عقيدة باطلة وخطر كبير

  • 187


يتوسط أهل السنة والجماعة أصحابُ الاعتقاد الصحيح طائفتين إحداهما تكفِّر الحكام والمحكومين وكلَّ من يخالفها في اعتقادها الباطل، ولا يخفى على أحد ما تعانيه بلاد المسلمين والعالم من شرور هذه الطائفة. أما الطائفة الأخرى والتي بدأت في الانتشار فهي لا تقل في ضلالها وخطورتها عن الطائفة الأولى، فأفرادها لا يُصَلّون في المساجد التي يصلي فيها أهل السنة والجماعة ويدخل فيهم عوام المسلمين ولا يلقون السلام عليهم ولا يردونه لأنهم يكفِّرونهم أو يُبدِّعونهم، وهذه الطائفة تعتقد بوجوب طاعة أولي الأمر من الأمراء والحكام طاعة مطلقة في كل ما يأمرون به وينهون عنه، ولا يجوز عندهم مخالفة أولي الأمر في أي أمر أو نهي حتى لو كان ذلك في معصية الله عزّ وجلّ.

وتكمن خطورة هذه الطائفة -من وجهة نظري- في أنها تُعَد حاضنة لأتباع الطافة الأولى، بمعنى أنها تعتبر معملًا لتفريخ الإرهابيين؛ ذلك أنه ما من حاكم من حكام المسلمين إلا وله معارضون يختلفون معه في العديد من الأمور، كما أن لكل حاكم من يضيق صدر بعض محكوميه بسبب بعض قراراته، فإذا وجد هؤلاء المُعرَّضون له من يروِّج لوجوب طاعة الحكام طاعة مطلقة لا تقبل النقاش حتى لو كانت في معصية الله، فإن ذلك سينعكس بلا شك بالسلب على الناس تجاه الحكام، وسوف يترتب عليه المزيد من ضيق الصدر؛ مما قد يدفع العديد من الشباب إلى الانخراط في معتقدات الطائفة الأولى ومن ثَم سيكون هناك المزيد من الإرهاب والقتل والتخريب والتدمير.

والطائفة المذكورة تتصف بالجهل في معتقدات أفرادها، حيث إنهم يتمسكون بنصوص عامة ومُطْلَقة ولا يلتفتون بل ولا يستمعون إلى النصوص الشرعية الأخرى المخصصة لتلك النصوص أو المقيِّدة لها, والتي ينبغي حمل النصوص العامة عليها حيث يستقيم الفهم ولا يكون هناك تعارض بين نص صحيح ونص صحيح آخر.

هذا ولم يرد في كتاب الله نص صريح بوجوب طاعة أولي الأمر إلا نص واحد في سورة النساء حيث يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، وعلى الرغم من شدة وضوح هذا النص في رد التنازع مع أولي الأمر إلى الله وإلى رسوله، لكن أصحاب هذه الطائفة الضالة يتمسكون ببعض النصوص العامة في السنة ويتغافلون -عن عمد- عن مجرد الاستماع إلى النصوص الأخرى المخصِّصة أو المقيِّدة لهذا العموم.

ومن بين النصوص التي يحتجون بها قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». رواه البخاري ومسلم.

ورغم أن هذا النص لا يخدمهم في شيء من معتقداتهم لأن الحاكم هنا يفعل شيئًا يكرهه الناس وليس بالحرام أي أن الحاكم هنا لا يأمر بمعصية الله.

كما يحتجون بنصوص عامة أخرى مثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم بسنده عن ابن عمر: «من خلع يدًا من طاعةٍ لقي اللهَ يوم القيامة لا حجةَ له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن أُمِّر عليكم عبدٌ حبشي كأن رأسه زبيبة». رواه البخاري.

هذه النصوص العامة وغيرها التي تأمر المحكومين بالسمع والطاعة لابد من حملها على النصوص الأخرى التي تقيِّد مطلقها وتخصص عمومها مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» وهو نص يدل على التأكيد والقصر، بمعنى أنه لا طاعة إلا في المعروف.

 وقد ورد هذا النص في قصة السَّرِيّة التي بعثها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستعمل عليها رجلًا من الأنصار، فقال لهم الرجل: أليس قد أمركم رسول الله أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، فقال: فاجمعوا لي حطبًا ثم دعا بنار فأضرمها فيها، ثم أمرهم أن يدخلوها، فقال لهم أحدهم: إنما فررتم إلى رسول الله من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوه فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، فلما رجعوا إلى رسول الله فأخبروه قال لهم: «لو دخلتموها ما خرجتم منا أبدا، إنما الطاعة في المعروف». حديث متفق عليه.

ومفهوم قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الطاعة في المعروف» كما يقول ابن كثير: أي: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وفي حديث عبد الله بن عمرو الذي رواه الإمام مسلم حيث كان جالسا في ظِلّ الكعبة والناس مجتمعون عليه سأله عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قائلا: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا، والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، قال عبد الرحمن: فسكت ساعة ثم قال: «أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله». ولا يخفى على أحد أن معاوية وقتها كان أميرًا للمؤمنين.

والأحاديث في ذلك كثيرة لا يتسع المقام لسردها، لكني أقول لهؤلاء:

هل يُعقل أن يأمر اللهُ عِبادَه بطاعته في كل ما أمر به ونهى عنه وبطاعة رسوله كذلك، ثم يأمر بطاعة أولي الأمر حتى لو أمروا الناس بمعصية الله؟! إن هذا لا يقوله عاقل.

ومَن مِن حكام المسلمين يرضى بأن يُطاع في معصية الله؟ وإذا افترضنا وجود من يرضى بذلك، فما حكمه؟

أسأل اللهَ الهداية  للجميع.