عاجل

من يصعد فوق الصخرة؟

  • 218

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد،

فحين أتكلم عن الصخرة فلا أقصد تلك الصخرة التي أخرج الله منها ناقة صالح عليه السلام آية ومعجزة وفتنة للقوم الظالمين (إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر).

ولا أقصد تلك الصخرة التي تنذر بعمق جهنم، وإذا أُلقيت من شفير جهنم فإنها تهوى فيها سبعين عاما وما تفضي إلى قرارها.

ولا أقصد تلك الصخرة التي تجرى بثوب موسى وهو يغتسل عُريانا حتى يراه الناس فيُدركوا سلامته من كل عيب ونقص رموه به وينصره الله (لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ).

ولا أقصد تلك الصخرة التي سقطت في ليلة مطيرة على فوهة الغار فحبست فيه ثلاثة من الشباب أدركوا أنه لن ينجيهم من هذا الموقف إلا التوسل لله بصالح الأعمال، وقد وجد كل واحدٍ منهم ما يتوسل به إلى الله خالصا لوجه الله فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.

ولا أقصد تلك الصخرة التي عرضت للصحابة وهم يحفرون الخندق فيذهبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: إنا نازلٌ فيكشف عن حجر معصوب على بطنه ويكبر ويضربها بمعوله فيبرُق شذا النار في الهواء فيقول هذه كنوز كسرى وقيصر وتصير الصخرة كثيبا أهيل ( كالتراب ).

ولا أقصد تلك الصخرة التي وقف عليها النبي صلى الله عليه وسلم على حِراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير فتحركت بهم الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (اهدئي فما عليكِ إلا نبي أو صديق أو شهيد ).

ولا أقصد تلك الصخرة شديدة الحر التي كانت توضع على صدر بلال أو عمار بن ياسر وهما صابران صامدان من أجل هذا الدين الحنيف.

ولا أقصد تلك الصخرة التي سقط بجوارها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وكاد يُقتل فبرك طلحة بن عبيد الله تحته فصعد الرسول صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى جلس على الصخرة فقال صلى الله عليه وسلم: (أَوْجَبَ طلحةُ).

وأخيرًا لا أقصد تلك الصخرة التي حمل الابن إليها أباه على ظهر دابة وخرج به إلى الصحراء فقال الأبُ لابنه: يا بني ماذا تريدُ منى هنا؟ فقال الابن: أريد أن أذبحك فقد أسأمتني وأمللتني، فقال الأب لابنه: إن كان لابد يا بني فاذبحني عند تلك الصخرة فلقد ذبحتُ أبى هناك ولك يا بني مثلها والجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان ولا يظلمُ ربك أحدا.

ولكنى أقصد تلك الصخرة التي وقف عليها عمار بن ياسر يوم اليمامة حين استحر القتل في الصحابة وجعلتِ المنون تتخطف حفظة القرآن وزُلزلت الأرض تحت أقدام المسلمين وعندها يظهر حب الدين والخوف على زوال المنهج أو تشويهه أو نقصان حملة هذا الدين، وقلما تجد من يلتفت وسط الأحداث الجسام إلى الخطر الحقيقي إلى ضياع المنهج أو تحريفه؛ فالحفاظ على الأصول والثوابت من الحفاظ على المنهج ومن أسباب النجاة من الفتنة، لقد صعد عمار بن ياسر على صخرة مشرفة وقد قطعت أُذُنه وبقيت عالقةً برأسه، صعد ليرى المشهد بوضوح، صعد ولم يبال بجراحه فجراح الأمة أعظم وأشد، صعد ولكن لا لحب الظهور والصدارة  وارتفاع الأنا ولكن صعد ليرى حقيقة المشهد وليتمكن من تحريك الناس في الاتجاه الصحيح بدلا من التخبط والضياع وتحركهم في غير طريق النجاة وخاصة قد كثر القتل واختفت القيادة فكان لابد من صوت من فوق الصخرة يُذكر بالهدف والغاية ويُحفز نحو النصر فقال عمار ( يا معشر المسلمين أمِنَ الجنة تفرون؟ إلىّ ... إلىّ).

نعم كان لابد من هذا الصوت الحاني الذي تربى على صوت من فوق الصفا ينذر قومه ويبشرهم، وما أحوجنا اليوم لمثل هذا الصوت الذي يستشعر الخطر ويتحمل  المسئولية ويجمع شمل الناس ويوحد صفهم ويقوى معاني الإخوة بينهم إلىّ .. إلىّ .. ليقود مشروع النصر بالمؤمنين الذين يعلمون معنى النداء من فوق الصخرة ثم يمضى عمار أمامهم وأُذُنُهُ تتذبذب على صفحة خده فحملوا بحملته حتى قُتِل مسيلمة الكذاب وطفق الناس يعودون إلى دين الله أفواجا بعد أن خرجوا منه أفواجا.

أخي الحبيب، ابدأ أنت خطوات العمل، خطوات الإصلاح، خطوات الخير، خطوات جمع الشمل، خطوات نحو خدمة المجتمع والأمة وأفرادها؛ فالمجتمع ينتظرك ينتظر من يمُد إليه اليد الحانية البانية،فابدأ وستجد من يمشى معك فكثير من المرضى يحتاج لمن يزوره وأنت قد تكون صاحب مشروع زيارة المريض، فامضِ ليمض الناس خلفك، واصبر حتى تصل إلى غايتك لا يصيبك ملل ولا فتور (أو أمضي حُقُبا). والله من وراء القصد. والحمد لله رب العالمين.