مصرنا بلا عنف

  • 183

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
 
قضية العنف قضية شائكة جدا وخطيرة للغاية، وكذا فكر التكفير.
 
والمسألة لها محاور متعددة، لابد أن نكون جميعا في مصر وفي غيرها على بينة منها، وإغفال أحد جوانبها خطر عظيم للغاية. وإذا أردنا فعلا مصر بلا عنف؛ فلا بد أن تكون المعالجة من جميع الجوانب.
 
هناك ثلاثة محاور سنتكلم عنها، وسنفرد واحدا من هذه المحاور بتفصيل أكثر بحكم أنه ألصق بنا وأهم في توضيح هذا الباب، لأنه قد ينسب العنف عموما في العالم كله اليوم إلى العمل الإسلامي.


وهذه المحاور الثلاثة هى:
1- المحور الأول:
أن هناك أسبابا أدت إلى انحراف فكري ومنهجي لدى فصائل تنتسب إلى العمل الإسلامي. ولا بد أن يكون هناك انتباه مهم جدا من الجميع لهذه النقاط:
 
- هناك خطر التعميم، أعني أن هناك من يحاول أن يقول إن كل فصائل العمل الإسلامي هي فصائل منحرفة، وأنها في حقيقتها تكفيرية وترى العنف ضد المجتمع وأنها سوف تمارسه، وبعضها قد سار في الطريق والبعض الآخر سوف يسير قريبا عندما يتمكن.
 
- يوجد فعلا انحراف فكري ومنهجي لدى جماعات متعددة داخل أو منتسبة إلى العمل الإسلامي.
 
2- المحور الثاني: من لهم دور في مؤسسات الدولة، ولا أعني بالدولة الحكومة فقط، فالدولة: حكومة وشعبا وإعلاما وقضاء وشرطة وجيشا ومؤسسات مختلفة؛ هناك داخل هذه المؤسسات من يدفع في طريق العنف، بممارسات وسلوكيات وأفكار ينشرها تؤدي إلى استمرار مسلسل العنف، بل هي في الحقيقة جزء أساسي من الأزمة، وهذه الممارسات مخالفة للشرع أولا، وللقانون والدستور ثانيا، مما يترتب على استمرارها خطر عظيم جدا، ولا بد إذا أردنا أن نعالج أن نهتم بجميع الجهات.
 
3-  المحور الثالث:
هو محور الدفع الخارجي في طريق العنف بطرق مباشرة وغير مباشرة من دول ومنظمات وأجهزة مخابرات وعصابات تسليح.. مخططات كبرى تراد للمنطقة ولبلادنا، تمهيدا لمزيد من الانقسام.
 
من الطرق المباشرة: توفير السلاح، فكل مناطق النزاع الأسلحة فيها ليست من صنع المسلمين، وإيصال هذه الأسلحة يكون من خلال دول حدودها مفتوحة ومغرقة بالأسلحة، بالإضافة إلى الدفع بجماعات مدربة على إشعال الاقتتال داخل المجتمعات ثبت أنها تُدرب في منظمات وهيئات وأجهزة استخبارات ترعاها دول كثيرة.
 
البعض يذكرنا بأحداث محمد محمود هذه الأيام، ويريد أن يجعلها ذكرى لمزيد من الألم، فنتذكر هذه الأيام، وكيف أن هناك أيادٍ خفية من الأطراف المختلفة تدفع إلى العنف، ولذلك تأكدنا أن هناك من لا يريد الاستقرار لبلادنا، وهناك من يدعم الانقسامات.
 
طائرات الناتو في ليبيا كانت تضرب قوات القذافي، وفي نفس الوقت تلقي صناديق الأسلحة والذخيرة. ولهذا اليوم الذي نحن فيه كانت تُلقى في الصحراء مجانا لتقع في أيدي طوائف، وجزء من هذا السلاح تم تهريبه إلى سيناء والصعيد خلال سنوات الاضطراب في مصر.
 
هذا خطر لابد أن نجتمع جميعا في مقاومته، وأن نوقف التدخل الأجنبي والاستجابة له في قضية العنف، فهناك من لا يعبأ بأن يُقتل الملايين. المخططات تدفع إلى عدم استقرار البلاد العربية والإسلامية، وهدفها في النهاية تنفيذ مخططات اليهود، الذين حدّدوا سنة 2020 لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل، ولن يتم هذا الأمر إلا من خلال العنف داخل البلاد العربية والإسلامية وتقسيمها وإدخالها في صراعات.
 
فلا بد أن نقف جميعا، هل نقبل أن ينضم أبناؤنا وشبابنا باسم الثورة وباسم الحالة الثورية إلى جماعات خارجية ويتقبل المناهج الدافعة إلى العنف؟!
 
الفوضى الخلاقة مُعلن عنها منذ سنة 2005 وتم التخطيط لها قبل ذلك التاريخ على الأقل بعشرين سنة حتى تصل المجتمعات إلى ذلك، فنحن لسنا وحدنا في المعادلة ولسنا رقما وحدنا.
 
أما ممارسات الأنظمة وهذا هو المحور الثاني، وخصوصا الإعلام الذي يُشعل الحرائق والنزاعات. في كل المؤسسات يوجد الظلم والقهر المخالف للدستور والقانون، وانتهاك حقوق الناس المنصوص عليها في دستور بلادنا الرائع في هذا الجانب مع ضبطه بشرع الله سبحانه وتعالى. فنقول أن هناك من ينتهك هذه الحرمات في مؤسسات مختلفة، لا يراعي أن القرار الذي يتخذه باستعمال العنف يترتب عليه ضرر لسنوات طويلة، وكان من الممكن حل كثير من المشاكل بأقل الخسائر لو تعامل الكثير ممن هو له دور في المؤسسات المختلفة بطريقة ليس فيها دفع إلى العنف.
 
فالعنف الذي ظهر في الستينيات وما بعدها بدأ في سجون عبد الناصر بسبب الممارسات المنكرة التي كانت تُمارس داخل السجون.
 
وهكذا أيضا خلال عهد مبارك، فالشباب الذي يئس من كل شيء إلا السلاح وقال لا حل إلا السلاح، فهو مع وجود انحراف فكري لديه إلا أنه هناك سبب خطير لابد من معالجته أيضا، ولا بد أن تكون المعالجة من جميع الجهات وليست أمنية فقط، فشدة الفقر والظلم الناشئ عن سوء التوزيع للثروة، والفساد الذي يعم البلاد المختلفة واستغلال السلطة والنفوذ، والممارسات المنكرة لكثير من الجهات الأمنية التي تخالف الطريقة المنصوص عليها في تعاملها داخل السجون وخارجها في التعامل مع الناس، ووسائل الإعلام ومسؤولية المؤسسة القضائية – نعم لا رقابة عليها إلا لله عز وجل – لكن نُذكرهم بالله، أن كثيرا ممن قد يُظلم في هذا الباب بسبب حكم غير موافق للحقيقة سوف يكون سببا لمزيد من الانحراف ومزيد من العنف.
 
ونؤكد هنا أيضا على خطر التعميم، فلا نقول أن كل من كان في وزارة الداخلية وكل من كان في المخابرات والإعلام والقضاء، لا نقول أن كل هؤلاء ظلمة، لأن هذا خطر عظيم جدا وهو من الغلو ومن أعظم أسباب الانحراف. لأن التعميم يترتب عليه أنواع من الأحكام العامة المجملة الخاطئة، ويترتب عليه معاملة للمجتمع كله أو لطائفة من المجتمع كالشرطة والجيش مثلا أو القضاء بأنهم مُستباحو الحرمات بسبب أن واحدا منهم – أو حتى مجموعة منهم – ارتكب خطأ أو ظلما، فيُعمم الحكم بأن كل هؤلاء كفرة أو ظلمة أعداء للإسلام. وهذا التعميم استعمل بسبب وجود بذرة له، لكن استعملها من عنده انحراف فكري ومنهجي في إثارة عاطفة الشباب وهم يرون أمثلة حقيقية.
 
