العدل في المخالطة

  • 250

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنعيش في هذه الفترة من الزمن حالة من الرعب والفزع والخوف؛ وذلك بسبب انتشار هذا الوباء والمرض الذي استعصى على أطباء العالم مع هذا التقدم العلمي الحديث، وهذا يدل على العجز البشري عند المخلوق ليقر الجميع بأننا عبيد لله، لنا قدرة معينه لا نتعداها، وعلى الجميع الاعتراف بهذا العجز، بل صرح بذلك بعض المسؤلين الكبار في بعض الدول الكبيرة، وهذا من فضل الله أن يعترف بعجزه ويلجأ إلى خالقه قهرًا، والحمد لله على نعمة الإسلام؛ لأننا نعتقد ذلك، ونقر به في كل أحوالنا؛ في السراء والضراء، في الصحة والمرض، في الفقر والغنى.

ونجد كثيرًا مِن الناس يحذرون مِن مخالطة مريض كورونا والأمراض المعدية، وهذا مطلوب وجميل؛ لكن لا ينبغي المبالغة في ذلك، والشرع الإسلامي قد أمر بالاحتياط من ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ، ابْتَلَى الله -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ، فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ) (رواه مسلم).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ)، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ الإِبِلِ؟ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيُخَالِطُهَا البَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ) (متفق عليه)، يعني: أن المرض نزل على الأول بدون عدوى، بل نزل مِن عند الله -عز وجل-؛ فكذلك إذا انتقل بالعدوى، فقد انتقل بأمر الله.

ولماذا يخاف الكثير مِن المخالطة؟!

طبعًا خوًفا من الموت، أقصد موت البدن، وهذا حقهم، لكن العجب العجاب أنهم يخالط كثيرًا من المرضى بأمراض خطيرة ومعدية وقاتلة، تقتل وتفسد أهم أعضاء البدن؛ ألا وهو القلب؛ لأن موت القلب موت للجسد كله.

وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه)؛ لأن القلب مقر الإيمان والعبادات القلبية، مثل: اليقين والإخلاص، والحب والبغض، والرجاء والخوف، فإذا فسد القلب تفسد العبادات أو تضعف جدًّا، وهذا فيه خطر على الإنسان.

فنجد كثيرًا من الناس يخالط آكل الربا، ويكون أكيله وشريبه وجليسه، ولا ينصحه ويعلمه، وربما شجعه فيفعل هو كذلك ويقع في الحرام؛ أيضًا نجد مَن يخالط أصحاب البدع ويصادقهم، وربما يفعل هو نفس البدع؛ لأن الصاحب ساحب، ونجد مَن يخالط أصحاب الذنوب والمعاصي ويصبحون أصدقاء يتعاونون على الإثم والعدوان، وهذا يخالف النصوص الشرعية من القرآن والسُّنة، بل ربما ينفقون الأموال الكثيرة في هذا المجال، ويتفننون في ذلك، ويقول أحدهم: أنا خبرة في كذا وكذا! تعالوا معي إلى شرم، وغيرها من أماكن الفسق، نعوذ بالله من ذلك.

ونجد مَن يخالط أهل الفن والغناء، ويشجعون بعض من الشباب في عمر الورود، ويعتبر نفسه بطلًا وخادمًا للمجتمع، وهو على غير صواب، ومقيم على محرم، بل يجد بعض علماء السوء يفتي له بحل ذلك، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

نجد مَن يخالط أهل الخمر ويجلب لهم ذلك، ويساعد الشباب أن يعملوا في هذه المصانع ويغريهم بالراتب الكبير، والشباب يتحجج بقلة العمل وعدم وجود فرص عمل؛ ألم يعلم قول الله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق:2-3).

كذلك نجد نوعًا من المخالطة غريبًا وعجيبًا، وهو مخالطة تارك الصلاة وربما يكون أقرب الناس إليه، ويكون من أعز الأصدقاء، وربما تارك الصلاة هذا يكون خارج من الملة؛ لأن تكفير تارك الصلاة فيه خلاف سائغ، فمِن العلماء مَن يكفره الكفر المخرج مِن الملة، ومنهم مَن لا يكفره؛ فأنت تخالط إنسانًا خان أول المحسنين إليه، ولا تنصحه ولا تصارحه، بل تستحيي منه؛ فهذا خجل مذموم!

هذه المخالطات الأخيرة كلها تقع في المجتمع ويفعلونها عن طيب خاطر، ولا يخافون على قلوبهم من الفساد والموت، عجب! فكيف بإنسان يخاف من المخالطة خوفًا على بدنه، ولا يخاف من المخالطة التي تفسد ملك البدن، وهو القلب.

كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاحب المعصية كالأجرب بين الأصحاء يبتعدون عنه، وقصة كعب بن مالك وصاحباه -رضي الله عنهم- معروفة في السنة، وكيف تعامل معه النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن المقاطعة، وعزله عن المجتمع حتى نزلت فيهم الآيات بالتوبة؛ لأنهم كانوا صادقين.

نريد مِن الجميع العدل في المخالطة بين الناس مع جميع المرضى بعدلٍ وإنصافٍ وفقهٍ، وعدم مخالطة أصحاب المعاصي والذنوب خوفًا على قلوبنا، فنتعلم مَن نخالط ومَن نفارق بأدبٍ، مع مَن نتعامل بكل رفق ولين جانب؛ لأن كل هؤلاء محل دعوتنا، ومجال عملنا الذي نؤجر عليه من الله -تعالى-.

نسأل الله -تعالى- الإخلاص في القول والعمل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

والحمد لله رب العالمين.