"خدعة" اسمها: "التسويق الشبكي!" (2)

  • 278

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل في هذا المقال كلامنا عن أسباب تحريم "التسويق الشبكي"، والشبهات التي تدور حوله.

فنقول: خلاصة كلام أهل العلم الثقات في "التسويق الشبكي" أنه محرَّم شرعًا؛ للأمور الآتية:

أولًا: أنها تضمنت الربا بنوعيه: "ربا الفضل وربا النسيئة"، فالمشترِك يدفع مبلغًا قليلًا مِن المال ليحصل على مبلغٍ كبيرٍ منه؛ فهي نقود بنقودٍ مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنص والإجماع، والسلعة التي تبيعها الشركة على العميل ما هي إلا ستار للمبادلة، فهي غير مقصودة للمشترك، فلا تأثير لها في الحكم.

ثانيًا: أنها مِن الغَرَر المحرم شرعًا؛ لأن المشترك لا يدري: هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب مِن المشتركين أم لا؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهايةٍ يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم: هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحًا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسرًا؟!

والواقع: أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه؛ فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بيْن أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الغرر، كما رواه مسلم في صحيحه.

ثالثًا: ما اشتملَتْ عليه هذه المعاملة مِن أكْل الشركات لأموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد مِن هذا العقد إلا الشركة، ومَن ترغب إعطاءه مِن المشتركين بقصد خداع الآخرين، وهذا الذي جاء النص بتحريمه في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) (النساء:29).

رابعًا: ما في هذه المعاملة مِن الغش والتدليس والتلبيس على الناس، مِن جهة إظهار السلعة وكأنها هي المقصودة مِن المعاملة، والحالُ خلافُ ذلك، ومِن جهة إغرائهم بالعمولات الكبيرة التي لا تتحقق غالبًا، وهذا مِن الغش المحرم شرعًا، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) (رواه مسلم).

وأما القول بأن هذا التعامل مِن السمسرة، فهذا غير صحيح؛ إذ السمسرة عقدٌ يحصل السمسار بموجبه على أجرٍ مقابل بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفعُ الأجرَ لتسويق السلعة، كما أن السمسرة مقصودُها تسويق السلعة حقيقةً، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس السلعة، ولهذا فإن المشترك يسوِّق لمَن يُسوِّق لمَن يُسوِّق، وهكذا... بخلاف السمسرة التي يُسوِّق فيها السمسار لمَن يريد السلعة حقيقةً، فالفرق بيْن الأمرين ظاهر.

وأما القول بأن العمولات مِن باب الهبة فليس بصحيح، ولو افترضنا جدلًا أن هذا صحيح؛ فليس كل هبةٍ جائزةً شرعًا، فالهبة على القرض ربا، والهبة تأخذ حكم السبب الذي وُجِدَتْ لأجله، وهذه العمولات إنما وُجِدَتْ لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أُعطِيَتْ مِن الأسماء، سواء هدية أو هبة أو غير ذلك، فلا يغيّر ذلك مِن حقيقتها، وحكمها شيئًا.