هناك أيضا من يريد هدم ثوابت الأمة ويعلن ذلك، يريد هدم الدين نفسه، فيطعن في الإجماع والإيمان باليوم الآخر، وينكر الالتزام بأن الإسلام هو دين الحق ولا دين عند الله سواه، وينكر البخاري ومسلم ويطعن في الدين ويطعن في الشريعة، وهذا له دور ويُستغل بالتعميم عند الشباب الذي عنده عاطفة تجاه دينه، فيقال له: "انظر ماذا يقولون"!
 
فنقول: هل كلهم يقولون هذا؟ هل كل الإعلاميين يكذبون ويشعلون النيران؟ لا أستطيع التعميم، لكن هناك من يفعل ذلك.
 
إذن لابد إذا كنا نريد أن نعالج قضية العنف؛ فلا بد أن نعالجها من جميع الجوانب. وأن تقوم كل المؤسسات بدورها في إصلاح ما بداخلها، والالتزام بشرع الله عز وجل ثم بالدستور والقانون، والصدق والأمانة والمراقبة لله عز وجل، والنظر إلى مصلحة البلد، فهناك للأسف من يُفرطون في مصلحة البلد لمصلحتهم الخاصة الشخصية أو الحزبية أو الوظيفية أو الجاه والمنزلة. فلا بد أن نُقدم بعد شرع الله عز وجل مصلحة الوطن ككل فوق الحزب وفوق الجماعة.
 
نعود إلى النقطة المتعلقة بنا نحن، وهي قضية الانحراف داخل فصائل منتسبة إلى العمل الإسلامي 
 
ونؤكد خطأ وخطورة التعميم، وأنه لا يجوز أن يُعمم الحكم على جميع الناس. قال تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، فلا يصح أن يعاقب كل من ينتسب للعمل الإسلامي عقوبة جماعية دون أن يكون مرتكبا لجريمة أو معاونا على ارتكاب جريمة، وهذا منصوص عليه في الدستور أن العقوبة شخصية.
 
خطر هذا الانحراف الحاصل أن الفصائل التي انحرفت هذه المرة فصائل كبيرة وسيطر على قيادتها اتجاهات فيها انحراف.
 
فما هي أهم معالم هذا الانحراف الفكري والمنهجي؟
 
هذا الأمر لن يُعالج في مقالة أو كلمة في مؤتمر، بل إن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة تفصيلية.
 
فسأضع سبعة "عناوين"، كلٌ منها إذا لم يقوم الإخوة والأخوات بدراسته دراسة تفصيلية فعندئذ الخطر عظيم جدا، وخاصة النساء لأن وضع النساء خصوصا وضع مقلق جدا، فجزء كبير جدا من الاضطراب والفوضى والعنف تكون النساء عامل أساسي فيه – واحدة فقط تُجر في الطريق العام فضلا عن أن تُجرد من ملابسها – فتخيل الألم والفوضى والعنف الذي يمكن أن يحدث، والبعض بسبب وجود الانحراف الفكري تجد أنها هي التي تسعى وتحاول أن يحدث معها هذا الأمر!
 
مثل محاولة البعض الآن في قضية المصاحف.
أولا: أقول للشباب لا يجوز تعريض المصحف للإهانة وحمله إلى مكان يغلب على الظن فيه حدوث امتهان للمصحف.
 
وثانيا: من يواجهون هؤلاء الشباب لابد أن يحذروا، لأن المطلوب من أجل استمرار مسلسل العنف والتكفير أن تُلتقط صورة لمصحف أُلقي على الأرض أو لجندي أو مسئول وهو يطأ المصحف..
فمن سيقول ساعتها أن هذا بقصد أو بدون قصد؟ ومن سيقول ساعتها هل يعلم أنه مصحف أم لا؟ لذلك أحذر من أن يقع أحد في هذا الفخ لأن البعض في نيته – وهذه نية خبيثة –  أن يقول أن الآخر لا يعرف حرمة المصحف، فهناك فخاخ منصوبة.
 
فلابد للنساء من دراسة هذه المسائل ومعرفتها تفصيلا.
 
