ما الذي جرى للمصريين؟

  • 171

مشاهد غريبة ومتعددة تصدر عن الكثير من المصريين مع بعضهم البعض تدل ‏على انعدام الرحمة والشفقة من القلوب، لقد ملأت القسوة قلوب الكثيرين ‏فأصبحنا نرى مشاهد ما كنا نراها في الماضي، وأصبحنا نسمع ألفاظ السب ‏والشتم في أسوأ أشكالها، وتحدث لأتفه الأسباب، وأصبحنا نرى مشاهد ‏الاستفزاز بشكل يثير الدهشة، لقد غفل الناس عن التراحم بينهم ونسوا أوامر ‏الرحمن الرحيم في كتابه الكريم وعلى لسانه نبيه صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه رحمة للعالمين، ‏فالله عز وجل من أسمائه الرحمن الرحيم، وقد حضنا على التراحم، وذم اليهود ‏أصحاب القلوب القاسية فقال لهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، وأمرنا أن نسأله أن يرحمنا، فكان طلب الرحمة ‏من دعاء الأنبياء، فهذا آدم -مع زوجته- كان من دعائهما: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وكان من دعاء ‏نوح: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}، وهكذا، وقد وصلت ‏مبالغته بالرحمة أن جعلها الهدف من إرساله النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا ‏رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وها هو صلى الله عليه وسلم يحضنا على التراحم ويحذرنا قائلا: «من لا يَرحم ‏لا يُرحم»، قالها دون تقييد يعني من لا يرحم الناس لا يرحمه رب الناس، وقال ‏أيضا: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، وقال محذرًا: «إنما يرحم ‏الله من عباده الرحماء»، ولقد أخبرنا منبها مبينا فضل الرحمة و ‏ما تغفر ‏لصاحبها من الذنوب أن امرأة وهي بغي من بغايا بني إسرائيل غفر الله لها في ‏كلب ‏كاد يقتله العطش فنزعت موقها فسقته فغفر الله لها بذلك.‏
 
والمرء يتعجب من أصحاب القلوب القاسية –وما أكثرهم في زماننا-، وأسوق ‏لكم نموذجين من واقع الحياة في هذه الأيام:‏
 
النموذج الأول لامرأة لها ستة من الإخوة كلهم متزوجون وهي منفصلة عن ‏زوجها فعاشت بضعة شهور مع أخيها الأكبر ثم طردها فطافت على بقية ‏إخوتها فلم يفتح لها أحد بابه، واستضافتها امرأة صديقة لها فنزلت ضيفة عليها ‏حتى تم تجهيز شقة مكونة من غرفة وحمام استأجرها لها بعض أصحاب القلوب ‏الرحيمة، فانظر إلى قسوة قلوب هؤلاء وهم أشقاؤها وأولى الناس بها وقد تركها ‏الأبوان أمانة في أعناقهم فخانوا الأمانة وما ذلك إلا بسبب قسوة قلوبهم.‏
 
أما النموذج الثاني: فهو في قريتنا لأسرة عائلها رجل مريض ومعاشه ضئيل ‏وعنده بنات يجهزهن للزواج، فلجأت امرأته إلى التعاقد مع محل تأخذ منه المرأة ‏بعض السلع المتعلقة بالنساء بالتقسيط وتقوم هي ببيعها لنساء القرية القريبات ‏من محل إقامتها وذلك بسعر أعلى قليلا وتحصل على فرق السعرين لتساعد به ‏زوجها وأسرتها، فجاء صاحب قلب قاسٍ وفي غفلة منها حين تركت متاعها في ‏وسط دارها والباب مفتوح لتحضر شيئا من خارج البيت، فلما عادت وجدت ‏صاحب القلب القاسي الذي انتزعت منه الرحمة قد سرق رأس مالها كله وتركها ‏‏–حسبما وُصِف لي- وقد أظلمت الدنيا في وجهها، أتدرون بكم تقدر قيمة ‏هذا الرأس مال؟ بخمسمائة جنيه، وكان هذا المبلغ بالكامل دينا عليها للمحل.‏
 
يا أصحاب القلوب القاسية، ويا أصحاب الألسنة التي تنطلق بالبذاءات سبًا ‏وقذفًا ليلًا ونهارًا، ويا أصحاب الأيادي التي تمتد بالأذى على المسلمين، اتقوا ‏الله، خافوا الله، واعلموا أنكم ستكونون في أمس الحاجة إلى رحمته حين يطبق ‏كلام النبي صلى الله عليه وسلم «إنما يرحم الله من عباده الرحماء».‏