مبادرة زوبع بادرة أمل

  • 697

أطلق الاستاذ حمزة زوبع المتحدث الرسمي باسم حزب الحرية والعدالة مبادرة من 18 نقطة يمكن تلخصيها في:

- اعتراف الجميع بأخطاء المرحلة السابقة وبادر هو بالاعتراف ببعض الأخطاء.

 - عدم المطالب بعودة د. مرسي للحكم.

- التفاهم بشأن إيقاف المواجهة الأمنية ووضع ضمانات للمشاركة السياسية.

والعجيب أن المبادرة أسخطت الجميع فاعترض عليها:

- المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان الاستاذ جهاد الحداد ناهيك عن معظم قيادات الإخوان.

  -  معظم الرموز الاعلامية والسياسية الممثلون للتيار المسمى بالتيار المدني.

في حين لم يصدر أي تعليق رسمي على دوائر الحكم في المرحلة الانتقالية الحالية؛ فلم يصدر تعليق عن القيادة العامة للقوات المسلحة، ولا عن حكومة الدكتور الببلاوي، ولا عن الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور.

وبالطبع اختلفت مبررات كل فريق في موقفه من هذه المبادرة وهذا تحليل لموقف كل منهم.

أولا: موقف جماعة الإخوان:

عبر الأستاذ جهاد الحداد عن موقفهم من المبادرة، وأنهم ما زالوا على تمسكهم بعودة كل المؤسسات المنتخبة (الرئيس والشورى والدستور)، وتمسك بأن هذا هو الحق من الناحية القانونية والشرعية: فأما من الناحية القانونية: فبناء على أن هذه المؤسسات منتخبة في انتخابات حرة نزيهة. وأما من الناحية الشرعية: فبناها على أننا مطالبون بالأخذ بالأسباب دون أن نتساءل متى نصر الله!

وهي مبررات تبدو وجيهة للوهلة الأولى، ولكنها قد لا تكون كذلك عند التأمل.

فأما من الناحية القانونية و السياسية: فإن شرعية الحاكم الفعلي أيا ما يكن طريقة وصوله للسلطة، تظل قائمة طالما أن المؤسسات التي تعمل تحت إمرته من جهة وغالبية الناس من جهة أخرى يرونه حاكما شرعيا، و تزداد قيمة هذا الأمر إذا كان ذلك الحاكم قد وصل بطريقة نزيهة كالانتخابات الحرة، ولكن شرعية ذلك الحاكم تتحول إلى فعل ماض إذا انقلبت عليه المؤسسات التي تحته، ونجحت في ذلك (فيصير انقلابا ناجحا)، أو خرج عليه الشعب فأجبره على الرحيل (فتصير ثورة ناجحة)، أو حدث مزيج من الأمرين و نجح.

ومن المعلوم أن الثورة أو الانقلاب أو المزيج الذي بينهما يعتبر جريمة كبرى في كل الدساتير والقوانين، ومن ثم فإذا فشلت محاولة من هذه المحاولات فيعامل القائمون عليها بمقتضى هذه القوانين، ولكن في حالة النجاح يكون هذا تأسيسيا لشرعية جديدة، لن تنتظر بطبيعة الحال اعترافا من (النظام السابق) مهما كان النظام السابق مظلوما، بل ربما تحاول الانتقام منه بصور سياسية أو أمنية.

إن الإصرار على التمسك بشرعية كانت قائمة وتمت إزالتها قد يخرج المتمسكين بها خارج التاريخ. نعم، هناك نماذج تمت فيها عودة حاكم بعد إزاحته، ولكن لكل حالة حساباتها، وإذا ما نظرنا إلى قصر المدة التي قضاها الرئيس مرسي في الحكم، ونظرنا إلى انقسام الناس حوله، والذي لو افترضنا أن مؤيديه مثل معارضيه، فسيكون انحياز جميع مؤسسات الدولة إلى المعارضين كافيا لترجيح كفتهم، ومن هنا ندرك أن إعادة الدكتور مرسى إلى الحكم مطلب يجب تجاوزه.

قد يقول قائل: إن أمامنا فرصة ألا ندع الانقلابيين ينعمون بحكم الدولة عن طريق الاحتجاجات والمظاهرات والعصيان المدني!وغني عن الذكر أن نجاح هذه الوسائل يحتاج إلى درجة التفاف شعبي حولها تفوق عشرات المرات ما هو عليه الآن. ثم هب أنها مع طول الوقت ستنجح، وسيكون لهذا الأمر بالطبع فاتورة اقتصادية وأمنية باهظة سوف يدفعها المواطن البسيط، فهل نقبل على أبناء شعبنا ذلك؟وإذا كان الحفاظ على أصوات الناخبين حق للمجتمع، فماذا ترى سيكون اختيار المواطن إذا خير بينه وبين الأمن من الخوف والجوع؟ أظن أن الإجابة معروفة ولا ينبغي ممن يريد أن يكون في موضع الريادة لشعبه أن يختار اختيارا يخالف اختيارهم، لا سيما في ترتيب الأولويات والمفاضلة بينها عند التعارض.

إن المواطن الذي نخاطبه كدعاة، ونسعى لخدمته كجمعيات خدمية، ونريد حكمه كساسة ينطلقون من معاني الرحمة والعدل، يفضل أن تستقر الدولة والاقتصاد على أن يدافع عن اختيار انتخابي تم إسقاطه، لا سيما إذا كانت عوامل سقوطه كثيرة منها عدم الاستعداد الكافي في هذه المرحلة.

ثم إن عامة خطاب الإخوان طوال فترة حكم مبارك أنهم تيار إصلاحي، وأقصد بها هنا المعنى السياسي للكلمة التي تعنى أنه تيار قائم على الإصلاح التدريجي في المجتمع وفي الدولة من باب أولى.

ومن ثم، نريد من الإخوان أن يفترضوا أنه كان هناك رئيس شرعي منتخب، ولكنه ليس منهم، ثم تم عزله من قبل كل مؤسسات الدولة مؤيدة بتظاهرات شعبية، فماذا كانوا سيصنعون؟غالب الظن أنهم كانوا سيحاولون منع عزل الرئيس، فإذا حدث وعزل فانهم سوف يواصلون جهودهم الإصلاحية في المشهد الجديد. ولذلك شواهد تاريخية؛ منها: عزل اللواء محمد نجيب الذي حاول الإخوان معه، ثم اقتنعوا بأنه رغم نزاهته راحل راحل، فتعاملوا مع عبد الناصر كواقع، وإن كانت هذه التجربة بالذات مؤلمة في تاريخ الإخوان، إلا أن الخلل فيها لم يكن الواقعية التي تعاملوا بها مع عزل محمد نجيب، بقدر ما كانت عدم الواقعية في التعامل مع عبد الناصر بخلفية قديمة دون أن يدركوا واقعه الجديد، ويحسنوا التعامل معه، كما بين ذلك الدكتور محمود عبد الحليم محمود في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ".إننا ندرك صعوبة أن نطالب الإخوان بهذه الواقعية، وهم يشعرون أن تجربتهم في الحكم أجهضت بفعل فاعل، وأن الأزمات التي عزل الدكتور بسببها كانت تراكمات سابقة، وأن وأن وأن ...ولكن هذا لا يمنع من شيء من النقد الذاتي كهذا الذي قدم الأستاذ حمزة زوبع، ولا يمنع من جهة أخرى وبغض النظر عن الاعتراف بذلك النقد من عدمه من نوع من "الواقعية" في التعامل مع الأحداث.

وأما من الناحية الشرعية: فالأمر فيها أخطر؛ لتردد الكلام عدة مرات من أن أنصار الرئيس مرسى ينتظرون الأمر: "كن فيكون"، قيلت على منصة رابعة؛ حتى قال بعض المشايخ: إن فض اعتصام رابعة مستحيل؛ لأن الملائكة تحرسه. وقال أحدهم: إن التشكك في عودة الرئيس مرسى شك في الله عز وجل، وهذه أفكار خاطئة شرعا يتجاوز أثرها تلك الواقعة الجزئية إلى ما هو أخطر منها.إن الثقة في نصر الله لمن ينصره يجب أن تكون ثقة مطلقة، لقوله تعالى: " ولينصرن الله من ينصره".ولكن لا بد من إدراك أنه مع هذا الوعد فقد تحدث الهزيمة بسبب خطأ ممن يعمل من أجل دين الله، وقد قال تعالى لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم خيرة الخلق بعد الأنبياء: "قل هو من عند أنفسكم"، وهذا يقتضي مراجعة النفس ومحاسبتها، وبعض ما ذكره الأستاذ زوبع كفيل بنزول عقوبة إلهية، وقد قال الله تعالى لصحابة رسوله صلى الله عليه وسلم: "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة".

ويجب أن يدرك أن الأخذ بالأسباب لا يعنى الأخذ بأسباب المواجهة مهما كانت موازيين القوى، كما يفهم من كلام الأستاذ جهاد الحداد، و كما قيل مرارا على منصة رابعة، بل الأخذ بالأسباب يعنى التصرف المناسب الذى يراعى الأسباب المادية، نعم حدث ما لا يحصى من المرات أن الله يعطي المؤمنين نصرا يفوق ما معهم من الأسباب، ولكن لم يحدث قط أن أغفل النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب المادية في اتخاذ قرارته،  فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم أكثر الناس يقينا بنصر الله، وهو يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، ثم وهو يهاجر إلى المدينة، ثم وهو يهم بمصالحة غطفان في غزوة الأحزاب، ثم وهو يعقد صلح الحديبية، والمواقف لا تحصى كثرة (مع وجوب إضافة بُعد آخر، وهو أن هذه المواقف كلها كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كفار، فتطبيقها في الخلاف بين المسلمين مهما بلغت حدته من باب أولى).

ينبغي أن يقوم من يتخذ القرار بدراسة كل الاحتمالات، ودراسة المصالح والمفاسد المترتبة على كل احتمال، والمضي قدما في الاتجاه الذي يتوقع أن مصالحه أكبر، حتى ولو كان انسحابا من معركة تمثل مواجهة حقيقية قائمة بين حق محض وباطل محض، كما فعل خالد رضى الله عنه في مؤتة، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، بل وأثنى عليه.

فنحن ندعو جماعة الإخوان إلى إعادة قراءة مقال الاستاذ حمزة زوبع، ودراسة الواقع، وأما أمر الله "كن" فلا نعلمه إلا بعد وقوعه ورؤيته على أرض الواقع، وحين وقوعه فنحن مأمورون بالصبر في الضراء والشكر في السراء، والتعامل وفق الواقع الجديد بالأسباب المادية.

 

ثانيا: موقف القوى المدنية:

 وإذا كان من المتوقع أن يكون هناك ممانعة إخوانية لفكرة المراجعة، واعتبارها تراجعا وانهزامية، فهذه طبيعة الأمور إلا أنها في الغالب ما تكون بداية لانضمام آخرين إلى قافلة المنتقلين من خانة العاطفة إلى خانة التعقل. ولعل هذا ما اتضح من تصريحات أخرى ايجابية خرجت من د. دراج، فما بال الجانب الآخر؟

لقد ظهر من جانب القوى المدنية رفض انفعالي عجيب لفكرة ما أسموه بالمصالحة، وتعددت مبرراتهم؛ فمنها: قول بعضهم: إنه لا مصالحة على جرائم ارتكبت في حق الشعب المصري، ومنها قتل المتظاهرين.

والجواب: أن أحدا لم يطالب بالتصالح حول جرائم متى كانت ثابتة على أصحابها وفق محاكمات عادلة وإجراءات قانونية، ولكن يبدو أن البعض يحبذ الإجراءات الاستثنائية متى كانت موجهة إلى خصمه الفكري أو السياسي. والجواب أيضا أن الكلام هنا عن مئات الآلاف من المواطنين، و99% منهم لم يوجه إليه أي إتهام، فضلا عن ثبوته عليه، ويريد الحصول على حقوق المواطنة، ويطالب أحدهم بإرسال رسائل طمأنة للباقي بأنهم يتعاملون وفق القانون دون التعسف في استخدامه، و إلا فلا يعقل أن تكون واقعة اشتباكات مسلحة (مع إدانتنا التامة لها) مبررا لضم كل قيادي إخواني أنه حرض عليها، بينما كان يجب أن يقتصر الأمر على من فعل، ومن ثبت عليه التحريض على أن يتم ذلك مع الطرف الآخر أيضا، الذي تضفي عليه التحريات وصف "السلمي" في كل الوقائع، بينما الواقع غير ذلك في معظم هذه الوقائع، فطالما أن الأمر متعلق بتهم جنائية وليست سياسية، فلتكن موضوعية ومحددة ومطبقة على جميع أطراف الواقعة.

ومن جهة أخرى، تخوف البعض من أن تكون هذه المبادرة "مناورة"، وهذا منطق لو تم تعميمه لما تم صلح على وجه الأرض؛ لأن أي مبادة صلح أو تفاهم سوف تترجم على أنها مناورة، مما يعنى استمرار أتون الصراعات، والمناورة تكون من طرف يطلب بعض المزايا المسبقة في مقابل وعود مستقبلية، بينما لم يزد الأستاذ زوبع على مطالبة الجميع بالاعتراف بخطئه، و بدأ بنفسه، وهى مسألة يأنف منها الكثيرون (وهو عين الخطأ الذي كانوا يأخذونه على الإخوان)،  والبعض يستكثر أن يقال مثلا إن حجم النيران المستخدم في فض اعتصام رابعة لا يتناسب مع حجم السلاح الذى أعلنت الداخلية ضبطه فيها (مع التأكيد على تجريم حمل السلاح)، و لكن نحن نتحدث هنا عن شرطة دورها ضبط الجاني وليس عقوبته، فضلا أن تكون هذا العقوبة بالقتل، فضلا أن يكون هذا القتل له ولبعض من تجاور معه ممن لم يرتكب جرما، ولم يشارك فيها، وعامة معتصمي رابعة باعتراف بيانات الداخلية ومنشورات القوات المسلحة التي أسقطت عليهم من هذا النوع.

وأما كونها مناورة لإيقاف تعقب المحرضين على العنف، فليس فيها ذلك، ومن حق من يتشكك في هذا أن يشترط ألا يضم الاستجابة لهذه المبادة غل يد الدولة عن التعامل القانوني مع أي "جريمة" سابقة أو لاحقة على هذه المبادرة وفق الإجراءات القانونية "المعتادة وغير المتعسفة".

من جهة أخرى يعترض البعض على هذه المبادرة بأنها تخالف توجه عامة القيادات، والسؤال: هل نحن راغبون في الصلح أم لا؟ بل دعنا نسأل السؤال بطريقة أكثر دقة، حتى لا يحمل لفظ الصلح معاني لا نقصدها: هل يرغب جميع الأطراف في حل سياسى للأزمة؟ أم أن بعض "الساسة" يفضل الحل الأمني؟فإذا كنا راغبين في الحل السياسي، فهذا يعنى أنه يلزمنا أن نشجع أنصار ذلك الحل، وإن بدا صوتهم ضعيفا، فإذا شجعناه يوشك أن يقوى، بينما إذا قوبلت هذه الدعوة بالرفض، فهذا نوع من إلجاء الجميع إلى خيار المواجهة السياسية، والمغذي في حالتنا هذه بمواجهات عسكرية (مع الاعتراف بأن أكثر أخطاء الإخوان فداحة هي قبول "تعاطف" الاتجاهات التكفيرية معهم، مع أنهم كانوا يكفرون الدكتور مرسى أثناء حكمه، وبالتالي فالإخوان الآن يدفعون فاتورة باهظة لقبولهم بهذا الأمر، لا سيما مع فداحة ووحشية العمليات التي تتم ضد جنود الجيش المصري لا سيما في سيناء، والتي بدأت تنتقل إلى القاهرة بعميلة محاولة اغتيال وزير الداخلية).

ولكن من جهة أخرى، فإن رفض الإخوان لهذه العمليات وتبرؤهم الصريح منها أحد عوامل مقاومتها.

في المقابل: يحدثنا البعض عن تاريخ مصالحات سابقة بعضها مع الإخوان، ومن أبرزها عفو السادات عن قياداتهم في 74، وبعضها مع بعض المتحالفين معهم مثل مبادرة الجماعة الإسلامية في 97، زاعما أنها مصالحات خرقت بعد ذلك، مع أن كل واحدة من هذه المصالحات أتت ثمارها في وقتها، ومن آخرها مبادرة الجماعة الإسلامية التي مهدت الطريق لإلغاء قانون الطوارئ، وسمحت بشيء من حقوق الإنسان في الصعيد.

وأما أن هذا لم يمنع من اندلاع أحداث عنف جديدة، فيجب أن يعلم أن أي مصالحة لا يمكن أن تضمن ألا يتكرر لجوء أي أفراد أو اتجاهات أخرى للعنف في ظروف أخرى، فمشكلة لجوء بعض القوى السياسية أو الاجتماعية للعنف مشكلة متكررة لا تنتهى بنهاية إحدى موجاتها، فموجة العنف الحالية نشأت مع حالة التراخي الأمني الذى صاحب ثورة يناير، لا سيما في سيناء، ثم حالة التردد التي أصابت التيارات التكفيرية هناك بعد وصول الإخوان للرئاسة، وبينما هم كذلك، جاءت أحداث 30 يونيو لتدفعهم إلى توهم أن طريق حمل السلاح هو الطريق الوحيد، وهذه حالة يجب أن يتم التعامل معها فكريا وسياسيا وأخيرا أمنيا، وأما الحل الأمني المجرد، بل ودفع تنظيم بحجم تنظيم الإخوان لكى يصنف أمنيا بأنه تنظيم مسلح، فلا ندري هل من المفترض أن تضغط الدولة على أفرادها في اتجاه مخالفة القانون، ثم تجيش قوات الأمن لمحاربتهم؟ أم أنها تضغط في اتجاه تطبيق القانون، وتحاول أن تتخذ الإجراءات التي تمنع من تورط مرة ألا يتورط أخرى؟

وهذا ما يقودنا إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي: التأكيد على أن انتماء المواطنين إلى دولهم انتماء غير قابل للإزالة؛ ومن ثم فإن الأنظمة الحاكمة حينما تصل إلى الحكم، عليها أن تدرك الشعب الذي تحكمه وتقبله على ما هو عليه، وأنه إذا كان الأفراد فيما بينهم وبين بعضهم البعض والجماعات البشرية فيما بينها والدول فيما بينها يكون الصلح هو الخيار الأفضل في حال نشوب خلاف، فإن الدولة مع مواطنيها ليس أمامها إلا هذا الخيار (دون الإخلال بتطبيق القانون).

 ولتوضيح ذلك علينا أن نستصحب سلوك الدولة مع أي فرد ارتكب جريمة جنائية متكاملة الأركان، وتمت إدانته أمام القضاء، إن الدولة لا تملك خيار مخاصمة هذا الشخص أو مقاطعته مثلا، بل إن التزام الدولة تجاهه بصفته أحد مواطنيها هو محاولة تأهيل هذا المواطن ودمجه في المجتمع مع عدم الإخلال بتطبيق القانون.

بل إن من سمات الدولة الناجحة أن تستطيع منع الجريمة قبل وقوعها، ومن ذلك: متابعة الأفكار التي تدعو إلى أعمال تمثل من الناحية القانونية جريمة، ولنراجع في ذلك تعامل الدول الأوروبية مع النازيين الجدد، وكيف يقدم الحل السياسي والفكري على الحل الأمني، بل يعتبرون أن السماح لهم بالتعبير عن أفكارهم هو جزء من حل المشكلة، وهذا لأن الدولة لا تملك إسقاط جنسية هؤلاء، ومن ثم فهي مسئولة عن احتوائهم وتطويعهم للقانون، بينما عندنا يحدث العكس، فيوجد من يطالب الدولة أن تتبنى سياسات تدفع المعتدلين إلى التطرف لا العكس، ثم يطالبها بحل أمني يستنزف طاقات الوطن ويؤدى حتما إلى الدولة البوليسية التي عانينا منها أيام مبارك.

 وأما ما يتشدق به بعضهم من أن التفاوض مع الإخوان يهز هيبة الدولة؛ فالجواب: أن الذي يهز هيبة الدولة هو رضوخها لمطالب غير منطقية وغير قانونية، وأما سعي الدولة لفرض نظامها ولو على خارجين على القانون فضلا عن معارضين سياسيين عن طريق الحوار والتفاوض، فهو الأسلوب الراقي في تعامل الدولة الحديثة مع شعبها.

وفي الختام: ندعو الجميع إلى أن ينسى مصالحه الشخصية، وينظر إلى شعب يتألم ويتضرر، وينتظر هدوءا واستقرارا لكي يجنى ثمار ثورة دخلت عامها الثالث ولم تصل بعد إلى نقطة الاستقرار، أم أن البعض يشجيه ويطربه أن يسمع جموعا من الشعب تردد: "ولا يوم من أيامك يا مبارك"!