من أخطر محاور الانحراف لدى هذا الفكر:
 
1- استعمال مصطلح "المجتمع الجاهلي" مع عدم ضبط الفرق بين جاهلية الكفر وجاهلية المعصية، ثم اختلاف الفصائل المنحرفة في فهم كلمة "المجتمع الجاهلي". هذه الكلمة من المعلوم أن أول من استعملها الأستاذ سيد قطب –غفر الله له-، فقد استعملها في مواضع مختلفة وتلامذته من بعده اختلفوا في فهمها.
 
وكلمة "الجاهلية" مستعملة في الشرع، قال تعالى: "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية"، وقال: "يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية"، وقال: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"، وقال: "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن ربا الجاهلية تحت قدمي موضوع".
 
فالألفاظ وُجدت في الشرع، ولكن لابد من الفهم الصحيح لها. فهناك جاهلية تُفارق الإسلام وهناك جاهلية تُجامع أصل الإسلام، أما كلمة "المجتمع" فإنها لم تُستعمل في القرآن، ولذلك أصبح لها تفسيرات:
 
التفسير الأول لهذه الكلمة هو تفسير "شكري مصطفي"، وكان تلميذا للأستاذ "سيد قطب"، حيث فسر كلمة "المجتمع الجاهلي" بالمجتمع الكافر الخارج من الملة كل أفراده، جيشا وشرطة وشعبا ماعدا أفراد الجماعة!! وجماعات التكفير هذه ما زالت موجودة، منهم من يحمل السلاح ومنهم من لا يحمل السلاح، لكن الفكر نفسه فكرٌ خرب بسبب هذا التفسير؛ أن المجتمع الجاهلي يُتحوصل ضده لأنه مجتمع كافر، تُستباح فيه الدماء والأعراض والأموال العامة والخاصة، وللأسف الشديد أن كثيرا ممن يُمارس العنف في زماننا صار يتبنى هذا المصطلح بهذا المعنى.
 
التفسير الثاني لكلمة "المجتمع الجاهلي" هو التفسير الموجود داخل الفكر القطبي، وهم الذين تتلمذوا على يد سيد قطب، لكن صاروا يتسمون بأسماء أخرى، وقاموا بنشر هذا الكلام في كثير من المجتمعات وليس في مصر وحدها. وهو تفسير الأستاذ "محمد قطب" و"عبدالمجيد الشاذلي" في جماعة "التوقف والتبين" الذين يقولون أن "المجتمع الجاهلي" تساوي "دار الكفر" ولا يلزم أن يكون كل أفراد المجتمع كفار. والمجتمع الجاهلي عندهم ينقسم ثلاثة أقسام:
 
-        مسلمون بلا شبهة
-        كفار بلا شبهة
-        طبقة كبيرة متميعة لا نشغل أنفسنا بالحكم عليها، فهذه الطبقة عندهم مجهولة الحكم ويُتوقف فيها، وقد ذكر محمد قطب هذا الكلام في كتابه "واقعنا المعاصر" وذكره عبد المجيد الشاذلي في كتابه "حد الإسلام".
 
وتلامذة الأستاذ محمد قطب في الجامعات السعودية وفي غيرها تشربوا هذا المنهج – وإن كان في بيئة سلفية – لكن البذرة بذرة قطبية. وتشرّب هذا المنهج "جماعة الجهاد"، وإن كنت أتحرج من استعمال هذا الاسم لأنه اسم شريف، فأنا أقول أنهم جماعة الصدام والعنف، لكن المشكلة أنهم تسموا بهذا واشتُهروا به. فكل هذه الاتجاهات عندهم كتاب أساسي لا بد أن يُدرّس هو كتاب "معالم في الطريق" للأستاذ سيد قطب.
 
فهؤلاء الفصائل الثلاثة (التكفير الصرف – والتوقف والتبين – والجهاد) وأيضا الذين يطلقون على أنفسهم اسم "الجبهة السلفية" يتبنون هذا الفكر ويعظمون رموزه ويعتبرون أنفسهم تلامذة الأستاذ سيد قطب ومحمد قطب وعبد المجيد الشاذلي، لذلك الصحيح أن يُطلق عليها "الجبهة القطبية" وليس الجبهة السلفية.
 
