رسالة للمتجرئين على الدماء (2)

  • 42

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكبيرة توعَّد الشرع فاعلها بعقوبات لم ترد لغيرها عدا الشرك، كبيرة يربو إثم مرتكبها على المعتدي على الكعبة، كبيرة قُرِنَت بأبشع الجرائم: الشرك والزنا، كبيرة صاحبها في ورطة ما أصعبها؛ إنها القتل وسفك الدم الحرام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أول ما يقضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء".

وتوعَّد القرآن القاتل بعقوبة لم ترد لغيرها من الكبائر، فقال -تعالى-: "‌وَمَنْ ‌يَقْتُلْ ‌مُؤْمِنًا ‌مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، وقرنها القرآن بأبشع الجرائم، فقال: "‌وَالَّذِينَ ‌لَا ‌يَدْعُونَ ‌مَعَ ‌اللَّهِ ‌إِلَهًا ‌آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا".

وفي آية أخرى تقشعر منها الجلود وتفزع لها القلوب يقول الله: "‌مَنْ ‌قَتَلَ ‌نَفْسًا ‌بِغَيْرِ ‌نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"؛ ذلك لأنه إنما يتبع هواه في ذلك فيتجرأ على قتل مَنْ لا يستحق القتل، فلا فرق عنده بين المقتول وغيره، فتجرأ على قتله فكأنما قتل الناس جميعًا. "ومَن أحياها" أي: استبقاها لم يقتلها؛ منعه خوف الله من ذلك، "فكأنما أحيا الناس جميعًا"؛ لأن ما معه من الخوف يمنعه مِن قتل مَن لا يستحق القتل.

ورهَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الجريمة ترهيبًا عظيمًا فقال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- ينظر إلى الكعبة ويقول: "ما أعظمك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك!"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا أو الرجل يموت كافرًا"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار".

بل يضيق الخناق على مرتكب هذه الكبيرة فيصبح في ورطة لا مخرج منها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا"، أي: ارتكاب الدم الحرام لا يقوم له ما لدى العبد من حسنات. وقال -صلى الله عليه وسلم: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله".

وفي مشهد رهيب في ساحة القيامة نجد المقتول يمسك برأس القاتل مقبلًا نحو العرش قائلًا: "يا رب، سل عبدك فيمَ قتلني؟!".

فهل هناك مسلم يطالع هذه النصوص ويتفهمها ثم يتجرأ على الدم الحرام؟!

إن من أعظم مشكلات الأمة ضعف دور الوحي في حياتها، ومن هنا تثور الفتن وتتفاقم الأمور، ولا شك أن تقوية الصلة بالوحي في المنزل وفي المسجد وفي المدرسة وسائر مناحي الحياة كفيلٌ بعودة حميدة إلى صراط الله وإلى دينه القويم؛ حيث يعرف كل فرد في المجتمع ما له وما عليه.

نسأل الله العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة.