متى يراجع المتعاطفون مع الإخوان أنفسهم (2)

  • 227

تكلمت في مقالة  (متى يراجع المتعاطفون مع الإخوان أنفسهم) ثم كتبت بعدها مقالة (دروس من المحنة السلفية الأولى: السلفيون والدولة) وقد تردد بصدد هذين المقالين بعض الأسئلة وأكرر أنني  هنا أوجه حديثي إلى كل من يؤمن بالثوابت السلفية ويعتقد العقيدة السلفية في مسائل الايمان والكفر؛ فلا يكفر المسلمين بالشبهة، ولا يكفر المعين الذى أتى الكفر إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، والذى يعرف ضوابط المصلحة والمفسدة عموما، وفى باب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر خصوصا؛ ولأن قسما من هؤلاء تبنى مواقف مؤيدة للحراك الإخواني منذ نشأة اعتصام رابعة والذى مثَّل نقطة فارقة في موقف الدعوة السلفية من الإخوان لما تبناه هذا الاعتصام من خطاب فيه تلويح بالعنف والتكفير وهو ما رفضته الدعوة السلفية، بينما انخرط فيه البعض ممن يرفضون التكفير والعنف؛ ظنا منهم أن هذه العبارات التي صدرت على منصة رابعة لا تمثل خطا عاما، ثم انتقل الحراك من التلويح إلى تبنى العنف والتكفير على درجات متفاوتة بين مكونات ذلك الحراك مما استدعى من أن ندعو هؤلاء إلى إعادة النظر في مواقفهم.
 
فكان المقال السابق ثم كان هذا المقال في مناقشة أهم ما نتج عنه من استفسارات وتساؤلات وهى:
 
1-       هل راعت الدعوة السلفية مصلحة الدولة في الانتقادات التي وجهتها إلى حكم الإخوان، وبعبارة أخرى ما هي الإجابة عن تهمة أن صوت الدعوة السلفية كان عاليا بالإنكار أيام الإخوان وأنه خفت أو اختفى بعدهم.
 
2-       لماذا لم يظهر اتهام الدعوة السلفية إلى الإخوان بتبني خطاب فيه عنف وتكفير إلا بعد اعتصام رابعة.
 
3-       أن موقف السلفيين من الإخوان هو نوع تصفية الحسابات لمواقف معروفة غدر بها الإخوان بالسلفيين
 
1-       إجابة شبهة: لماذا علت أصواتكم بالإنكار على الإخوان بينما خفتت أو تلاشت في الإنكار على المنكرات التي حدثت بعدها
 
لو أراد الإنسان أن يضرب مثلا على قاعدة "ما تكرر تقرر" فلن يجد أولى من هذا الادعاء الذى يردده أقوام على قيد الحياة عن أحداث شاهدوها بأنفسهم، ولو قيد لأحد من الأزمنة القادمة قراءة هذا الاتهام لذهبت به الظنون إلى أن الدعوة السلفية قد نظمت مليونيات حاشدة في التصدي لقرارات فتح السياحة الشيعية، أو أن الدعوة السلفية دعت إلى إضراب عام ريثما تقف عملية الأخونة، أو أن الدعوة السلفية هي من صنعت أزمة الضباط الملتحين، ويمكن الإجابة باختصار عن هذه الشبهات على النحو التالي:
 
1-       كثيرا ما يبدأ من يلقى هذه التهمة بادعاء سكوت الدعوة السلفية عن منكرات حدثت بعد 3-7 ثم بعد أن تحليه على بيانات للدعوة وتصريحات لقادتها وربما خطب أو دروس أو ندوات فيتراجع إلى ادعاء أن الصوت كان خافتا فلنتبه إلى هذا.
 
2-       كثير ممن يعقد المقارنة بين درجة علو صوت الدعوة بالإنكار قبل وبعد الإخوان يتحدث عن الضجة التي يثيرها كل من الإعلام الإخواني والعالماني حول المواقف وليس صوت إعلام الدعوة الخافت بطبعه لضيق ذات اليد في كل المواقف، فإذا كان الاعلام العالماني لم تكن له مصلحة في إبراز رفض جمعة التفويض فللأسف فالإعلام الإخواني الذى لا يريد بطبيعة الحال أن يقدم أي دليل على نفى تهمة العمالة التي يتبناها عن بكرة أبيه.
 