هذا الفكر الذي تبنته الجماعات الجهادية بما فيها "تنظيم القاعدة" و"أنصار بيت المقدس"، مع استغلال واضح جدا من البعض لاسم "السلفية"، وقد بدأته جهات أجنبية لوصف هذه الجماعات، لكونها مشتركة مع المنهج السلفي والدعوة السلفية في بعض المرجعيات. لكن شتان في طريقة الفهم، فتقسيم أن هناك سلفية تكفيرية وسلفية جهادية وسلفية علمية وسلفية مدخلية؛ هذا التقسيم بدأته أجهزة المخابرات الأجنبية ثم تسرّبت إلينا.
 
وهناك مراكز أبحاث قامت بنشر هذا التقسيم قبل عام 2002 وهذا الأمر وجد هوىً عند طوائف وجدوا أن اسم السلفية عندما يُستعمل في أفعال شديدة النكارة فهي فرصة للتخلص منهم جميعا، وفرصة للتخلص من المنهج نفسه والتخلص من الدين كما يريد الأعداء. وعلى الجانب الآخر هذه الجماعات وجدت أنها بالانتساب إلى السلفية تكتسب أرضية واسعة جدا.
 
ولكن الدعوة السلفية الحقيقية هي جزء من المجتمع وليست مُتحوصلة ضده ولا خارجه، وأنا أحذر من محاولة التحوصل ضد المجتمع أو التحوصل بعيدا عن المجتمع.
 
والجواب على هذا المحور هو التفصيل بين الجاهلية التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها لأبي ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، وقال: "أربع من أمور الجاهلية في أمتي لا يتركونهن: الطعن في الأنساب والفخر بالأحساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت". فلا بد أن نُفرق بين الكفر وبين المعصية، وبين الشرك وما دونه، قال تعالى: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".
 
فدراسة هذه المسألة بالتفصيل هو العلاج.
 
2-  عدم ضبط الفرق في قضية الحكم بغير ما أنزل الله؛ بين من يرد الشريعة ويُلزم بغيرها في التشريع العام، وبين من أراد التدرج في التطبيق مع كونه يلتزم  بها ويُعلي من شأنها، لكنه يقول نتدرج من أجل مراعاة القدرة والعجز ومن أجل مراعاة المصالح والمفاسد.
 
فنحن قد ورثنا هذه القوانين منذ مرحلة الاحتلال، والاحتلال انصرف بجنوده لكنه لم ينصرف بتأثيراته الهائلة على المجتمعات العربية والإسلامية ونحن لسنا وحدنا – حتى في داخل بلادنا – فلا بد من مراعاة القدرة والعجز والمصالح والمفاسد.
 
وقد نختلف معهم في كيفية التدرج وكم يستغرق من الوقت، لكننا في الجملة قابلين للتدرج بناءً على المصلحة والمفسدة والقدرة والعجز. وقضية التدرج أصبح منصوصا عليها في الدستور بضم أحكام المحكمة الدستورية إلى ديباجة الدستور؛ بالإلزام بالالتجاء إلى أحكام الشريعة، ولذلك فالبناء القانوني الدستوري للدولة المصرية ليس رادّا لشرع الله.
 
3- عدم ضبط الفرق بين كفر النوع وكفر العين، فهناك أنواع من الحكم بغير ما أنزل الله هي كفر أكبر ناقل عن الملة، وهناك أنواع من الموالاة لأعداء الله هي كفر ناقل عن الملة، وهناك أنواع من دعاء غير الله ونحو ذلك هي كفر ناقل عن الملة.. لكن المعين لابد فيه من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع بعد عرضه على قضاء شرعي أو أهل علم ليقيموا عليه الحجة. وقبل حكم أهل القضاء الشرعي وأهل العلم على شخص بعينه بأنه مرتد عن الإسلام؛ لا يصح لآحاد الناس أن يحكموا بكفره من أجل أنهم رأوه يرتكب كفرا، ولو كان متفقا على أن هذا كفر.
 
فدراسة موانع التكفير التي نص عليها العلماء مهم جدا في منع انتشار فكر التكفير والعنف.
 
