عاجل

هل اقتربت إيران من الاعتراف بفشل إستراتيجية "الأخطبوط" التوسعية في بلاد العرب؟

  • 99
صورة أرشيفية

يبدو أن القادة الإيرانيين على وشك إعلان هزيمة مشروعهم في اليمن بعد الخسائر العسكرية والسياسية المتلاحقة التي مُنوا بها على عدة جبهات، كانت قبل شهر من الآن موضع فخر وتباهٍ كبير؛ ما دفع ساسة "طهران" وملالي "قم" إلى التصريح علنًا عن دورهم في نشر الاضطرابات السياسية في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن، وذلك عبر التأكيد على أن "النفوذ الفارسي" يمتد من لبنان شمالًا فغربًا إلى اليمن مرورًا بكلٍّ من سوريا والعراق، رغم أنهم كانوا ينفون بشدة أية علاقة تربطهم بالقوى الشيعية في هذه البلدان، والتي كانت ومازالت تتحرك لتنفيذ الأجندة الإيرانية، وإحياء ما يُسمَّى "الإمبراطورية الفارسية" في مشروع "إخطبوطي" يمثل فيه "حزب الله" اللبناني وعلويُّو سوريا وشيعة العراق واليمن والبحرين وشرق السعودية أذرعه التي سرعان ما بدأت تضعف وتنهار أمام "عاصفة العرب"؛ حيث تشهد هذه المجموعات الشيعية الموالية لطهران انقلابات سياسية وإستراتيجية من قوى كانت تعتبر حتى وقت قريب حليفًا أساسيًّا في المشروع والهدف الإستراتيجي.

هزيمة المشروع الإيراني التوسعي بدت في عدة مشاهد، نذكر عناوينها ثم نفصلها تباعًا، ولعل أهمها هو انفلات الأعصاب اللافت مِن قِبَل الساسة والعسكريين الإيرانيين، وكذلك متحدثهم المعتمد في المنطقة العربية ونقصد به حسن نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، ثم الجهود التي تقودها طهران عبر وسطاء دوليين وعرب لوقف "عاصفة الحزم" وإنقاذ الحليف الحوثي؛ الذي كان آخر المتحدثين ظهورًا في مشهد تمثيلي يُحاكي فيه طريقة حسن نصر الله، عراب المشروع الإيراني في المنطقة العربية، وإن كان ظهوره -الحوثي- لم يؤت المراد منه بإظهار التماسك والصمود؛ بل على العكس من ذلك كشف عن انشقاقات خطيرة في معسكره.

المشهد الأول: تصريحات مضطربة:

جرت عادة القادة الإيرانيين سواء سياسيين أو عسكريين على إصدار التصريحات الهجومية الاستعراضية حتى في أوج أزمتهم "المعلنة" مع المعسكر الغربي بكل مكوناته كأمريكا وأوروبا وإسرائيل، وكان الحديث المتواتر عن طهران هو أنهم قادرون على تدمير جميع المتربصين بهم بصواريخهم المتطورة ولنشات الصواريخ وجنودهم "الانتحاريين"!

لذلك كان من اللافت أن يتحدث "خامنئي" عن استعداد بلاده لرد أي "اعتداء" قد تتعرض له، والأكثر عجبًا هو أن تصدر هذه التصريحات في "يوم القوات المسلحة"؛ أي أن حديثه تحول من موقف الهجوم إلى الدفاع من المنصة المعبرة عن "القوة الإمبراطورية"، وبلهجة تقترب من الانهزامية؛ وخلال فعاليات اليوم أصدر "خامنئي" تعليماته لوزارة الحرب الإيرانية برفع درجة التأهُّب، والقدرات، والكفاءات العسكرية، ومستوى الجاهزية للجيش والحرس الثوري وجميع الأجهزة ذات الصلة قائلًا: "إن الشعب الإيراني هو أمة أثبتت قدرتها على الدفاع عن نفسها إذا ما تعرَّضت لأي هجوم؛ وهو حديث لم يخرج من طهران إبان التهديدات الإسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية!

وإحساس خامنئي بالخطر دفعه إلى إعلان تسيير عدة قطع من "الأسطول" الإيراني للتواجد في خليج عدن، في خطوة تهدف إلى رفع معنويات الحوثيين المنكسرة.

أما حسن نصر الله، الأمين العام لمليشيا "حزب الله" اللبنانية، فخصص خطبته التي ألقاها في يوم "التضامن مع الحوثيين" الذي نظمته ميلشياته في الضاحية الجنوبية ببيروت، فقط للهجوم على السعودية التي تقود عمليات "عاصفة الحزم" ضد "إخوانه" في اليمن الذين وصفهم بـ"الثوار المظلومين الذين يتعرضون للعدوان السعودي"؛ متجاهلًا أن هناك ثوارًا حقيقيين ومدنيين في سوريا، المجاورة لبلاده، يتعرضون للغازات السامة والبراميل المتفجرة من نظام غشوم يعتبر مثالًا للطائفية، ويُسانده بكل ما أوتي من قوة خدمةً للمشروع الإيراني، رغم خطورة هذا التورط على أمن لبنان؛ ومن الغريب أن نصر الله لم يبدو خجلًا من تصريحات القادة الإيرانيين التي تمسه شخصيًّا بالإعلان عنه كوكيل لمصالح "الإمبراطورية الفارسية" في لبنان!.

ولم يكن من قبيل الصدفة أبدًا أن يأتي خطاب عبد الملك الحوثي، النسخة اليمنية من وكلاء إيران في المنطقة العربية، بعد يومين فقط من خطاب الوكيل الأصيل، حسن نصر الله، بل إن التطابق المذهل بين الرجلين يشير إلى تنسيق مسبق من مصدر الوكالة وهو طهران، فالحوثي يقلد نصر الله في الشكل والجوهر، وحتى نفس حركات الأصابع، والحديث عن المظلومية ومناصرة "الضعفاء"، حتى أن الحوثي أغفل ذكر حليفه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذي شعر بخبرته باقتراب انتهاء المغامرة بعد أن تم قصف قصره ومقرات قوات الجيش اليمني الموالية له، واضطرار بعضها إلى إعلان الولاء للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي.

المشهد الثاني: مطلب وقف العاصفة:

تكشفت خلال الأيام القليلة الماضية معلومات تفيد بتحرك الدبلوماسية الجزائرية لإقناع السعودية بضرورة وقف الغارات الجوية ضمن عمليات "عاصفة الحزم" الموجهة لمليشيات الحوثي وإعطاء فرصة لاختبار المبادرة التي أعلن عنها المسئولون الإيرانيون في الفترة الأخيرة لوقف المعارك في اليمن.

ومن جهتها، نقلت الجزائر رسائل إيرانية إلى الرياض عن استعداد الحوثيين لوقف المعارك في عدن والانسحاب من صنعاء والعودة إلى معاقلهم في صعدة مقابل وقف التحالف العربي غاراته اليومية في اليمن على الميليشيا الموالية لإيران.

وسرعان ما جاء الرد السعودي على الرسائل الإيرانية بالرفض "طالما أن الميليشيات الحوثية لم تعلن صراحة عن قبولها بالعودة إلى ما قبل سيطرتها على عمران وصنعاء، وأن تبدأ فعليًّا الانسحاب من عدن، وفق ما جاء في كلمة نائب الرئيس اليمني خالد بحاح".

وكان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، اعترف بصلة بلاده بالحوثيين في اليمن حين قال: "إننا مستعدون لاستخدام نفوذنا على كل المجموعات التي يمكننا التأثير عليها وليس فقط على الحوثيين والشيعة ليأتي الجميع إلى طاولة المفاوضات"، وألمح إلى إمكانية تحريك الشيعة الموالين لبلاده في كل من السعودية والبحرين والكويت لإحداث اضطرابات في هذه الدول؛ بالقول: "إذا أردنا منع هذه الأزمة من التوسع في المنطقة يجب وقف المعارك وإيجاد حل سياسي لها".

التصريحات الإيرانية لا تعدو أن تكون مناورة تهدف إلى وقف غارات "عاصفة الحزم" وإنقاذ الحوثيين من هزيمة مذلة.

وبالنسبة للجزائر فهي ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها لصالح إيران سواء في عهد الشاة عندما ضغطت على العراق ليتنازل عن شط العرب لصالح الدولة الفارسية في عام 1975، وجاء التنازل العراقي بغرض إخماد التمرد الكردي المسلح بقيادة مصطفى البارزاني المدعوم من شاة إيران محمد رضا بهلوي، وهي نفس اللعبة التي تمارسها الملالي الآن باستغلال الشيعة، ولكن بغداد ألغت هذه الاتفاقية عام 1980 بعد سقوط حكم الشاة ووصول الملالي إلى الحكم لتشتعل حرب الخليج الأولى.

وفي نهاية مارس الماضي، قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان العمامرة، في تصريحات صحفية: "إن الجزائر لها علاقات طيبة مع كل الدول الشقيقة على الساحة العربية، ولها تاريخيًّا كذلك علاقات ثقة ومودة وإخاء مع إيران، وبالتالي نحن في حوار مع الكل"، في إشارة صريحة إلى تحركات دبلوماسية تجريها الجزائر للتوسُّط بين الجانبين.

وتسعى الجزائر إلى لعب دور مؤثِّر في القضايا العربية مثل سوريا وليبيا واليمن مدفوعة بالمنافسة مع مصر الطرف الوحيد المؤهل لهذا الدور، وليس من المفاجئ الإعلان السعودي بوقف غارات "عاصفة الحزم" في اليمن بموافقة جميع الأطراف بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي التي ترى ضرورة تنفيذ الحوثيين قرارات مجلس الأمن القاضية بتسليمهم السلاح قبل إيقاف العمليات العسكرية، ولعل الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية المصري إلى الرياض كان لها دور محوري في وقف القتال.