3-       سوف نتنزل في المناقشة إلى أقصى حد ونوافق (جدلا) على أن ثمة فرق ين (شدة علو الصوت في الحالتين) فنقول: طالما أن الأمر يتعلق (بشدة علو الصوت) فهل تجدون في شرع أو في عقل أنه يتحتم أن يكون صوتك في ذات القوة في كل وقت؟ وهل كان ينبغي أن يكون إنكارك في موقف كموقف الشيعة في عهد د. مرسى أقل من أن تذكر الرجل بعهود ومواثيق وإيمان مغلظة أقسمها في هذا الباب حتى ولو كنت مع غيره تخاطبه خطابا عاما من باب ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.
 
و هل يمكن أن الحال والإسلاميين معهم أغلبية البرلمان والرئاسة والشعب ملتف حولهم من أجل الدين، ثم يكون الدين الذى وعدنا الناس به هو الترحيب بالشيعة بالحال التي الإسلاميون فيها متهمون بسبب فعل فصائل منهم بالإرهاب والتكفير ومحاربة عامة الناس في أرزاقهم، لا شك أنه لو وجد خفوت في الصوت فإنه مراعاة لحالة الضعف التي وضعنا فيها خطاب العنف والتكفير ثم ممارسة هذا الخطاب عمليا.
 
4-       و أما الاجابة التفصيلية عن كل موقف من التي قيل فيها أن الدعوة رفعت صوتها عاليا في عهد الإخوان فيطول المقام في بيان أن الصوت كان حينها في غاية الهدوء والأهم من هذا أن الغرض منه كان بالمصلحة العامة للدولة التي جهلها أو تجاهلها الكثير ممن كانوا يشيرون على الرئيس او يتحركون باسمه آنذاك .
 
-         فمبادرة حزب النور عرضت أولا على  د. مرسى ورحب بها كثيرا لما كانت تمثل له من انفراجة مع المعارضة التي كانت تواجهه وبعدما تحرك الحزب فيها اعترض عليها الإخوان وحزب الحرية والعدالة، ثم وبعد الهجوم والتبديع والذى منه حاولا اتمامها والاعلام الإسلامي يهاجم ويخون حزب النور ثم يعود ويدافع عن ذات الفعل على اعتبار أنه صادر من حزب الرئيس ثم لما فشلوا لأن الطرف الآخر قبل على أساس وجود وسيط هو حزب النور لا أن يكون الوسيط هو ذات الخصم عادوا مرة أخرى يخونوا المبادرة وإلى الان.
 
و بالمناسبة ذات الموقف تكرر مع مبادرات تم طرحها بعد 3-7 وكادت أن تنجح لولا اعتراض "صقور الجماعة" والآن يحاول الشيخ راشد الغنوشي أن يحيي بعض هذه المبادرات ولكن بعد أن تجاوزها الواقع تماما
 
-         و أما قضية الضباط الملتحين فأعجب ما فيها أن بعضهم الآن لا يهاجم إلا حزب النور على اساس أنه أيد قضيتهم ايام الإخوان وسكت عنها الآن مع أن غاية ما فعلناه وقتها أننا حضرنا مؤتمرات هؤلاء الضباط والآن هم لا يقيمون مؤتمرات أصلا فلو كان هذا يمثل قدحا للحقهم هم في الأساس
 
ومع هذا فالحمد لله الذى أنطق احدهم وهو الأخ هاني الشاكرى الذى ذكر أنه ذهب إلى غير واحد -منهم كاتب هذا المقال- فنصحوه باللجوء للقضاء وهذا يعنى أننا لم نسعى إلى احراج د. مرسى ولا برفع الأمر إليه وإنما نصحناهم بالبعد عنه واللجوء إلى القضاء فلما لجأوا إلى القضاء وحكم لهم، ثم رفض وزير الداخلية تنفيذ الحكم وأقاموا مؤتمرات فشاركنا فيها فأين المزايدة إذن.
 
