حقيقة الرجولة وأخلاق الرسل

  • 236

الوصف بالرجولة يقتضي جملة من صفات الكمال، وإلا فيكون الوصف بمجرد الذكورة؛ لذا جاء هذا الوصف في سياق المدح في مواضع كثيرة من القرآن، منها قوله تعالى عن مؤمن آل ياسين: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (يس:20)،

وقوله تعالى عن الرجل الذي أبلغ موسى عليه السلام بمؤامرة الملأ من قوم فرعون ليقتلوه: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} (القصص"20)،

وقوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب:23).

فصفات الرسل وأخلاقهم أكمل الصفات وأكرم الأخلاق، قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4)، ولأن الرسل أكمل الخلق إيمانا؛ فهم أحاسنهم أخلاقا فـ "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا"، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، وجملة أولئك أنهم موصوفون بكل خلق جميل ليقتدي الناس بهم في هذه الأخلاق، وإليك أخي الكريم جملة من هذه الأخلاق، وهي مفصلة في كتب التهذيب والرقاق، سأجملها هنا لنزن أنفسنا بها، وننظر إلى حالنا كي نتشبه بهم ونقترب منهم:

الصدق في القول والعمل مع الله ثم مع الناس، وترك الكذب بالكلية، والصبر واحتمال أذى الخلق والحلم عليهم، وكظم الغيظ وكف الأذى، وعدم الانتقام للنفس إلا أن تنتهك حرمات الله، والأناة وعم البطش والعجلة، والعفة واجتناب القبائح والفواحش في القول والعمل، وفي الأموال والأمراض، والحياء والكرم، والجود والسخاء، وترك الشح والبخل والغيبة والنميمة وخيانة الأعين، والشجاعة وعزة النفس والبذل والقوة في الحق، والاستعداد لبذل المحبوب وإخراجه، والوفاء بالعقود والعهود والأمانات للأهل والأرحام والأصدقاء، والصلة والإحسان إلى الخلق.

والعدل والتوسط في شم النفس بين الإفراط والتفريط؛ فالجود وسط بين التبذير والبخل، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، والحياة وسط بين الوقاحة والجرأة المذمومة وبين العجز والمهانة والخور والضعاف، والحلم وسط بين الغضب والمهانة والذل وسقوط النفس.

والتواضع والعزة المحمودة وسط بين الكبر والهوان، والقناعة وسط بين الحرص والتكالب والتنافس على الدنيا، وبين الخسة والمهانة والتضييع وترك التنافس على المراتب السامية من طاعة الله ومرضاته، والصبر وسط بين الجزع والهلع والسخط ، وبين القسوة والغلظة وتحجر الطبع والفظاظة.

والرحمة وسط بين القسوة والضعف والجبن وترك أوامر الله التي أمر فيها ألا تأخذ العباد فيها رأفة في دين الله، وطلاقة الوجه والتبسم والبشر في وجوه البشر وسط بين التعبيس والتقطيب وتصعير الخد تكبرا وعجبا وطي البشر عن البشر، وبين الاسترسال في الضحك في كل موقف ومع كل أحد حتى تزول الهيبة والوقار.

ومن صفاتهم صلى الله عليهم وسلم، الإيثار بالدنيا، ومقابلة الإساءة بالإحسان، وسرعة العفو والصفح وقبول المعذرة، والمروءة في اللسان بحلاوة المنطق طيبه ولينة، والمروءة في الخلق بسعته وانشراح الصدر في معاملة الخلق، وفي المال ببذله في مواقعه المحمودة شرعا، وفي الجاه ببذله للمحتاج إليه، والقرب من الخلق بحيث يجدونه في أزماتهم ومشاكلهم:

يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ويحسن إلى الخادم والمملوك، فضلا عن الأهل والأقارب والجيران، ويجالس المساكين، ويجيب الدعوة ولو إلى شيء يسير، ويمشي مع الأرملة والمسكين واليتيم في حوائجهم، ويبدأ السلام من لقيه، وخفيف المؤنة على من صحبه، لا يكلف غيره مؤنته، هينا لينا سهلا، يعود المريض ويشهد الجنازة، يعطي من حرمه ويصل من قطعه، ويعفو عمن ظلمه، لا يتكبر ولا يحسد ولا يتعالى على الخلق، ولا يبغي ولا يفجر، ولا يغش ولا يتبع الشهوات، ولا يخاصم لنفسه ولا يعاتب لها، ولا يماري ولا يجادل إلا بالتي هي أحسن، ولا يستقصي حقه، ويغضي عن عيوب من أساء إليه فضلا عمن سواه إلا لحق الله تعالى، ويتغافل عن عثرات الأهل والأصحاب والناس مع إشعارهم أنه لا يعلم له عثرة، يوقر الكبير ويرحم الصغير، ويأتي إلى الناس أفضل مما يجب أن يأتوا إليه، ويحسن عشرة كل من عاشره من أم وأب، وابن وبنت، وأخت وأخ، وقريب وجار، وامرأة وصاحب ومملوك، وكل من يعامله، والله المستعان وعليه التكلان.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنها سيئها إلا أنت ، اللهم ارزقنا رفقة الأنبياء، وعيش السعداء، وموت الشهداء، اللهم صلى على نبينا محمد وسائر النبيين والمرسلين وسلم وبارك عليهم وآلهم وصحبهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.