يؤيد ذلك أن القاهرة شهدت على مدار الأيام الماضية تحركات ومباحثات قادها أبو بكر القربي القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذى يترأسه الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، مع المسئولين في مصر بوزارة الخارجية حول مبادرة قام بطرحها على عدد من الأطراف.

المشهد الثالث: الإخطبوط يفقد أذرعه:

تؤكِّد التقديرات العسكرية للوضع في اليمن أن غارات "عاصفة الحزم" كبَّدت المتمرِّدين الحوثيين خسائر فادحة أفقدتهم القدرة على التواصل والسيطرة، وقلبت ميزان القوى لمصلحة المقاومة المساندة للسلطات الشرعية، ودفعت أعدادًا كبيرة من عناصر القوات المسلّحة إلى التخلي عن القتال معهم والانضمام إلى القوات المساندة للرئيس عبد ربه منصور هادي.

وظهرت تصدعات كبيرة في معسكر الحوثيين باليمن؛ حيث يستمر القتال والغارات التي تشنها مقاتلات التحالف العربي ضدهم.

فقد انضمت قيادة المنطقة العسكرية الأولى التي تغطي أجزاءً واسعة من محافظات حضرموت ومأرب وشبوة إلى قوات الرئيس هادي.

أما حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح المتحالف مع المتمردين الحوثيين، فقد فاجأ الجميع، حلفاءً وخصومًا، بترحيبه بقرار مجلس الأمن الدولي الذي طلب من المتمردين الانسحاب من المناطق التي احتلوها، وفرض عليهم حظرًا على السلاح؛ وهو ما يكشف سر امتناع عبد الملك الحوثي عن ذكر حليفه صالح رغم أن خطبته استمرت لـ52 دقيقة.

وإذا كان هذا قد يمثل نهاية للمغامرة الإيرانية في اليمن، فإن الأكثر ألمًا أن يفقد الإيرانيون نفوذ رجلهم حسن نصر الله وحزبه في لبنان، وهو النفوذ الذي أنفقوا في سبيل الوصول إليه حربين مدمرتين دفع فيهما اللبنانيون الدم والمال أمام آلة الدمار والقتل الصهيونية، باستخدام مفردات المقاومة والدفاع عن العروبة لتأتي "عاصفة الحزم" لتعريه وتفضح كذبه بعد أن تنكب منزلة المدافع عن المشروع الفارسي القائم على التوسع في المناطق العربية، وكانت الضربة من القوة بحيث وحَّدت ضده كل الفرقاء اللبنانيين من أهل السنة مرورًا بالمسيحيين وصولًا إلى فريق كبير من الشيعة اللبنانيين!.

انشقاق الطائفة الشيعية في لبنان ظهر واضحًا في الهجوم العنيف الذي شنه محمد علي الحسيني، الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي، على حسن نصر الله بسبب تصريحاته الأخيرة، مؤكِّدًا أن نصر الله هو مأمور من نظام الولي الفقيه في إيران، مُشبِّهًا إياه بابن العلقمي.

وكان الحسيني، قد أفتى في وقت سابق أن "قتال الحوثيين واجب شرعي؛ لخروجهم على الحاكم"، معتبرًا أن ما يجري في اليمن هو ردع لمستعمر خارجي "إيران"، وليس صراعًا مذهبيًّا.

وقال الحسيني في تصريحات صحفية وتليفزيونية: "إن من أوجب الواجبات التكاتف مع من يريد تطهير الأرض من الفاسد، والدفاع عن الأمن القومي للأمتين العربية والإسلامية"، مُشدِّدًا على أن "تأييد الضربة الخليجية ضد الحوثيين أمر مُلزِم من الناحية الشرعية".

وامتد الخوف من تأثيرات خطاب نصر الله إلى قطاع كبير من الشيعة اللبنانيين، دفعت بعضهم إلى اعتناق المذهب السُّنِّي هروبًا من تبعات الانتماء الشيعي في ظل نصر الله؛ بحسب الكاتب الشيعي، علي الأمين، المعارض لسياسات نصر الله وحزبه، والذي حذر من خطورة "تهور" أمين عام "حزب الله" على اللبنانيين العاملين في الخليج، الشيعة منهم على وجه الخصوص؛ لافتًا إلى أن "اختيار اللحظة لاتخاذ قرار الإبعاد سيكون مزعجًا للبنانيين؛ لأنها اللحظة التي لن تكون آذان الخليجيين مستعدة لسماع صوت لبناني، ومسار المواجهة الإقليمية وترددات مواقف حزب الله العدائية تجاه القيادة السعودية، وعاصفة الحزم لن تمر بسلام".

الخلاصة أن طهران تكاد تفقد، أهم الأدوات التي قامت عليها إستراتيجيتها التوسعية -وهي المجموعات الشيعية المتناثرة في المجتمعات العربية- لتستخدمها ضدها؛ فيما تظل هي بعيدًا تأمن عواقب أفعالها؛ إيران حاليًا تشبه الإخطبوط الذي يوشك أن يفقد أذرعه.