و أحب أن أذكر العقيد أحمد شوقي بما كال للدكتور مرسى من نقد لاذع في مؤتمر بأسيوط ذكر فيه أن د. مرسى متراخ في تطهير الداخلية ومبقى لفسادها الذين كان في عصر مبارك وقد نصحته حينها أن يكون موضوعيا وألا يحمل الرجل فوق طاقته ولم يعجبه حينها هذا الكلام فأين المزايدة اذن
 
-         و أما ملف الأخونة فعرضه د. يونس في لقاء خاص مع د. مرسى وهو الذى طلب طرحه في اللقاء ومستشارة الرئيس هي من كانت تترك الاذاعة على الهواء والملف بالفعل كان من اهم أسباب حنق الشعب على حكم الإخوان وجمع د. يونس ما وصل الى الحزب من شكاوى من 13 محافظة ولم يستكمل الباقي فأتى بالملف على ما هو عليه على أن يستكمل باقي المحافظات لاحقا
 
و بعدها نشرت بعض الصحف 13000 وظيفة يشغلها الإخوان وهى معلومات تفوق بكثير الشكاوى التي جمعها الحزب ورفعها للرئيس مما يدل على أن جهات عديدة كانت ترصد الأمر ومع هذا فلا زال الجميع يتساءل من أين أتى حزب النور بال 13000 وظيفة مع أن الملف الذى تسلمه الإخوان كان لا يتجاوز مائتي وظيفة من 13 محافظة هي مجمل الشكاوى التي قدمها مواطنون في مقار حزب النور
 
-         و أما الموقف من الشيعة فلم يتجاوز ندوات للتوعية من الخطر الشيعي الذى تزايد بفتح باب السياحة الايرانية مع مناشدة مجرد مناشدة د. مرسى أن يفي بوعوده وأيمانه المغلظة أنه لن يفعل هذا
 
و حتى الموقف من رفض قانون القضاء ومن الاصرار على تعديل قانون الصكوك وغيرها، كل هذا كان نابعا من النصيحة الخالصة ومن باب الحرص على الدولة من فريق وصل إلى الحكم وهو لا يحسن إلا المعارضة ويرى لنفسه دراية بالدين، ومكتب إرشادهم لا يكاد يوجد فيه من يصدق عليه وصف الباحث بعلوم الشريعة، ولا يهم بعد ذلك أن تضم الجماعة أو يكون من بين المتعاونين معها عشرات الباحثين طالما أن القرارات تصدر من هؤلاء، ولا أريد أن أكرر الكلام الجارح جدا الذى ذكره الشيخ الغزالي رحمه الله عن مكتب ارشاد الجماعة عندما خرج منها فليرجع إليه من شاء فإن الأمور على ما هي عليه منذ ذلك الزمان إن لم يكن أسوأ، ولكنى سأذكر ما حكاه لي أحد الذين تركوا الجماعة من جيل الجماعة الاسلامية نقلا عن أحد كبار من تركوها "أن جماعة الإخوان تحسن كل شيء إلا أمرين الدين والسياسة"
 
و إذا كان لهذه الأزمة من فوائد فهي ضرورة أن تدرك الجماعة قبل غيرها أن من المستحيل أن تكون قيادات جماعات بهذا الحجم على هذه الدرجة من الجمود في الخبرات والمفاهيم وفى كل شيء وأن يكون مصير كل من لديه رؤية مغايرة إما الطرد وإما الاذعان مع التكفير عن جريمته بقية عمره كما فعل الأخ حمزة زوبع الذى أبدى رؤية مقاربة لرؤية حزب النور فكاد أن يطرد فعاد وكفر وما زال يكفر عن "جريمته" بالمبالغة في نقد حزب النور والدعوة السلفية
 
2-       لماذا لم يظهر اتهام الدعوة السلفية إلى الإخوان يتبنى خطاب فيه عنف وتكفير إلا بعد اعتصام رابعة
 
مر الإخوان في تاريخهم منها المرحلة الأولى للأستاذ البنا والتي استعمل فيها خطابا دعويا وتبنى منهجا اصلاحيا وهى مرحلة الثلاثينات
 
و أما المرحلة الثانية من حياته فوضه فيها بذور الاستعلاء والعنف (و قد فصلها الاستاذ أحمد ربيع احد قيادات الإخوان المستقيلة في كتاب الغام في منهج الإخوان المسلمين)
 
ثم جاء سيد قطب فاستكمل إنبات بذور التكفير والعنف.
 