4- عدم ضبط الفرق بين التكفير بالعموم وكفر النوع (إذا سلّمنا أن هذا الفعل كفر نوع فعلا)، وهذه المسألة موجودة عند التنظيمات الصدامية المسماة بالجهادية بطريقة فجة، فإنهم وإن كانوا لايكفرون المجتمع كله نوعا وعينا مثل جماعات التكفير الأخرى، إلا أنهم عندهم خلل خطير جدا في الفرق بين التكفير بالعموم - وهو نوع من التكفير بالعين- وبين كفر النوع. فالتكفير بالعموم يعنى أن كل هذه الطائفة كافرة، ومسألة تكفير الشرطة والجيش نبعت من هذه المسألة، وتكفير أصحاب الأحزاب السياسية والذين يشاركون في الانتخابات وتكفير كل أفراد الحكومات.. كل هذا نبع من هذا الباب بعد سلسلة من الإلزامات، وهذا خطر عظيم جدا. فالتكفير بالعموم لايكون إلا لطوائف خرجت من الملة بالكلية ولم تدن بدين الإسلام، وخرجت عن لا إله إلا الله محمد رسول الله، كمن يؤله غير الله أو كمن يكذب النبي صلى الله عليه وسلم، أو يقول بنبوة بعده عليه الصلاة والسلام، أو يكذب القرآن أو يطعن فيه.
 
لكن أهل الإسلام وإن وُجد في بعضهم من الأقوال التي نص العلماء على كفر قائلها؛ لا يلزم عليهم الحكم بالعموم. لذلك هي من أخطر المسائل في هذا الباب، كتكفير كل الجنود وكل من ارتدى زيا عسكريا وتكفير كل من استخرج كارنيه حزب وكل من اشترك في الحكومة... إلخ، فكل هذا من ثمرات عدم وضوح هذه المسألة لديهم.
 
5- انعدام ضبط مسائل الولاء والبراء في أصل معرفتها ثم في درجاتها وأحكامها، فلابد من معرفة معاني الولاء والبراء ومعرفة المعاملات التي لا تدخل في معاني الولاء والبراء، ثم لابد من معرفة درجات الولاء والبراء ومتى يكون كفرا ومتى يكون معصية. فلابد من دراسة هذا الباب دراسة تفصيلية.
 
6- خلل الفهم في مسألة الطائفة الممتنعة وتوصيف الدولة المصرية بأنها طائفة ممتنعة، وهذه من أخطر المسائل وكانت موجودة عند الجماعة الإسلامية ثم رجعت عنها في المراجعات التي قادها الدكتور "ناجح إبراهيم" جزاه الله خيرا والشيخ كرم زهدي. ولكن الطائفة الممتنعة عند الجماعة الإسلامية مختلفة عن الطائفة الممتنعة عند جماعة الجهاد، فهي عند جماعة الجهاد طائفة "كافرة" أما عند الجماعة الإسلامية فهي تستحق القتال ولا يلزم كفر كل أفرادها، ورجعوا عن فكرة القتال لضوابط معينة. ولكن للأسف الشديد فإن عدم ضبط هذه المسألة والخلل في معرفة حقيقتها، وتوصيف الدولة المصرية بأنها طائفة ممتنعة بعد النص على مرجعية الشريعة والإلزام بها في دستور الدولة المصرية؛ هو خطر عظيم. فلابد من دراسة ضوابط هذه المسألة.
 
7-قضية تغليب العاطفة على العلم في مسائل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقدرة والعجز والمصلحة والمفسدة.
 
هذه المسائل كلها علاجها بالدراسة الصحيحة والعلم النافع وضرب الأمثلة الصحيحة.
 
 أعود فأقول أن هناك محورين تكلمنا عنهما، لابد إذا أردنا معالجة قضية العنف أن نعالجهما وهما:
 
-        ممارسات وأفكار أناس داخل مؤسسات الدولة يؤججون طريق العنف.
 
-        مواجهة الدفع الخارجي في طريق العنف والصدام من دول وأجهزة مخابرات ومنظمات تهدف إلى هدم الدول والمجتمعات في طريق الفوضى الخلاقة.
 
 
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا وانصرنا على عدوك وعدونا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور.