رسالة إلى.. "إخواني"

  • 171

وصلتني رسالة من فرد لا أعرفه من جماعة  الإخوان، وقد رددت عليه بهذه الرسالة، فهل توافقونني عليها أم لا؟
 
أخي الفاضل: السلام عليكم؛
على أي حال، كتابتك نوضح أنك ذو عزم؛ فأنت رغم ما تشعر به من ألم، تُواصِلُ العمل، وهذه صفة حميدة ولاشك، ولكن -أخي الفاضل- مواصلة المسير بعزم لا تعني حتمية الوصول للغاية، فلابد من شروط أخرى هي من توفيق الله عز وجل، منها أن تمتلك خريطة، وهذا أيضا لا يكفي، بل لابد وأن تكون الخريطة صحيحة.
 
وقبل أن أستكمل، لابد أن أوضح موقفي من الإخوان، وهو في آية: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وفي آيات أخرى كثيرة منها: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).
 
وكان لابد لي من توضيح ذلك قبل أن أقول لك ما لن تقبله نفسيا، مع حالة الإستنفار هذه التي تمنعك من قبوله أو حتى مناقشته.
 
عزيزي الفاضل: الخريطة التي تحدد إحداثيات الواقع الذي نعيش، والتي تتحركون وفقا لها، ما هي إلا وهم.
 
هذا الوهم هو الذي جعلكم تخالفون ما قررتموه بحكمة من عدم دخول إنتخابات الرئاسة، وهونفس الوهم الذي تعاملتم به مع إرهاصات 30\6 وهو نفس الوهم الذي أدرتم به مرحلة ما بعد 3\7
 
أخي الفاضل: لعلي أفرطت في إثارة الألم، لكني أكثر ألما منك على هذه الفرصة -ولست شابا- في رؤية بلدي وكل بلاد المسلمين تضيع على طريق الخير، خير الدنيا و الآخرة.
 
أما الوهم الأكبر: فهو ظنكم أنكم على الصراط المستقيم دون مخالفات شرعية ليست بالهينة، وظنكم أن المشكلة في المؤامرات الخارجية والداخلية والشعب الذي يقابل إحسانكم بالجحود ... إلخ إلخ.
 
معذرة مرة أخرى إن كنت قد سببت لك ضيقا بكلامي، لكن حسبي أنك والشباب إخوانك سوف تتغلبون على الآلام وسوف تتوقفون للتأمل لوضع خريطة واقع حقيقية لا وهمية، أهم بنودها تقوى الله (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ومن وصايا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم الذي لقنها لصحابته (اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي).
 
وجاء في تفسير الطبري:
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ)
"هو من عند أنفسكم"، يقول: قل لهم: أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم، بخلافكم أمري وترككم طاعتي، لا من عند غيركم، ولا من قبل أحد سواكم، "إن الله على كل شيء قدير"، يقول: إن الله على جميع ما أراد بخلقه من عفو وعقوبة وتفضل وانتقام "قدير"، يعني: ذو قدرة .. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "قل هو من عند أنفسكم"، بعد إجماع جميعهم على أن تأويل سائر الآية على ما قلنا في ذلك من التأويل.
 
وجاء في تفسير المنار لمحمد رشيد رضا:
وقد تقدم لنا بحث كون العقوبات آثارا طبيعية للأعمال فليرجع إليه من شاء، إن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه تنفيذ سننه بعقاب المسيء وإثابة المحسن وإقامة النظام العام في الكائنات، بربط الأسباب بالمسببات، فلا يشذ عن ذلك مؤمن ولا كافر ولا بر ولا فاجر. قال الأستاذ الإمام: بناء على كون وجه تعجبهم هو وجود الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيهم. أي إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا ينفع أمة قد خالفت السنن والطبائع فلا تغتروا بوجودكم معه، مع المخالفة لله وله، فهو لا يحميكم مما تقتضيه سنن الله فيكم.
 
ويقول سيد قطب –رحمه الله– حول قضية مخالفة أمر الله وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم– :
(أنفسكم هي التي تخلخلت وفشلت وتنازعت في الأمر، وأنفسكم هي التي أخلت بشرط الله وشرط رسوله –صلى الله عليه وسلم–، وأنفسكم هي التي خالجتها الأطماع والهواجس، وأنفسكم هي التي عصت أمر رسول الله وخطته للمعركة.. فهذا الذي تستنكرون أن يقع لكم، وتقولون: كيف هذا؟! هو من عند أنفسكم، بانطباق سنة الله عليكم، حين عرضتم أنفسكم لها. فالإنسان حين يعرض نفسه لسنة الله لا بد أن تنطبق عليه، مسلما كان أو مشركاً، ولا تنخرق محاباة له، فمن كمال إسلامه أن يوافق نفسه على مقتضى سنة الله ابتداءً !). في ظلال القرآن(1/496).
 
وخير الكلام:
(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ * وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) الشورى(30-31).
 
(عن أم سلمة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: ما من عبدٍ تصيبُه مصيبةٌ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهمَّ أْجُرْني في مصيبتي وأَخلِفْ لي خيرًا منها، إلا أجَره اللهُ في مصيبتِه وأخْلَف له خيرًا منها). رواه مسلم.