صفحة خالدة

  • 197

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
قد تصنع لنفسك صفحة على الفيس بوك بسهولة، ولكن من الصعب أن تصنع لنفسك صفحة فى سجل التاريخ أو سجل الخالدين الذين كان التعب راحتهم وإذا استراحوا تعبوا، الذين أدركوا أن العالم يحتاج إلى هداية، ورأوا أن أمامهم مسئولية إحداث حراك عالمى وتغير عالمى، فأحدهم يرفع نفسه إلى مصاف المرسلين، ويُحمِّل نفسه مثل أعبائهم، فيقول ربْعِّى بن عامر: "إن الله ابتعثنا لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ..."

وتأمل قوله ".. ابتعثنا .." تلك الكلمة التي تشعرك بحراك قوي، وهزة أرضية كونية متوقعة من هذا الجيل، الذي يقف بعض أفراده على الجبل فيرتجف بهم، فيقول النبى، صلى الله عليه وسلم، مخاطباً الجبل الصخر: "اسكُن أُحد فإن عليك نبيٌ و صديقٌ و شهيدان" هزة أرضية وحركة جيولوجية من أجل أن لامست أقدامهم الجبل، كيف لا وأحدهم يستقبل النبى، صلى الله عليه وسلم، عند قدومه إلى المدينة مهاجراً فيلزمه وهو فتىً ملازمة الظل لصاحبه، حتى غدا من أقرأ الصحابة للقرآن وأعلمِهِم بشرائع الإسلام، حتى قال النبى، صلى الله عليه وسلم: "أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل" وقال: "استقرئوا القرآن من أربعة؛ من ابن مسعود وسالم مولى أبى حذيفة و أُبيّ ومعاذ بن جبل" وهم شباب يا شباب الإسلام، فمن منا غدا متميزاً متخصصاً، وقديماً قالوا: لا يُفتى و مالكٌ في المدينة، فكيف بمن يُفتي في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهم عمر وعثمان وعلي وأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت.

إنهم يا شباب سطَّروا في صحائف التاريخ أروع نماذج البذل والعطاء والصدق والإخلاص، لقد أدرك هذا الجيل حجم المسئولية المنوطة بهم من نشر الدين وتعبيد الناس لرب العالمين، ولذا تعاونوا ولم يثبطوا ولم يتقاعسوا ..

وهل أتاك نبأ المقداد بن الأسود وهو يقول للنبى صلى الله عليه وسلم "امضِ لما أراك الله فنحن معك, والله لا نقول لك كما قالت بنوا إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فوالذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرَكِ الغماد (موضع بعيد عن مكة في اليمن) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه".

وليس هذا وحده الذى يشعر بتلك المسئولية تجاه العمل للدين ونشره وتعبيد الناس لرب العالمين وليس هو الوحيد الذى لم يصبه الفتور والإحباط لكثرة الأعداء وإحاطتهم بالمسلمين، بل اسمع سعد بن معاذ حين يقول للحبيب، صلى الله عليه وسلم،: "إنا قد آمنا بك واتبعناك، فأمضِ لما أمرك الله، فوالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منا رجلٌ واحد".

بهذه الروح الأبية وبهذه الهمة العالية والعزيمة المتوقدة خاض المسلمون الطريق وعبروا الحدود، فلم تقف أمامهم الحواجز والموانع، وقهروا أمراض القلوب، وحُق للنبى، صلى الله عليه وسلم، أن يستبشر بهم و يبشِّرهم، فقال: "سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأنى الآن أنظر إلى مصارع القوم". 

أيها الأحباب :
امشوا ولا تلتفتوا حتى يفتح الله عليكم، أمامكم طريقٌ طويل وحربٌ ضروس، ليكن زادكم الإيمان والعمل الصالح والصبر والاحتساب "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً" سيروا على بركة الله وأبشروا، فسوف ترون مصارع القوم، والله غالب على أمره، واعملوا واجعلوا بيوتكم قبلة، وتجنبوا الفتور والإحباط، واحذروا نبرات التثبيط، وتذكروا أن ابن عباس سمع نبرات التثبيط لكنه لم يهتم لها حين قال للفتى قم بنا نحفظ حديث رسول الله، فقال الفتى: يا ابن عباس! أتظن أن الأمة تحتاج إلى علمك؟ فتركه ابن عباس وذهب يتعلم الحديث حتى نفع الله به الأمة واعلم أخى الحبيب أن الأمة تحتاج إليك، فاستعينوا بالله و اصبروا ..
والحمد لله رب العالمين.