مشاهد غريبة ومتعددة تصدر عن الكثير من المصريين مع
بعضهم البعض تدل على انعدام الرحمة والشفقة من القلوب، لقد ملأت القسوة قلوب الكثيرين
فأصبحنا نرى مشاهد ما كنا نراها في الماضي، وأصبحنا نسمع ألفاظ السب والشتم في أسوأ
أشكالها، وتحدث لأتفه الأسباب، وأصبحنا نرى مشاهد الاستفزاز بشكل يثير الدهشة، لقد
غفل الناس عن التراحم بينهم ونسوا أوامر الرحمن الرحيم في كتابه الكريم وعلى لسانه
نبيه صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه رحمة للعالمين، فالله عز وجل من أسمائه الرحمن
الرحيم، وقد حضنا على التراحم، وذم اليهود أصحاب القلوب القاسية فقال لهم: {ثُمَّ
قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}،
وأمرنا أن نسأله أن يرحمنا، فكان طلب الرحمة من دعاء الأنبياء، فهذا آدم -مع زوجته-
كان من دعائهما: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وكان من دعاء نوح: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي
أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ}، وهكذا، وقد وصلت مبالغته بالرحمة أن جعلها الهدف من إرساله
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}،
وها هو صلى الله عليه وسلم يحضنا على التراحم ويحذرنا قائلا: «من لا يَرحم لا يُرحم»،
قالها دون تقييد يعني من لا يرحم الناس لا يرحمه رب الناس، وقال أيضا: «ارحموا من
في الأرض يرحمكم من في السماء»، وقال محذرًا: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء»،
ولقد أخبرنا منبها مبينا فضل الرحمة و ما تغفر لصاحبها من الذنوب أن امرأة وهي بغي
من بغايا بني إسرائيل غفر الله لها في كلب كاد يقتله العطش فنزعت موقها فسقته فغفر
الله لها بذلك.
والمرء يتعجب من أصحاب القلوب القاسية –وما أكثرهم
في زماننا-، وأسوق لكم نموذجين من واقع الحياة في هذه الأيام:
النموذج الأول لامرأة لها ستة من الإخوة كلهم متزوجون
وهي منفصلة عن زوجها فعاشت بضعة شهور مع أخيها الأكبر ثم طردها فطافت على بقية إخوتها
فلم يفتح لها أحد بابه، واستضافتها امرأة صديقة لها فنزلت ضيفة عليها حتى تم تجهيز
شقة مكونة من غرفة وحمام استأجرها لها بعض أصحاب القلوب الرحيمة، فانظر إلى قسوة قلوب
هؤلاء وهم أشقاؤها وأولى الناس بها وقد تركها الأبوان أمانة في أعناقهم فخانوا الأمانة
وما ذلك إلا بسبب قسوة قلوبهم.
أما النموذج الثاني: فهو في قريتنا لأسرة عائلها رجل
مريض ومعاشه ضئيل وعنده بنات يجهزهن للزواج، فلجأت امرأته إلى التعاقد مع محل تأخذ
منه المرأة بعض السلع المتعلقة بالنساء بالتقسيط وتقوم هي ببيعها لنساء القرية القريبات
من محل إقامتها وذلك بسعر أعلى قليلا وتحصل على فرق السعرين لتساعد به زوجها وأسرتها،
فجاء صاحب قلب قاسٍ وفي غفلة منها حين تركت متاعها في وسط دارها والباب مفتوح لتحضر
شيئا من خارج البيت، فلما عادت وجدت صاحب القلب القاسي الذي انتزعت منه الرحمة قد
سرق رأس مالها كله وتركها –حسبما وُصِف لي- وقد أظلمت الدنيا في وجهها، أتدرون بكم
تقدر قيمة هذا الرأس مال؟ بخمسمائة جنيه، وكان هذا المبلغ بالكامل دينا عليها للمحل.
يا أصحاب القلوب القاسية، ويا أصحاب الألسنة التي تنطلق بالبذاءات سبًا وقذفًا
ليلًا ونهارًا، ويا أصحاب الأيادي التي تمتد بالأذى على المسلمين، اتقوا الله، خافوا
الله، واعلموا أنكم ستكونون في أمس الحاجة إلى رحمته حين يطبق كلام النبي صلى الله
عليه وسلم «إنما يرحم الله من عباده الرحماء».