مِن جرائم داعش: قطع الرءوس تحت راية التوحيد

  • 186

بقلم- د. خالد آل رحيم
انتشرت في الآونة الأخيرة الفيديوهات والصور التي تظهر مَن يدَّعون الإسلام ويستظلون براية التوحيد
وهم يذبحون الناس بطريقة وحشية، فيصدرون بهذه الصور لغير المسلمين صورة بشعة وقاتمة للإسلام، وهو منها برئ براءة الذئب مِن دم ابن يعقوب عليهما السلام، ولأن كثير من الناس يتعاطفون مع هذه المشاهد، ويفرحون بدولة الإسلام الجديدة، ويُغررون بتلك الشعارات الزائفة، أردنا أن نوضح لهم حقيقة هذا الأمر، وهل هو مِن الدين أم لا؟ وهل فعله صلى الله عليه وسلم أم لا؟
 
لقد جاء الإسلام بشريعة واضحة لا لبس فيها, توجب حسن التعامل مع الأسرى وبما يتناسب مع إنسانيتهم بقوله تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"؛ فيقول أبو عزيز -مِن أسارى بدر-: «كنت في رهط مِن الأنصار حين أقبلوا بي مِن بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحي فأردها على أحدهم فيردها على ما يمسها».
 
وقال قتادة كما في تفسير الطبري: «أمر الله بالأسرى أن يُحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذٍ لأهل شرك وأخوك المسلم أحق أن تطعمه».
 
وعن سمرة بن جندب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة وينهانا عن المثلة، والمثلة: تعذيب المقتول بقطع أعضائه وتشويه خلقه قبل أن يقتل أو بعده، وذلك مثل أن يجدع أنفه أو أذنه، أو تفقأ عينه، أو ما أشبه ذلك مِن أعضائه.
 
قال ابن عبد البر: «فالمثلة محرمة في السنة المجمع عليها، ويدخل في المُثلة: قطع رأس الميت»؛ فذبح الأسير (المستحق للقتل) بالسكين محرم شرعًا، فما بالنا بغير المستحق لذلك؟ وهذا لعدة أمور:
 
أولًا: هل وردت هذه القتلة عن رسول الله وصحابته؟ والجواب: أن هذه الطريقة لم تُعهد إلا عن الخوارج؛ كما ورد في كتب السير عندما ذبحوا عبد الله بن خباب كما تُذبح الشاة، ولم يرد ذلك عن صحابته صلى الله عليه وسلم؛ فعن عقبة بن عامر أن عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بعثاه بريدًا برأس (يناق البطريق) إلى أبي بكر الصديق، فلما قدم على أبي بكر بالرأس أنكره, فقال: يا خليفة رسول الله؛ إنهم يفعلون ذلك بنا. فقال: فاستنانًا بفارس والروم؟ لا يحلمن إلى رأس، فإنما يكفيني الكتاب، وفي رواية أخرى قال: إنما هذه سنة العجم.
 
وعن الزهري قال: لم يُحمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم رأس قط ولا يوم بدر، وحُمل إلى أبي بكر رأس فأنكره.
 
ثانيًا: لأن ذلك منافٍ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، قال ابن تيمية: «ففي هذا الحديث أن الإحسان واجب على كل حال، حتى في حال إزهاق النفوس، ناطقها وبهيمتها، فعلمه أن يُحسن القتلة للآدميين والذبحة للبهائم».
 
قال النووى: أن الحديث: عام في كل قتيل مِن الذبائح والقتل قصاصًا أو حدًّا، والطريقةُ الأيسر والأسهل للقتل هي: ضرب مؤخر العنق بالسيف ضربةً واحدةً يكون بها زهوق الروح، وقد جرى العمل على ذلك في مختلف العصور والأزمان.
 
وقال: أن يقتله بأحسن وجوه القتل وأوحاها وأيسرها، وذلك ينفي تعذيبه والمثلة به.
 
قال ابن رجب: «والإحسان في قتل ما يجوز قتله مِن الناس والدواب: إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأوحاها مِن غير زيادة في التعذيب؛ فإنه إيلام لا حاجة إليه».
 
أقول: وهذا فيمن يجوز قتله، أما غيره فلا يجوز أصلًا التعدي عليه ولو بالسبِّ.
 
ثالثًا: فيه مِن التعذيب والإيلام الشديد للأسير؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان»؛ أي: أن أهل الإيمان والتقوى هم أكثر الناس رحمةً وإحسانًا في طريقة القتل.
 
قال المناوي: هم أرحم الناس بخلق الله، وأشدهم تحرِّيًا عن التمثيل والتشويه بالمقتول، وإطالة تعذيبه؛ إجلالًا لخالقهم، وامتثالًا لما صَدَرَ عن صَدْرِ النبوة مِن قوله: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة»، بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذُق قلوبهم حلاوة الإيمان، واكتفَوا مِن مُسماه بلقلقة اللسان، وأُشرِبُوا القسوة، حتى أُبعدوا عن الرحمن، وأبعدُ القلوب مِن الله: القلب القاسي، ومَن لا يَرحم لا يُرحَم.
 
رابعًا: الاستدلال الباطل: يستدلون بهذه الآية في ذبح كل مَن يقع تحت أيديهم  ?فَإِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ?، وهذه الآية تتحدث عن مواجهة الكفار حال الحرب والقتال، وهنا يجوز قتل الكافر بأية وسيلة كانت، وإن كانت لفظة ضرب الرقاب تختلف عن الذبح بالسكين، فالأُولى تكون بضربة واحدة بالسيف تزهق بها الروح مباشرةً، خلافًا للذبح الذي يكون بمعالجةٍ وتكرار إمرارٍ للسكين على الرقبة، مما يؤدي إلى تعذيب المقتول، وزيادة إيلامه أثناء إزهاق الروح. وكذلك يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم كما فى المسند: «يا معشر قريش؛ أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح»، والذبح هنا المقصود به القتل. قال الزبيدي: «لقد جئتكم بالذبح؛ أي: بالقتل»، وقال السرخسي في إبانة الرأس مثله.
 
أقول: فكيف بمن يقطعون الرءوس ويلعبون بها الكرة في الطرقات ويعطونها للصبية يلعبون بها؛ فهذا لا يدل على دين أو شريعة أو رسول، إلا إذا كان عندهم رسول غير رسولنا وشريعة غير شريعتنا!!
 
وأختم بهذه الكلمات لعلها تجد آذانًا صاغية:
 
قال الأديب الفرنسي (فولتير): «لقد أكد انتشار الإسلام بالإقناع والأخلاق»، ويقول: «ليس صحيحًا ما يدعى أن الإسلام استولى بالسيف قهرًا على أكثر مِن نصف الكرة الأرضية، بل كان سبب انتشاره شدة رغبة الناس في اعتناقه بعد أن أقنع عقولهم، وإن أكبر سلاح استعمله المسلمون لبث الدعوة الإسلامية هو اتصافهم بالشيم العالية؛ اقتداءً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم».