إلى سوريا، وأحيانا يتجمعون في بيروت وينقلون برا إلى سوريا، وتم على الأقل نقل ما يقارب الثلاثة آلاف مقاتل على دفعات، يقضون مهمتهم التدريبية ويعودون بالتناوب، ويبقى دائما في سوريا ما يعادل 3 أو 4 دفعات، أي ما يقارب 400 مقاتل حوثي"، حسب الوكالة الإيطالية.


كما أن "حزب الله" اللبناني يدير عدة معسكرات تدريب في أكثر من منطقة سورية، واقتطع مساحة توازي أكثر من 10 آلاف متر مربع من الأراضي السورية تخضع لسيطرته المباشرة، وتحديدا في القصير في محافظة حمص، وفي ريف دمشق وفي المناطق التي تجري فيها العمليات العسكرية الحالية قرب الجولان.

موقف عربي موحد


وجود الرئيس اليمني في عدن ورفضه جميع القرارات الانقلابية بما فيها "مذكرة التفاهم" الخاصة بالطيران، وحصوله على ترحيب شعبي وتأييد دول عربية فاعلة كالسعودية ومجلس التعاون الخليجي ومصر له، أعاد تعريف الأزمة بتوصيفها الطبيعي "انقلاب مسلح مدعوم من الخارج".

ويبدو أن هذا "الخارج" أثيرت حفيظته وانهارت خططه بسبب فقدانه السيطرة وإفلات زمام الأمور من بين يديه؛ خاصة بعد فشل الحوثيين في تحقيق اختراق للموقف العربي بإرسالهم "تطمينات" إلى القاهرة بخصوص مضيق باب المندب الذي بات قريبا من سيطرتهم وبالتالي سيطرة إيران عليه؛ وحاولت دوائر سياسية ومواقع إعلامية معادية للدولة المصرية الإيحاء بأن القاهرة تتواصل مع الحوثيين للحفاظ على مصالحها في المنطقة؛ إلا أن الرد المصري جاء حاسما بنفي أي اتصالات مع الجماعة الانقلابية والتأكيد على أنها ـ مصر ـ لا تتعامل مع جماعات أو تنظيمات .. وإنما تعاملها الوحيد يكون مع الدول فقط، ما أسقط مخطط متعدد الأهداف منها إضفاء نوع من الشرعية على الانقلاب الحوثي؛ وأيضا شق الصف العربي وبث بذور الفتنة بين القاهرة وعواصم دول مجلس التعاون الخليجي وأولها الرياض التي ترى أن الأحداث في اليمن تهدد أمنها القومي في الصميم، وهو واقع لا شك فيه.

حسم مصري

القاهرة لم تقف عند حد النفي لأي اتصالات مع الحوثيين، بل جاء الرد قاطعا بأن "باب المندب خط أحمر" يمس الأمن القومي المصري لن تسمح بالمساس به تحت أي ظرف من الظروف، كما أنها لا تتواني عن تكرار نفس الأمر بالنسبة للخليج العربي، وهو تصريح يحمل تحذيرات للحوثيين ومن وراءهم، فهمه جيدا الإيرانيون الذين أسقط في أيديهم، خاصة بعد إعلان موقف مجلس التعاون الخليحي والجامعة العربية مساندتهما للسلطة الشرعية في اليمن، فخرجت عدة تصريحات من طهران تدين في جوهرها الموقف الإيراني، وتؤكد الأطماع الإيرانية في المنطقة العربية، وتكشف التواطؤ الأمريكي والأوروبي معها في هذه المؤامرة التي يجوز وصفها بـ"الكونية" على الأمة العربية وفي القلب منها مصر.

.. وإيران تسفر عن وجهها الاستعماري


وجود الرئيس اليمني في عدن بجنوب البلاد وحصوله على التأييد العربي دفعه لإعلان صنعاء عاصمة محتلة ومن ثم إدارة البلاد من عدن حيث السلطة الشرعية ممثلة في شخصه، هذا الأمر استفز ملالي إيران فخرج مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية، حسين أمير عبد اللهيان، ليحدد لليمنين أين تقع عاصمتهم، بقوله "إن صنعاء هي العاصمة الرسمية والتاريخية لليمن"، وليهددهم بالحرب الأهلية بقوله: "إن الذين ينطلقون من عدن يسيرون نحو تقسيم البلاد ويدعمون حربا أهلية ومسئولون عن تبعات هذا الإجراء".


وكشف عن مساندة بلاده لاحتجاز الرئيس هادي في صنعاء بقوله: "كان من الأفضل للرئيس اليمني المستقيل أن يبقى في صنعاء وأن لا يورط البلد في أزمة من خلال استقالته"!


وأضاف أن "إيران تعتبر أمن اليمن من أمنها وأمن جميع دول المنطقة، كما تعتبر إجراء مشاورات والتعاون الإقليمي بمشاركة جميع دول المنطقة أمرا ضروريا".


محاولة عبد اللهيان "تجميل" صورة بلاده لم تفلح مع سيل التصريحات التي خرجت من مسئولين إيرانيين آخرين أكدوا اضطراب الموقف الإيراني الاستعماري متأثرين إما بفقدان أوراق اللعبة تلو الأخرى بعد استفاقة القاهرة ونجاة مصر من مصير أسود كان يدبر لها؛ وإما مدفوعا بغرور القوة والإنجازات والواقع على الأرض بامتلاكه ناصية عدة مليشيات مسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.


يوم الثلاثاء الماضي، قال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إن إيران باتت الآن على ضفاف المتوسط وباب المندب.
وبدورها جاءت هذه التصريحات بعد يومين يومين فقط من تصريحات أدلى بها علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني "المعتدل"، حسن روحاني، والتي قال فيها إن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي"، وذلك في إشارة إلى إعادة الإمبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها".


وأضاف "إن جغرافيا إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد"، في إشارة إلى التواجد العسكري الإيراني المكثف في العراق خلال الآونة الأخيرة.
ولكن هل نعتبر هذه التصريحات نهاية المطاف وتقرير واقع أم أن للمسألة حلقات أخرى؟


والجواب الأكيد يقول إنه لا شك أن للأمور مآلات أخرى خاصة مع نوبة الصحيان التي تعيشها مصر حاليا وعودتها إلى النظر بعيدا حيث المجالات الحيوية لأمنها القومي ومن ثم العربي في الخليج العربي وباب المندب والبحر المتوسط.. وهي دائرة تشمل إيران وتركيا وما بعدهما إضافة إلى كل أفريقيا.