ثم عادت الجماعة على يد التلمساني  في السبعينات الى الوجه الأول للبنا وأغلقوا ملف النظام الخاص بأن عنفه كان موجها الى الانجليز فقبل الجميع منهم هذا الكلام على "علاته" تقديما للواقع على التاريخ
 
و لكن لما عاد الإخوان أو فريق منهم على الاقل الى ذات افكار وممارسات النظام الخاص ولما نشر موقع الجماعة ثناء على النظام الخاص وأنه اعيد تشكيله في عهد الهضيبي (أي بعد جلاء الانجليز عن مصر) كان لا بد من التعامل مع هذا الواقع الجديد والتعريف به والتحذير منه
 
3-       أن موقف السلفيين من الإخوان هو نوع تصفية الحسابات لمواقف معروفة غدر بها الإخوان بالسلفيين
 
من أعجب الامور أن يستدعى محاورك الإخواني أو المدافع عن الإخوان مواقف "لجرائم" بحق السلفيين كان من آخرها تشويه سمعة د. خالد علم الدين والكذب المتعمد، بل والأيمان الكاذبة التي حلفت لنا وحلفت لرموز اسلامية ليخرجوا في الفضائيات والمنابر ليعلنوا أن هناك من رأى وسمع ومنهم من تراجع بعد ذلك منهم الشيخ فوزى السعيد مع أنه لم يراجع موقفه من هؤلاء الذين حلفوا له كذبا وجعلوه يستعمل منبره في إلصاق تهمة ببريء ومع ذلك فجزاه الله خيرا لأن غيره لم يتجاسر ان يكذب الخبر بعد ما تبين له.
 
فيسوق الواحد منهم هذا الجرائم لكى يقلبها حجة لهم وذريعة أن مواقفك ما هي إلا رد فعل لذلك العدوان
 
أي أن متى اعتدى عليك فليس أمامك إلا تأييد ذلك المعتدى وفى أمور تدمر الدولة والدعوة في آن واحد لكى تكون بريئا عند هؤلاء وإلا دخلت تحت طائلة أنك تنتصر لنفسك
 
و بحمد الله فإن الله قدر أن يكون آخر مشهد حافل للإسلاميين في 1-12-2013 وما بذلت فيه الدعوة من جهد حيث قبل الإخوان فيه وكانت آخر مرة يقبلون فيها النصح أن ينقلوها بعيدا عن ميدان التحرير حيث كان تجمع المعارضين للدكتور مرسى
 
و بعده بأيام قرر الإخوان والمتحالفين معهم نقل الفاعليات إلى ميدان رابعة العدوية وقريبا من تجمع المعارضين في الاتحادية فانسحبت الدعوة منذ ذلك اليوم من هذا الحلف، ونعم ما فعلت بحمد الله تعالى
 
فالولاء والبراء انما هو ولاء لعموم المسلمين وليس للجماعات الاسلامية أو للإخوان خاصة كما يردد الإخوان أو المتحالفين معهم فكانت مقتضي الفهم الحقيقي للولاء والبراء هو عدم المساهمة في أي وضع للبنزين بجوار النار وبالفعل أكد الواقع هذا فوقعت مواجهات الاتحادية ثم ما تلاها إلى أن وصلنا إلى "العقاب الثوري" وحرق القطارات والترامات ووضع العبوات الناسفة في الطرقات
 
و الشاهد أنه بعد كل هذه المواقف من الإخوان كان مليونية 1-12 وبعدها لم يستجيبوا لأدنى مطالبنا الشرعية وأصروا على وضع البنزين بجوار النار فتركهم عن بصيرة بحمد الله وما زلنا نزداد كل يوم بصيرة في هذا الموقف ولم يكن الموقف تصفية حسابات كما يزعم الزاعمون، والحمد لله رب العالمين.