الكيمياء السياسية .. السعيد من وعظ بغيره

  • 225

ما هي النهاية التي ستسفر عنها ثورة مصر في 25 يناير؟ سؤال يثار، حاولنا من خلال مفاهيم علم الكيمياء أن نضع مفهوم يفسر كيف ستكون نهاية الحدث، لقد تحدثنا عن الكيفية وليس النتيجة النهائية التي لا يعلمها إلا الله، وهذا يثير تساؤل أخر طالما لا نعرف الإجابة: لمَ نرهق أنفسنا بالبحث عن الكيفية التي تسير بنا نحو نهاية مجهولة؟ والإجابة بديهية: معرفة طريقة سير حدث ما تجعلك أقدر على توجيه قدراتك لتكون نهاية حدث هي أقرب لم تراه محققا، لم تطمع فيه من مصالح "وضعية سالفة أو سامية"، وتجنبك أن تصبح مغفلا يستخدمك كل خبيث أو أن تضع قوتك في مجابهة تعود على أهدافك بالضرر، ببساطة معركة الكيفية تجعلك أقدر على وضع آلية النجاح، واختيار توقيت الفلاح، وفهمك لهذه الكليات يمكنك من التحرك وفق استراتيجية ناجحة، بدلا من خبط عشواء أو الاستسلام للنوازع الغريزية البدائية، والسعيد من وعظ غيره.

إن أي مبتدأ في مجال السياسة أو التاريخ يرى أن هناك نسبة كبيرة من الثورات السابقة لثورات الربيع العربي كانت تدور وفق هذا السيناريو، ثورة، سقوط نظام، نظام جديد بأشخاص جديدة، الإطاحة بهذه الأشخاص، أشخاص جديدة تصبح هي رموز الحكم.

إن أول من يتقدم ويظن أنه حاز شرف رفع لواء انطلاق ثورة ما، ليس هو رافع اللواء فيصير بذلك إماما للثوار يسير أمامهم، بل هو في الحقيقة كاسحة ألغام يسير فتننفجر فيه ألغام الأزمات السابقة التي أدت للثورة، وألغام القوى الجديدة التي أطلقتها الثورة من عقالها ، فهي تريد حصة مكافئة من السلطة والثروة أو أن تسود أيدلوجيتها إن كانت قوة أيديولوجية، بالإضافة إلى الألغام التي تضعها الثورة نفسها كتلك الروح الثورة والتي بها جزء من حالة الجموح الذي ربما يتخطى وضع الجنوح، واستمرارا حالة الهدم في أكثر من موضع يحتاج إلى البناء.

إنه يسير وحيدا في الأمام فخورا برأيه إنظر إليها عالية ويظن الجماهير تسير خلفه فتصم آذانه عن صوت الألغام من تحته يدوي فتفر الجموع ، ثم مع توالي الانفجارات يجد نفسه تحت التراب تسير على أحلامه نفس هذه الجماهير التي كان يظنها أبدا ورائه، أين رئيس بولندا الأول بعد التغيير، وماذا حدث الآن في أوكرانيا وما مصير جوربا تشوف الذي قاد المصارحة والشفافية، وما مصير بن بلة في الجزائر؟ وما .. وما ..وما ؟! وكيف يكون من يخطط للَّعب أقدر ممن يخطط للجد؟! ، قرأت تقريرا لاتحاد كرة القدم الألماني، كان يجيب على تساؤل: "لماذا لا تحرز ألمانيا في بطولات الناشئين حصة مكافئة لما تحصده في بطولة كأس العالم مثلا؛ فمشجعي كرة القدم في ألمانيا متعطشون لإعلان تفوقهم في كل مرحلة، وحين قرأت الإجابة التي ملخصها: نحن قادرون على ذلك، ولكن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى رفع الأحمال التدريبية بصورة تمكنهم من حصد بطولات الشباب، ولكن على حساب مراحل النمو الجسدي لمن هو في ذلك العمر مما يعني"حرقه" في مرحلة مبكرة، وعلى حساب عمره الافتراضي الرياضي، مما يعني تقليص فرص الحصول على لقب المسابقة الكبرى كأس العالم؛ و"يضحك كثيرا من يضحك أخيرا".

نفس هذه الفكرة لا تستخدم في اللعب فقط بل في مجال الأمن الغذائي لهذا يوضع قانون يمنع ذبح العجول صغيرة السن.. لماذا؟ وما المردود الاقتصادي لذلك؟ وكيف يغيب هذا المفهوم المستخدم في اللعب بل ومع البهائم ... كيف يغيب عن من يزعم أنه صاحب رسالة، وكيف لا نستفيد بالتاريخ وهناك قوى متربصة من الداخل والخارج، وقديما قالوا السعيد من وُعظ بغيره، ومن لا يملك القدرة على استقراء دروس التاريخ بنفسه.. لماذا لا يقرأ ماكتبه غيره، بالطبع لا عصمة إلا فيما قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لن تعدم في كتاب لمؤرخ أو دراسة لـمركز بحثي من فائدة تضاف أو خطأ يرد، لكن قيادة جماعة فضلا عن قيادة دولة هي رأس أمة بطريقة "المعلم كرشه" في الحقيقة هي جريمة شرعية، فترك الأسباب إثم ولكن أثره على نفس المخطئ وحده، وفي هذا يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "من بات على ظهر بيت، ليس له حجاب، فقد برئت منه الذمة" حديث صحيح ، فما بالنا بمن ترك الأسباب التي لا تهلكه فقط، إنما تهلك من وثق به، وتؤخر بزوغ مشروع فيه صلاح أمة.

ومن أهم أسباب النجاح المعرفة والمعلومات وإدراك السنن والقواعد، وإن السلفيين مؤهلون لأن يكونوا فرسان هذا الميدان، فهم الذين لا يقبلون بالأوهام ويمحصون الأدلة، وهم أحرص من غيرهم على تحصيل العلم الحقيقي، وأحد أعلامهم ابن تيمية يقول: "العلم : قول معصوم أو قول عليه دليل معلوم"، والسلفية ليست بالأساس جماعة أو كيان أو لحية أو نقاب، إنما هي كل من يرى صورة الإسلام المثالية الصافية؛ فهي ما ربَّى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام، ويريد أن يكون على هذه الصورة هؤلاء مع باقي العقلاء، ربما يستطيعون أن يضعوا لنا طريق يجمع شعبنا ويحفظ مقدراتنا وتقصر بهم فترة مخاض الخير فلا تطول ولا موفق إلا من وفقه الله.

من الحكم والأمثال: من طلب الشيء قبل أوانه ابتلى بحرمانه.